عندما قُتل الخليفة عثمان بن عفان، رضىَ الله، كان تقريبًا فى نفس العمر الذى خُلع فيه الرئيس الأسبق حسنى مبارك (82 عامًا)، ورغم وجود بعض التشابهات فى أمور الحكم، فإنه من السذاجة أن نقارن بين العصرين، ومن الحماقة أن نقارن بين الشخصيتين، لكن هذا لا يمنع إمكانية المقارنة الشكلية فى بعض الأمور الجانبية، والظروف التى تتبع الثورات وتنبع من جو الفوضى والفتن، فمثلًا تكشف لنا مأساة الرجل الكبير فى الحالين أن الكل يرتب لما بعده، أكثر مما يفكر فى أمره، حتى إن عثمان دفن سرًّا، ولم يقتصَّ له أحد ممن جاؤوا بعده، فقد استغل المتصارعون على السلطة «قميص عثمان» كوسيلة للتحريض والقتل من أجل الفوز بالخلافة، وذهب كل طرف وراء الغرض الذى كان ينشده من غياب الخليفة، بينما ظل أمر الفتنة نفسه معلقًا فى رقبة «مؤامرة» دبرها «طرف خفى»، شاع فى عصرنا أنه «الطرف الثالث»، وشاع فى الروايات التاريخية السُّنية أنه «عبد الله بن سبأ» المفاجأة أن ابن سبأ ليس مجرد شخص، لكنه أسطورة متكاملة الأركان، ينسب إليه البعض التخطيط والمشاركة فى مؤامرة قتل الخليفة الراشد عثمان بن عفان، رضى الله عنه، والتخطيط للفتنة الكبرى وما تلاها من فتن شطرت دولة الإسلام، حيث لعب دورًا كبيرًا فى إشعال موقعة الجمل بعد أن نجح فى إفشال الصلح بين الإمام على، كرم الله وجهه، من جانب، والسيدة عائشة والصحابيين، الزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله، (رضوان الله على الجميع) من جانب آخر، كما أسس مذهب السبئية، وهو من أكثر المذاهب تطرفًا وتشيعًا، وقيل إنه لم يكتف بالدعوة لأحقية علىٍّ فى الخلافة، حسب مقولته المبكرة لكل نبى وصىٌّ، وعلىٌّ هو وصىُّ الأمة ، بل نادى بألوهية الإمام على (نستغفر الله)، وذكر بعض مصادر التاريخ وتراجم الرواة وكُتاب السِّير أن الإمام نفاه إلى المدائن، وأحرق بعض أشياعه الذين اعتنقوا هذه الأفكار الضالة لكى يحاصر الفتنة. وفى معرض أحاديثها عن الدور التخريبى لابن سبأ ذكرت تلك المصادر أن ابن سبأ كان يهوديا من أهل اليمن ادعى الإسلام نفاقًا، وأظهر تشيعًا شديدًا لآل البيت، لكنه كان يضمر فى نفسه حقدًا على الإسلام، فاتخذ من حب الإمام على ستارًا لكى ينشر الفتنة والبغضاء بين المسلمين، وبدأ يُشهر العداء للسيدة عائشة والخلفاء السابقين على الإمام. فى المقابل نفت مصادر أخرى وجود هذه الشخصية من الأساس، واستنكر عدد من الكُتاب القدامى والمحدثين إمكانية أن يكون لشخص واحد مثل هذا التأثير الكبير على مجرى تاريخ أمة يافعة فتحت ربوع العالم فى ذلك الزمان. وهكذا بدأت فتنة جديدة تدبّ بين المؤرخين بشأن ابن سبأ، وهل هو شخصية حقيقية أم وهمية، فالمتحمسون لوجوده أكدوا أنه يهودى أسلم فى زمن عثمان، وأخذ يجوب بلاد المسلمين منذ عام 32 ه، فانتقل من الحجاز إلى البصرة، ثم الكوفة، وبعدها الشام حتى استقر فى مصر سنة 34 ه، وخلال إقامته فى الفسطاط جمع حوله أنصارًا ووضع عقيدتى الوصية والرجعة ، وحافظ على علاقاته فى العراق، حتى نجح فى نشر السخط، ونظّم المسيرات التى أدت فى النهاية إلى مقتل عثمان، وذكر مؤرخون أنه شارك بنفسه فى عملية القتل حيث دخل على الخليفة وخنقه بيديه حتى مالت رأسه، ولما خرج دخل أتباعه ليُجهِزوا على عثمان، وأشار إليه مؤرخون آخرون بلقب الموت الأسود ، و ابن السوداء ، وهى ألقاب ستفيدنا بعد ذلك فى مناقشة قضية وجوده كشخصية حقيقية، حيث أنكر البعض ذلك واعتبروه شخصية وهمية اخترعها البعض ضمن نظرية المؤامرة التى تلقى بأسباب كل أزمة على عوامل خارجية، فحتى سنة 1947، كانت الخلافات بشأن شخصية ابن سبأ محدودة وبسيطة، وانحصرت فى كونه من يهود صنعاء أم حمير أم همدان؟ أم من أهل الحيرة فى العراق؟ وبرر البعض هذه الخلافات بأنها نتيجة طبيعية لتنقلات القبائل، فقد يكون أصله من اليمن ثم انتقل مع والده إلى العراق. ولكن مَن والده؟! هذه هى المفاجأة التى نتعرف عليها غدًا.