«بص، بص، حد يقدر يصلح البلد دى؟ ده ربنا، أستغفر الله العظيم، فقد فيها الأمل». قال سائق التاكسى وهو واقف فى زحام شارع بورسعيد الحيوى، الذى يمتد من السيدة زينب إلى ما بعد الوايلى. أرى معظم الاختناقات المرورية فى مصر مرتبطا بسلوك السائقين أكثر من كثافة المرور. تقف فى صف طويل من السيارات لا يكاد يتحرك، وعند نقطة معينة تنساب حركة السير، فتجد أن ما كان يعطلك أنت ومئات غيرك إما موضع دوران إلى الخلف لم يلتزم عنده السائقون بالحارة المرورية القريبة منه، بل احتلوا ثلاث حارات مرورية عرضية وتركوا حارة واحدة تمر من خلالها السيارات سيارات ميكروباص تقف فى أكثر من صف (أو سيارة واحدة تحجز لنفسها نصف الشارع) وتترك أيضا حارة مرورية واحدة لغيرها من السيارات. أتوبيسات تابعة لشركة (كما عند البنك الأهلى على كورنيش النيل). شارع بورسعيد لم يخل أبدا من مواضع اختناقات مرورية، لكنها حلت إلى حد بعيد حين كانت هناك إرادة لحلها -نقل شادر السمك- إلغاء الترماى، عدل خط سير المرور فى الضاهر، إنشاء كوبرى لتجاوز إشارة الزاوية الحمراء. لكن أحدا لم يستطع السيطرة على سلوك سائقى الميكروباص، الذين خلقوا عدة بؤر دائمة للاختناق المرورى، واحدة منها إلى جوار محطة مترو أنفاق غمرة وأخرى عند الوايلى وثالثة عند مستشفى باب الشعرية. كما أن أحدا لم يستطع السيطرة على مشكلة سيارات نقل البضائع عند الموسكى، بالتحديد عند مطلع كوبرى الموسكى. والآن أضيفت مشكلة خطيرة، هى أكوام الهدد فى منطقة القصيرين التى توشك -بلا مبالغة- أن تسد الشارع تماما. ولك أن تتخيل شارعا يسع أربع سيارات أو خمسا تتقلص سعته المرورية عند نقطة إلى سيارة واحدة. أريد بهذا الاستعراض المبسط أن أقول إن سائق التاكسى غلطان.. إدارة الملفات التى تخدم المواطنين (والمواصلات من أهمها) تحتاج إلى إرادة سياسية وإلى كفاءة إدارية، لا أكثر ولا أقل، والتعامل مع المشكلات المرورية يبدأ من تحديد بؤر الاختناق ثم التعامل مع كل منها بما يصلحها.. السؤال الحقيقى هو: هل هناك إرادة وكفاءة لحلها؟ بعض البؤر مثل تلك التى تسببت فيها مشكلة الهدد يحتاج إلى تفعيل قوة القانون ومساءلة رئيس الحى عن فشله فى السيطرة على المشكلة، ومساءلة أصحاب المبانى الجديدة عن كيفية تخلصهم من مخلفات الهدد، وتحتاج إلى حلول إبداعية، من الممكن مثلا استخدام نظام المواطنين المتطوعين، وهو نظام صار مستخدما فى أكثر من مكان فى العالم مع انتشار تكنولوجيا الاتصالات. ويتلخص فى التخويل إلى بعض المواطنين (المتضررين من مخالفة معينة) سلطة تصوير مخالفى القانون واستخدام ذلك فى الادعاء القانونى (تصوير الأشخاص الذين يلقون مخلفات الهدد أو الزبالة فى الطريق العام). أعرف أن هناك تفاصيل أخرى لا بد من أخذها فى الاعتبار، مثل عدم تعرض أمثال هؤلاء المواطنين المتطوعين للأذى بسبب تطوعهم. كما يجب على الدولة -قبل معاقبة الناس- توفير وسائل للتخلص من مثل تلك المخلفات. لكن المقصود أنه ما من مشكلة إلا ومن الممكن حلها أو على الأقل إدارتها والتعامل معها يقودنا هذا إلى سؤال تال: كيف نوفر الهيكل الإدارى القادر على التعامل مع تلك المشكلات؟ وجزء من الحل -من وجهة نظرى- هو لا مركزية الإدارة، أى إعطاء سلطات أكبر لمجموعات عمل صغيرة تخضع لرئيس الحى. على أن يكون رئيس الحى منتخبا انتخابا مباشرا من المواطنين، ومحاسبا أمامهم على حجم إنجازاته. كما لا بد من فصل قطاعات الشرطة المختلفة، بحيث تنفصل شرطة المرور والمرافق والمطافئ عن وزارة الداخلية وتنضوى تحت لواء وزارة الحكم المحلى، ويرفع قادتها تقاريرهم إلى رؤساء الأحياء والمحافظين. كتبت هنا من قبل أطالب بسرعة إجراء انتخابات المجالس البلدية، بأن تكون «المحليات أولا». لا أزال مقتنعا بجدوى هذا، لكن لا بد فى الوقت الحالى، أن تعذر هذا، من السماح بدور أكثر نشاطا للجمعيات الأهلية الخدمية، ولا بد من فتح الباب أمامها لتلقى تمويلات محلية وأجنبية شفافة للقيام بمشاريع من هذا النوع.. آن الأوان لكى يشعر الناس أن شيئا تغير فى إدارة بلدنا