من عجائب الانتخابات الرئاسية التى يدور حولها النقاش فى كل مكان على أرض مصر هذه الأيام حالة الرعب التى تجتاح القوى الرئيسية فى الملعب السياسى من فكرة أن ينجح شعب مصر للمرة الأولى فى حياته فى انتخاب رجل محترم تستحقه مصر! الإخوان كلاعب رئيسى كان من الطبيعى أن يكون لهم مرشح إخوانى للرئاسة، لولا أن حساباتهم تقدر أن طاقة المجتمع الدولى وبعض القوى المحلية على استيعاب الفكرة والتعامل الطبيعى معها ليست كاملة، ولهذا فإنهم يرغبون فى مساندة مرشح «نص لبة» يكون مدينا لهم باللقب الرئاسى وتكون لهم القدرة على حبسه فى القفص وضربه بالخرزانة إذا تردد فى عمل عجين الفلاحة حين يؤمر. والمجلس العسكرى يشبه الإخوان فى خشيته من وصول مرشح طبيعى -يحب المصريين ويحبونه- إلى المقعد الرئاسى، لأن لهم مصالح يريدون ضمان استمرارها، وهذا لن يتأتى فى وجود رجل حر له رؤية سياسية واستقلال فكرى ومشروع نهضوى قائم على العدالة الاجتماعية وإلغاء التمييز بين قوى المجتمع ومؤسساته ورفض وجود أى مؤسسة تظل على رأسها ريشة! وطبيعى أنه مما يرضى العسكر أن يفوز بالكرسى أحد رجال مبارك الأوفياء مثل أحمد شفيق أو عمر سليمان أو عمرو موسى أو أى ممن لم يعرف عنهم فى السابق معارضة مبارك وسياساته وتحالفه الاستراتيجى مع الأمريكان والإسرائيليين.. وإذا تعذر فوز أى من الأسماء السابقة فلا بأس أن تفوز باللقب من خارج شلة مبارك شخصية باهتة لا قيمة لها ولا خطر منها. إذن اتفق اللاعبان الأساسيان على فكرة رفض المرشح المحترم وتفضيل المرشح «الخرونج» الذى يسهل قمعه وابتزازه بعد تلبيسه السلطانية وإجلاسه على العرش. فى البداية فكروا فى الدكتور أحمد زويل وقد اعتقدوا أنه الرجل المناسب للمهمة التى يريدونها له، وفاتهم أنهم بهذا يظلمون الرجل، لأنه أبعد ما يكون عن ظنهم ولن يكون أبدا مطية لأحد.. وعلى أى الأحوال فقد وأد الفكرة -فى مهدها- احتياجهم إلى إجراء تعديلات فى الإعلان الدستورى -لن يسهل تمريرها- تتعلق بجنسية المرشح وزوجته.. إلخ. بعد ذلك استمر البحث عمّن سموه الرئيس التوافقى وهو اسم التدليل للرئيس الخرونج الذى يوافق طموحات العسكر والإخوان معا. ومرة أخرى يتعرض رجل محترم للظلم البيِّن عندما ينظرون بفرحة إلى السيد منصور حسن، وكأنهم وقعوا على بُغيتهم، ثم تتواتر الأنباء عن إعلان الرجل الترشح، ومعه نائب وقع اختياره عليه، وهو أحد العسكريين السابقين الذين يزعمون القرب من المجلس العسكرى، وبعد عدة ساعات نفاجأ بأن النائب المزمع يترك رئيسه المزمع دون أن نعرف أسباب القرب والوصال المفاجئ بين رجلين لا يجمعهما شىء تقريبا، ولا مبررات البُعد والجفا المباغت بين نفس الرجلين! ثم لا تكاد تمر أيام قلائل حتى يعتذر السيد منصور حسن ويعلن انسحابه من السباق الرئاسى، لأنه تعرض للتلاعب به على يد الإخوان الذين وعدوه بالمساندة ثم سحبوا تأييدهم! دهشة ما بعدها دهشة وحيرة ما بعدها حيرة تصيب العقلاء الذين ينظرون إلى الصورة ويسألون أنفسهم فى ذهول: كيف لقوى سياسية تزعم أنها تحمل الخير لمصر أن تصاب بالحيرة والتردد وتعجز عن حسم أمرها فى ما يخص رئيسا منتخبا لمصر بعد ثورة 25 يناير ولدينا رجال مثل البرادعى وأبو الفتوح ويحيى حسين وحمدين صباحى والبسطويسى؟! وكيف يخشون من الرجال المحترمين ويبتعدون عنهم؟ ثم لا يكتفون بذلك ولكن يسيئون الظن برجال لا يقلون احتراما ويسعون للدفع بهم، ظنا منهم أنهم يصلحون شخاشيخ؟ هذه حالة جنونية تؤكد أن أصحابها لا تعنيهم مصلحة هذا الوطن ولا تشغلهم آلامه ولا يحفلون بآماله وتطلعاته، لكن تشغلهم مصالحهم وبزنسهم السياسى والاقتصادى وأرباحهم التى يخشون عليها من الرجال المحترمين الذين لو خان زمانهم.. ما بيخونوش