من مسافة لا تزيد على 300 متر من السفارة المصرية بشارع الشط فى العاصمة الليبية طرابلس، تجد المكان الأشهر الذى يتجمع فيه المصريون وهو قهوة «أبو أحمد» وقهوة «سلسبيل»، فى شارع يطل على ساحة الشهداء (الساحة الخضراء سابقا)، حيث يطلق المصريون فى ليبيا على يوم الجمعة «عيد المصريين» يلتقون جميعا فى قهوة «أبو أحمد» وصاحبها اسمه الحقيقى محمد كامل الشربينى، مواطن ليبى من أب مصرى، وأم ليبية، كان يقيم فى روض الفرج، ويمتلك أيضا محلا للفول والطعمية بجانب القهوة، أما قهوة «سلسبيل» فيملكها مصرى. الثورة المصرية والثورة الليبية أعادتا الكرامة للمصريين العاملين فى ليبيا بعد أن أهدرها نظام مبارك السابق، «التحرير» التقت أحمد مرسى غريب أو «بلبل الكهربائى» كما يشتهر بين المصريين، لم يتبق سوى عام واحد حتى يكمل بلبل عقده الخامس فى الحياة، لكن المفاجأة أن 20 عاما منها فى ليبيا، لم يقم خلال كل تلك المدة بزيارة مصر، والسبب أنه لا يحمل جواز سفر. قضى بلبل نصف عمره فى السجن فى مصر، لكن أعلن توبته فى ليبيا سألته «التحرير» عن أحوال المصريين فى طرابلس، فكان رده أن الشىء الأصعب فى حياة المصريين فى ليبيا، هو شعورهم الدائم بأنه لا كرامة لهم، لكن هذا الشعور اختلف بعد نجاح الثورة، مشيرا إلى أن المصريين الذين يتعرضون لحوادث لا يتكفل أحد بمصاريف نقل جثثهم إلا المصريون العاملون فى المنطقة، بينما لا تفعل لهم السفارة شيئا. أما بخصوص التعليم، فإن المصريين يعامَلون ككل الأجانب فى ليبيا، يدفعون 500 دينار ليبى سنويا مصاريف لكل طالب من أبنائهم. محمد وجدى زيد القائم بأعمال السفير المصرى فى طرابلس كشف النقاب ل«التحرير» عن نزوح نحو 775 مواطنا مصريا من ليبيا خلال أسبوع واحد فقط من سيطرة الثوار على العاصمة طرابلس فى 20 أغسطس الماضى من خلال 3 رحلات نظمتها السفارة المصرية بالتعاون مع منظمة الهجرة الدولية، وفى بنغازى ينزلون فى مخيم ثم يستقلون أتوبيسات إلى السلوم ومنها إلى الإسكندرية. وكانت السفارة قد تلقت ما يزيد على ألف طلب من المصريين الراغبين فى مغادرة طرابلس. من ناحية أخرى، تمكنت «التحرير» من الاطلاع على وثيقة عبارة عن قائمة بأسماء 37 مواطنا مصريا كان من المفترض إطلاق سراحهم من سجن «أبو سليم» السياسى الشهير فى العاصمة طرابلس يوم 21 أغسطس الماضى وفق الاتفاق الذى تم بين الخارجية المصرية والسلطات الليبية، وأكد مصدر دبلوماسى أن التهم الموجهة إليهم جميعا كانت تهما سياسية، هى المساس بشخص القائد. على نفس المقهى «أبو أحمد»، التقينا محمد شاورما شاب مصرى يبلغ من العمر 38 عاما من شبرا، دخل ليبيا فى أوائل التسعينيات ببطاقته الشخصية دون أوراق رسمية أخرى، قضى فى زيارته الأولى 14 عاما متواصلة دون أن يسافر، وفى 2003 ذهب إلى السفارة المصرية فى طرابلس للحصول على باسبور، وبالفعل حصل عليه، وبعد ساعات سافر إلى مصر ليزور أهله رغم أنه لم يكن فى جيبه سوى 35 دينارا. ويحكى شاورما أن نظام القذافى كان يجبر المصريين على الخروج فى مظاهرات لتأييده، ومن يرفض يتم الوشاية به، ويكن مصيره السجن. شاورمة أحد هؤلاء الذين رفضوا تأييد القذافى، مبررا ذلك بأنه لن يشجع شخصا فى عباد الله، وكلفه ذلك القرار أنه لم يذهب إلى المقهى لمدة 3 أشهر، وأنه رفع علم ليبيا مع الثوار فى ساحة الشهداء عندما دخلوا طرابلس، لأن تلك اللحظة ذكّرته باللحظات التى كان يبكى فيه عندما كان يرى المصريين يموتون فى ثورة 25 يناير. هانى عبد العزيز شاب مصرى قضى من عمره 7 سنوات فى ليبيا، حكى عن معاصرته الأحداث، وقصة اعتقاله، يقول «كنت محبوسا فى الحوش (البيت) منذ بدء الأحداث، ومعى فى السكن اثنان من المصريين كبار السن، وليس لدينا طعام ولا شراب، خرجت لأشترى أكلا وشرابا، شاهدتنى كتائب القذافى، ألقوا القبض علىّ وضربونى ضربا مبرحا، واتهمونى بأنى قمت بتصوير (أمانة العدل) وهى مشتعلة»، لم يستطع هانى منع إهانتهم له، واقتادوه إلى سيارة فيها ما يزيد على 25 مصريا، أخذوا منه 160 دينارا كانت فى جيبه، وهاتفيه المحمولين، وحتى ميدالية المفاتيح أخذوها. يحكى هانى عن قصص تعذيب واعتقال أخرى حدثت للمصريين فى ليبيا على أيدى رجال القذافى، يحكى عن رمضان الحداد، 50 عاما، اعتُقل لمدة 12 يوما، كاد يفقد حياته من شدة التعذيب، تهمته الوحيدة أنه مصرى، وأن العقيد القذافى كان يقول إن المصريين هم الذين يقاتلون لا الليبيين. لم تكن للمصريين كرامة فى ليبيا قبل الثورة، لكن المعاملة تغيرت بعد ثورة 25 يناير، والمصريون هناك يطالبون بمكتب لصيانة حقوق العاملين فى ليبيا وتوثيق تعاملاتهم لأنهم يتعرضون لعمليات نصب كثيرة على أيدى ليبيين، كما أنه غير مؤمن عليهم، وإذا أصيب أى واحد منهم أو فقد حياته، فينطبق عليه المثل الشعبى «كلب ومات».