أظن أن أغلب القراء الأعزاء سمعوا بالطرفة التى تقول ظلما وافتراء إن اثنين من بلدياتى (أنا والصديق عمر طاهر) جلسا ذات يوم ليلعبا معا لعبة الورق أو «الكوتشينة»، فلما أنهيا اللعب تبين أن كليهما خسر، مع أن قواعد اللعبة تقضى بحتمية أن يكسب واحد منهما. هذه الطرفة، أهلنا الصعايدة أبرياء منها طبعا، لكنها بدت لى منطبقة تماما على حالة المرشحَين الرئاسيَين السيد عمرو موسى وصديقى الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح، عندما خرجا منهكَين مهزومين من المناظرة التليفزيونية التى أقيمت بينهما مساء أول من أمس فى خضم زفة عارمة وصاخبة، انتهت بعقاب من السماء نزل علنًا على الاثنين، وطال أيضا هؤلاء السادة الذين نظموها بطريقة غير مضبطة وغير عادلة، لم تخل من استخفاف مؤسف بأصول مهنية مهمة، أدى التساهل فى الالتزام الصارم بها إلى النيل من مصداقية وموضوعية هذه المناظرة، وجعلها تسكن قبل أن تبدأ صورة الدعاية الترويجية لمرشحَين اثنين بعينهما انتُقيا انتقاء من بين سائر المرشحِين الآخرين، استنادا إلى تبريرات وحجج واهية لو كانت صحيحة (وهى ليست كذلك) فهى أقبح من الذنب وتُصادر على المطلوب من مثل هذه المناظرات. ولأن عقاب المولى تعالى ينزل دائما على من يستحق مشمولا بحيثيات عادلة، فإن خسران أطراف المناظرة الثلاثة (المنظمين والمتناظرَين الاثنين) لم يكن مجرد قدر أسود هبط عليهم من دون أسباب، وإنما كانت الأسباب المرجَحة للإخفاق وعدم التوفيق الذى أصاب كلا منهم موجودة أصلا وواضحة وإن اختلفت وتنوعت بين طرف وآخر.. يعنى مثلا أهم أسباب إخفاق عمرو موسى أنه بدا غير قادر على التحرر من ثقل ميراث انتمائه القديم إلى نظام سقط بعفنه وإجرامه وفساده، ولم تفلح مبالغة الرجل فى إظهار القوة والثقة بالنفس التى لامست كثيرا حدود الغرور والعجرفة فى تخفيف هذا الثقل، بل بالعكس زادت من عوامل نفور قطاع لا بأس به من جمهور المشاهدين رغم النجاح الملحوظ الذى أصابه فى إبراز نقطة ضعف خصمه وحصاره داخلها أغلب وقت المناظرة. فأما مكمن الضعف الكبير عند صديقى أبو الفتوح، ذلك الذى عمل عليه السيد عمرو موسى بقوة وإصرار، فهو توسله بالغموض وعدم الوضوح ومحاولة صنع صورة انتخابية «all size» تصلح لكل مقاسات اليمين واليسار معا، وتناسب كل الأذواق والاتجاهات، وتستقطب أصوات التيارات المدنية والليبرالية، وترضى فى الوقت نفسه أصحاب مشروع الدولة الدينية، وممارسة السياسة بغطاء من قداسة زائفة، وتحت زعم كاذب بحمل توكيل بالحكم من المولى تعالى.. وبسبب أن هذه المحاولة مستحيلة أصلا، فقد أحدثت شرخا خطيرا فى موقف الدكتور أبو الفتوح استغله موسى ونفذ منه وجاهد لتعميقه وإظهاره جليا واضحا أمام عيون المشاهدين. يبقى سبب إخفاق المنظمين فى الحفاظ على مصداقيتهم المهنية راقدا فى استجابتهم المعيبة ل«الفيتو» الذى وضعه (بإصرار وعصبية) كل من أبو الفتوح وموسى على مشاركة مرشحين آخرين فى المناظرة، خصوصا حمدين صباحى الذى كان دُعى رسميا وكتابة إلى هذه المناظرة فقبل الدعوة فورا، لكنه فوجئ بأن الداعين سرعان ما تراجعوا من دون اعتذار ولا إبداء أى أسباب.. غير أننا جمعيا الآن عرفنا وتأكدنا من السبب الحقيقى!!