أريد أن أركِّز على نقطة تتعلق بمعضلة الصراع السياسى والمتاهات الملتوية التى نعيشها منذ الثورة، فالواضح أن محاكمة مبارك زادت من تحالف 30 يونيو ضعفا على ضعف، وزادت شروخه وتصدعاته. كانت «ثورة 25 يناير المجيدة» كما يحبّ أن يُلقبها المُهَللون الرسميون أساس شرعية تحالف 30 يونيو، ومن هذا المنطلق ضم تحالف 30 يونيو مجموعة كبيرة من ذوى المصالح التى رأت فى شخص السيسى خلاصا من حكم الإخوان ومجموعة كبيرة من مؤيدى مبارك القدامى، إضافة إلى مجموعة ثالثة من البرجماتيين المؤمنين بأهداف ثورة يناير والناقدين لحكم الإخوان، والذين يتفاوتون ما بين الثورية والإصلاح (وإن كان عدد كبير منهم انسلخ عن تحالف 30 يونيو بعد أحداث رابعة، ولكن استمر بعضهم لفترة سواء فى الحكومة أو فى المؤسسات الحزبية الرسمية، آملين فى الإصلاح من الداخل، ورافضين فى نفس الوقت استمرار الظلم والقمع)، وذلك الجناح المتضائل أكثر من يعانى الصدمة، فشملت ردود أفعال قلة منهم مراجعة الذات والإصرار على المضى قدما، وإن أظهرت الغالبية لوم جميع الأطراف والإحباط، بشكل قد يستحيل معه الاستمرار حتى فى الرؤية الإصلاحية التى يتبنّاها بعض شباب الثورة من خلال انخراطهم بالعمل الحزبى المنظم على سبيل المثال. وكما يتضح من اختلاف أهداف ومصالح المجموعات الثلاث الأساسية المكونة لتحالف 30 يونيو أنه تحالف مؤقت وهش كُتِبَ له التآكل بمرور الزمن، وإن أضافت المحاكمة صَدْعا جديدا، فإن لم يُسَلم أنصار مبارك أنه ماضٍ قد تزيد تصدعات التحالف داخليا بين جبهة النظام الحالى وجبهة مبارك، ذلك لأن الإعلاميين الموالين لمبارك يطرحون حاليا سيناريو «ثورة وعدت» أو «هوجة» كما يطلق عليها كارهوها، «أنا لم أرتكب شيئا إطلاقا»، هذه المقولة المحورية لمبارك فى مكالمته الأولى مع أحمد موسى يرى من خلالها مبارك وأنصاره أنه مظلوم، وأنه لم يستحق حتى توجيه اتهامات إليه، وهم بذلك ينفون شرعية يناير نفسها التى يستند إليها النظام الحالى، والتى يعدّ إنكارها أو تخوينها انتحارا سياسيا لأى حاكم. كذلك يرى جزء كبير من مؤيدى السيسى -وهم ليسوا بالضرورة مؤيدى مبارك- أن ثورة يناير والحراك الشعبى 2013 معا أساس الشرعية الحالية، وبالتالى عدم إمكانية عقاب من قتل المتظاهرين بعد أربع سنوات عبث وضياع وقت واستمرار لإهدار العدالة، ويغيب من التشريح السياسى هنا التيار الإسلامى المُحَجَّم سياسيا والمنفر شعبيا فى الفترة الحالية، وهو المتشبث بخطاب الشرعية الانتخابية مع لمحة ديماجوجية دينية-طائفية فى إنكار تام للأمر الواقع. ومن هنا تتعلق المعضلة الراهنة بكيفية دمج رؤى ثلاث جماعات مختلفة لتتفق على صياغة المستقبل السياسى والاقتصادى لمصر، فالواضح أن مصالحهم اتفقت مؤقتا، لكنها تزداد فى التباين، بما يزيد من فرص التوترات الداخلية داخل معسكر النظام الحالى، وهو ما ستتضح تداعياته فى المواقف القادمة.