كيف سيكون شكل الجمهورية الجديدة؟ هل سندخل مرحلة جمهورية «وكلاء الله» بعد سنوات من جمهورية الجنرالات «وكلاء الشعب»؟ الأوهام أوحت للتيار الإسلامى بأنها الفرصة لاقتناص الجمهورية... وخوض «المعركة الأخيرة» للعودة إلى «ما قبل الدولة». التيار الإسلامى لا يقوده الإخوان المسلمون العارفون بحدود السياسة وقوانينا، ولكن القيادة فى تلك اللحظة للسلفيين وهم جماعات غير مسيسة ويتصورون السياسة غزوة ومعركة أخيرة ترفع فيها رايات الإسلام. ورغم أن الإسلام ليس المعركة، ولكن تكوين جمهورية حديثة.. فإن هناك حلفا قويا يقام الآن بين الإسلاميين ضد الدولة الحديثة. الدولة.... التى تحكمها نخبة لها سلطة فوق سياسية. ... هكذا انتظرت مصر طويلا اكتمال الدولة الحديثة. بداية الحلم كانت ثورة 1919. ويبدو فى مفترق طرق اليوم بعد ثورة 25 يناير. بينهما لم يكتمل مشروع الدولة الحديثة... والدولة على يد الجنرالات.. وصلت إلى شىء أقرب إلى إقطاع سياسى أكثر منه مؤسسات دولة، والفارق هنا كبير بين عبد الناصر ومبارك، ناصر ساحر يخرج من بين ضباط يوليو، يوازن بين حكام إقطاعياته، بمشروعية الجاذبية الجماهيرية، والأبوة الحنونة، القادرة على صنع معجزات فى مجالات محددة، لكنها لم تستطع بناء الدولة. مبارك تعامل بمنطق كبير الموظفين، ومؤسساته منزوعة الفاعلية لأنها إقطاعيات يدير كلا منها موظف، نصف مستشار، لرئيس تحميه بيروقراطيته، وخلفيته فى الإدارة العسكرية. وهذا يعنى بعد أن كانت الدولة التى لم يكتمل إنشاؤها تتآكل.. ويمتص دمها وحوش مهووسة بالمال والسلطة.. وحوش لا تشبع، ولا تكتفى من الثروات المنهوبة بغير حساب. انتظار الحلم بالدولة الحديثة، بعد الثورة أكثر ألما، وذعرا. الشعب يخاف من عودة الأشباح، وتحطم النظام أثار غبارا كثيفا، يشبه فعل الزلازل، ويفجر مخاوفها، هل ستعود مصر بعد الثورة إلى الاستقرار؟ الديكتاتور راهن على أن الفوضى قدر مصر من بعده، فوضى تطيح بتوازن الصامت من قهر حذاء فوق رقبته، ليس صمتا ولا سعادة، ولكن قلة حيلة، وعجزا، واستكانة، لم تعد موجودة كما لم يكن الاستقرار موجودا إلا بمعنى استقرار المرتعشين، مهانة وقبولا بالذل. جمهورية مبارك، ناعمة فى استبدادها، شرسة فى فسادها، أوهمت قطاعات عريضة أن العصابة التى تقهرهم، تحميهم، مفارقة تضع الشعب أمام خرافات هندس حياته بناء عليها. الجيش يريد الانفراد بالهندسة الجديدة، معتمدا على رصيده الأبوى، وعلى امتلاكه القوة والسلطة، ومحبة راسخة من الشعب، وكلها حسابات لا تلبى طموحات الثورة، وإن كانت تحاول التوفيق بين الثورة والنظام. الجيش لا يريد الحكم، هذا ما سيحدث فى أغلب الأحوال، لكنه لن يغادر موقعه، وهذه هى المعادلة الصعبة، كيف يكون للجيش موقع فى دولة ديمقراطية. ليس مستحيلا، لكنه صعب، خصوصا أن للجيش مخاوف أخرى من انشقاقات داخلية أو من صدام مع الشعب، أو من انفلات الوضع فى البلاد إلى حدود خارج السيطرة. المخاوف تدفع الجيش إلى تحويل الثورة إلى مجموعة مطالب، وبدلا من أن تكون ثورة حريات، تصبح هوجة مطالب، ومن هنا يبنى جسر إلى ديكتاتورية جديدة. الثورة إرادة وليست مجموعة طلبات، بتحسن الأوضاع أو بمحاكمة انتقامية لرموز جمهورية التسلط، وإن كان للمحاكمات بعد رمزى مهم، إلا أنها ليست كل شىء، ولا عودة الأموال المنهوبة، هى أسمى الأهداف، الثورة إرادة بناء جمهورية جديدة، وإن غابت الإرادة وتحققت كل المطالب فنحن أمام مشروع جمهورية تسلطية جديدة، يعود فيها الشعب إلى مواقع المتفرجين إلى فقرات السحر والشعوذة التى يطل بها الديكتاتور من شرفته.