نعم.. أنا عاتب عليك.. ألومك يا بلدى! لماذا تخليتِ عنى؟ لماذا جحدتِنى كل هذا الجحود؟ ألم أكن فتاك؟! ألم أسهر يوما على شط نيلك عاشقا هائما وفى ترابك متيًّما أزرف الدمع فى بعدى عنك؟! ألم يجافِنى النوم فى بُعدك عنى؟ ألم نكن عاشقين؟! ألم أبدأ حياتى جنديا يرفع رايتك، يعلى اسمك ويهتف بحياتك فلماذا تنهين حياتى بظلم وقسوة؟! لماذا تنكِّسين رايتى تحت أقدام فاسدين، لا يعرفون الله ولا يعرفونك؟! ألم أرسمك فى لوحاتى.. أمى وأبى؟! ألم أفخر بسمار لونى لأنه من لفحات شمسك ومن غرس طمى أرضك؟! لم تغيبى عن خاطرى فلماذا تنكرينى؟ ألم أنظم فيك شعرا، وأبياتا من الحب والعشق والجنون؟ فلماذا تكبلين يدى التى رسمتك وخطت اسمك على مساحات الدنيا؟ ودوما كنت نقشى الجميل، فلماذا تغمسين أصابعى العشرة فى حبر حالك؟ لماذا تهينين أنامل ذابت وهى تبدع صورتك؟! هل يجوز أن أجمِّلك وتشوهيننى؟! هل يجوز أن أحرص عمرى على حريتك.. وتزهقين حريتى؟! سأشكوك إلى أم كلثوم، وعبد الوهاب، والسنباطى، سأفضى بشجنى لعبد الحليم حافظ.. فكل من غنى لك شاهد على عشقى. سأشكوك إلى طه حسين والعقاد وشوقى وحافظ إبراهيم.. سأقول لهم كيف ذبحتى أولادك، وكيف شرختِ نفوسا بريئة هم شرفاؤك.. سأقول لهم ضاعت بلادى فى زمن دلل السفهاء.. ومكن الأدعياء وفتحت لهم الأبواب.. كل الأبواب.. سأقول لحافظ إبراهيم: يا شاعر النيل يا من قلت (بلادى وإن جارت علىَّّ عزيزة.. وأهلى وإن ضنُّوا علىَّ كرام، هل كنت ستقول نفس الأبيات لو عشت فى زماننا هذا؟ ورأيت بلادك تمنح الحرية للصوص الآثار ولمن أحرقوا خيرة الفنانين فى بنى سويف وأحرقوا منابر التاريخ والحضارة فى (قصر المسافرخانة) و(المسرح القومى) ودمروا لوحات قصر محمد على ودار الأوبرا. سأقول لحافظ إبراهيم: يا حافظ، اللصوص امتلكوا القصور فى بلادى وتنزهوا متفاخرين بيخوت الفساد فى نيل بلادك يا شاعر النيل! يا حافظ يا من كنت تشتهى فنجانا من القهوة بحديقة الأزبكية فلا تشربه، لأنك لا تملك ثمنه! سفهاء هذا الزمان يقتطفون من نيل مصر ردما عند (منيل شيحة) ليبنوا قصورا لهم يا شاعر النيل! يا حافظ بلادك التى إن جارت عليك عزيزة هى حقا (عزيزة) لأنها فعلا لم تجر عليك! وهى ليست بلاد هذا الزمان التى تكيل بمكيالين. وجارت على، وبرَّأت الفاسدين فلم يتواروا! سلام يا حافظ، وسلام لشوقى، ولكل الشرفاء فى زمانكم.. لأنهم ماتوا!