المعركة الرهيبة الدائرة هذه الأيام حول مشروع قانون السلطة القضائية والمحاولات المستميتة لعرقلة وإجهاض خطة المجلس الأعلى للقضاء تحت رئاسته المرموقة الحالية لتوفير وتقنين ضمانات استقلال حقيقى لمرفق العدالة فى البلاد بعد عقود مرت بطيئة وثقيلة شاهدنا خلالها آيات مرعبة من العربدة والعبث والتدخلات الإجرامية فى شؤون هذا المرفق الخطير الذى يفترض أنه الحصن الحامى للحقوق وساحة إقامة العدل الرحبة المفتوحة لكل الناس بغير تمييز ولا انتقاء أو انحياز. هذه المعركة وتلك المحاولات فضحت وجسدت وتكشف يوميا عن الحجم المروع والمهول للخراب والتشوه الذى أصاب وضرب بعنف مجتمع ودولة المصريين فى أثناء عصر الأستاذ المخلوع وتحت ظلال حكمه الذى طال واستطال وفاضت أوزاره وارتكاباته فى كل مجال وعلى كل صعيد. ولا دليل على التشوه والخراب أقوى وأنصع من تلك المفارقة المذهلة التى نتابع أخبار وقائعها المقرفة على صفحات الصحف مع طلعة كل نهار. فأما هذه المفارقة فهى أن أغلب، إن لم يكن جميع، من تطوع للمشاركة فى المجهود الحربى المنظم الذى يستهدف عرقلة وإفشال خطة تمرير تشريع جديد يحرر قضاء مصر وقضاتها من أسر التبعية ويضمن استقلالهم التام عن أى سلطة سوى القانون وسلطة ضمائرهم، هم للأسف الشديد ممن يحملون لقب قاض ويتمتعون بشرف الانتساب إلى مهنة إقامة العدل! لقد عانينا نحن معشر الصحفيين والكتاب من حروب قذرة ووقائع شذوذ مقرف مماثل عندما كنا ننتفض ونجاهد من أجل انتزاع حق الشعب المصرى فى إعلام وصحافة حرة تمارس رسالتها السامية وهى طليقة من قيود شيطانية منتشرة فى غابة تشريعية تكاد ترسانتها تصادر وتجرم حق التنفس، فإذا بنا نصطدم بواقع كئيب يفرض علينا القتال فى جبهتين معا، الأولى جبهة السلطة والقوى المجتمعية والطبقية المعادية للحرية بطبيعتها، والثانية جبهة يصطف فى خنادقها من يفترض أنهم رفاق وزملاء فى المهنة رغم أن كل مؤهلاتهم وأغلب مهاراتهم اكتسبوها من التدريب الشاق فى أقبية مباحث التموين، لكنهم بسبب هذه المؤهلات ترقوا وتسلقوا مواسير البنيان الصحفى والإعلامى حتى بلغوا أعلى المناصب والمنابر، ومن ثم راكموا الثروات والامتيازات مستفيدين من الوضع المذرى الذى يريد الشرفاء المخلصون إزالته وتغييره. غير أن هؤلاء الآن ذهبوا (ليس كلهم للأسف) واستقروا فى صفيحة زبالة التاريخ والمهنة، ربما ما زال أكثرهم يرفل فى نعيم الثروة والمال الوفير الحرام، بيد أن المال والثروات مهما تضخمت لا تشترى ولا تعوض عن احترام مفقود كما لا تقوى على تنظيف صاحبها من وسخ العار وسوء السمعة. لهذا أختم بنداء حار لفرسان معركة استقلال القضاء ، خصوصا القاضيين الجليلين حسام الغريانى رئيس المجلس الأعلى للقضاء، وأحمد مكى رئيس لجنة صياغة مشروع السلطة القضائية الجديد.. يا أيها الأجلاء الكبار، يا من دافعتم وحاربتم (أيام المخلوع أفندى وعصابته) وما زلتم تخوضون أشرف الحروب وأنبلها من أجل استعادة حق المصريين فى التمتع بقضاء عادل مستقل يستحق اسمه، أرجوكم لا تهنوا ولا تحزنوا ولا تلتفتوا إلى صغار توافه تربوا على ذل التبعية واستفادوا منها وما زالوا يطمعون فى مكاسبها، واعلموا أن شعب مصر خلفكم يدفئكم ويقويكم ويحمى ظهوركم من شرور وسخائم قطعان بليدة معدومة الحس والضمير تحارب الآن آخر معاركها الدنيئة وتشن عليكم حروبها القذرة.