لا أعرف مَن «العبقرى» صاحب مصطلح «لا تعليق على أحكام القضاء»، فلا يوجد لهذه العبارة أى سند لا دستورى ولا قانونى، بل إن أحكام القضاء أصلًا تكتب بحيثياتها ليتم معرفة كيف يمكن «الطعن» عليها، وأى طعن سواء استئنافًا أو نقضًا، هو بالضرورة يحتوى على «تعليق» ينقد الحكم ويبيّن «أخطاءه» حتى يقنع محكمة الاستئناف أو النقض بقبول الطعن! ومن هنا يجب أن نفرّق جيدًا بين التعليق على حكم قضائى ونقده، وبين الإهانة والتطاول على القضاء! ■ ■ ■ حين قضى المستشار محمود الرشيدى بكلمته الشهيرة «براءة.. عودوا إلى مقاعدكم»، فقد قضى كذلك على آمال العدل، فالعدل أساس الملك، وليست الأدلة والإجراءات والورق «الملعوب فيه» أساس الملك! قد يكون هذا الحكم قانونيًّا -إجرائيًّا- لكنه بالقطع غير عادل، فالعدل شىء، والقانون وثغراته والعبث بالأدلة شىء آخر! وحين يحدّثونك أن الحكم جنائى لا سياسى، فهذا غير حقيقى، لأنك لو قرأت الحكم ستجد كلامًا سياسيًّا واضحًا عن حروب الجيل الرابع والمؤامرة على مصر التى بدأت فى 25 يناير، (راجع ص 109 و110 من استبيان الحكم)، بل لقد تصدَّى الحكم وحكم فى قضايا أخرى ما زالت منظورة أمام المحاكم، فاتهم الحكم الإخوان باقتحام السجون وقتل المتظاهرين، (راجع 111 و112 من استبيان الحكم)، طبعًا نحن نعلم أن الإخوان كتنظيم إرهابى لا يستبعد أن تكون له يد فى كل ذلك، لكن أن يجزم بذلك الحكم رغم أن القضاء ما زال ينظر، يعنى أن الحكم «تأثَّر» سياسيًّا بما يجرى، لا يخفى على عاقل أن الشرطة كذلك قتلت، والنظام كذلك قتل، ومبارك كذلك مسؤول، وإذا كان الحكم يعلّق كل القتل والدمار الذى جرى لشهداء يناير فى رقبة الإخوان، ففى أى رقبة نعلّق تصدير الغاز إلى إسرائيل إذن؟! ■ ■ ■ قيادات بارزة فى الدولة اتهمت الثورة بالمؤامرة: «فقد ثبت من شهادة المشير طنطاوى الذى أوضح بأن الأحداث التى جرت فى محافظة السويس يوم 25-1-2011م هى ذاتها التى وقعت فى القاهرة والمتمثلة فى اشتباكات مع الشرطة وأعمال غير قانونية وصولًا إلى تخريب مصر من خلال مخطط معد من فترة» (من نص شهادة المشير طنطاوى فى ص 115 من استبيان الحكم).. إذن رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة السابق، والذى أصدر بيانات طيلة فترة حكمه تؤكِّد أن «الجيش حمى الثورة» يعتبر الثورة «مؤامرة معدة منذ فترة وأعمالًا غير قانونية لتخريب مصر» بنص كلامه! ■ ■ ■ لا يمكن فصل الحكم عن حملة التشويه المستمرة فى ثورة 25 يناير، وسبّها آناء الليل وأطراف النهار على فضائيات بعينها يملكها رجال الفساد والاستبداد فى عصر مبارك، وسبحان الله فضائية من هؤلاء يملكها رجل السيراميك الأول فى مصر، كان لها الحق والسبق فى إذاعة جلسات المحاكمة «حصريًّا»، كان لها الحق فى دخول غرفة المداولة، صباحًا، بينما تتفرَّغ مساءً فى سب الثورة واللى عملوها! هل تنفصل براءة مبارك والعادلى، عن خروج صفوت الشريف وزكريا عزمى وأحمد فتحى سرور ويوسف والى.. إلخ. نحن مع دولة القانون لكن هل القانون يطبّق على الجميع فى بلدنا؟! وحين يغضب شباب ثار فى يناير ويونيو، يُقبض عليه ويُضرب ويُهان. ما الحل.. ما المخرج من هذه المأساة؟! نكمل الأسبوع القادم.. إن كانت فى العمر بقية.