انتهى موسم الفلول. كل سنة وأنتم طيبون. لا أحب كلمة الفلول، أعتقد أنها غير دقيقة، اختصار مخل، لا يعبر عن شبكة واسعة ضربت مصالحها بسقوط النظام. فى هذه الشبكة مستويات مختلفة: الرؤوس، والمديرون، والمستفيدون، والذين ربطوا مصالحهم بعجلة النظام. ليس كلهم أشرارا. لكنهم الآن ضد الثورة. الثورة لم تخلق شبكات مصالحها، ولا كونت جدران حمايتها فى السلطة.. ولهذا يجد كل المشاركين فى جريمة النظام الساقط فرصتهم فى الهجوم على الثورة، والسخرية منها، ونشر اليأس من التغيير. واليأس هو السلاح الأقوى لتحقيق نهاية مبكرة للثورة، تنشط بعدها شبكات المصالح لتعيد إنتاج نفسها مع سلطة جديدة وحكام جدد يرتدون نفس ملابس مبارك فى الأيام الأولى، ليعاد المسلسل السخيف الذى عشنا حلقاته 30 سنة كاملة. وهكذا بنهاية رمضان انتهت جولة كبيرة من جولات نشر اليأس، واستعادة «الفلول» منصات التحكم فى المزاج العام، وهى جولة أنفقت فيها أموال طائلة ليعود فيها نجوم عصر مبارك كأنهم قادة معركة شريفة. رأس المال المتحكم فى قنوات التليفزيون تربى أساسا فى عصر مبارك، وله دورة يحافظ عليها ومصالح متحركة بأوامر وخطط نصفها هنا فى القاهرة والنصف الآخر فى لندن، حيث يتجمع الهاربون كأنهم فى إجازة صيف طويل. كان الهدف واحدا من موسم رمضان: أن تصبح الثورة سلعة تبتذل من حزب الاستهلاك الذى يهضم كل شىء فى رمضان، الموسم الكبير للاستهلاك. الأموال الضخمة التى أنفقت على حزب الاستهلاك، لم تكن بريئة هذا العام. أصحاب الأموال قرروا الدفاع عن دورة نفوذهم، واستعادة مواقعهم المهددة بالثورة، عاد فى رمضان كل المشاركين فى جريمة مبارك ولكن بوجوه الضحايا والحكماء. دورة المال فى الإنتاج التليفزيونى تعتمد على شريحة غريبة جدا تفعل كما كان يفعل أغنياء الحرب فى الثلاثينيات، حين كانت تؤهلهم قدراتهم العقلية المحدودة والمعتمدة على اقتناص المال بأى وسيلة، حتى لو كانت المتاجرة فى مخلفات الحروب أو مصائب الناس خلال أو بعد المعارك الحربية. الحرب رفعت أرصدة هؤلاء الأغنياء لكنها لم ترفع درجة وعيهم ولا ثقافتهم.. وانحصرت قدراتهم فى المنافسة على شراء كل ما هو رائج.. وهذا من قبيل المنافسة والغيرة وليس حتى من قبيل المنفعة الاقتصادية. أغلب أصحاب الثروات فى عصر مبارك، أغلبهم وليس كلهم، قريبو الشبه بعقلية أغنياء الحرب.. ربما لأن ثرواتهم فعلا تكونت فى حرب ميليشيات الفساد التى سيطرت على كل مؤسسات الدولة فى عصر مبارك.. هؤلاء أرادوا فى رمضان وصل ما انقطع.. وعبر تحويل شاشات رمضان إلى منصات يظهر فيها شركاء فى جريمة مبارك على أنهم أطراف فى مواجهة الثورة. وعى المنتجين وأغلب المقدمين لم يستوعب أن الثورة قطعت الوصل مع الفساد والاستبداد، واستحضرت أشباح النظام الساقط، ليطمئنوا الشبكات النائمة على أن الثورة ستكون «إجازة قصيرة وإن طالت». شبكات المصالح النائمة تعيسة لأنها تحارب وهى خائفة، تراهن على قوانين لم تعد مالكتها وحدها، وتتاجر فى الخوف من المستقبل هذه بضاعتها مع اليأس. الفلول «حتى نجد تعبيرا أدق» أصبحوا تجار يأس وخوف.. هذا هو مصيرهم التعس، أو مصير الثورة إذا لم تستوعب دروس الثورات الشعبية. لا بد من إزالة آثار عدوان كل المستفيدين من مبارك، إنهم يدافعون فى جحورهم وقنواتهم وصحفهم.. دفاعا عن استمرار دوران عجلة الثروات الممنوحة ببركة السلطة. إنه عيد جديد تماما. مصر تغيرت.. بثورة لا بد أن نحميها. لا بد من قانون يحميها. إنها الثورة التى أنقذت مصر من أغنياء الحرب، الذين بنوا منتجعاتهم وعلوا أسوارها وتركوا الشعب خارج الأسوار مثل الوحوش الجائعة. كل سنة والثورة قادرة على تحرير مصر من تجار اليأس وبائعى الخوف.