ربما تُغنيك فخامة الاسم«أسمهان»، فنادرًا ما يجمع بين الصوت العزب الذي يُغرد بين مساحات من الشجن، وبين الأنوثة الطاغية والسحر الذي يكمن فى جمال وجهها الحزين، الذي كان سلاحًا تستمد منه القوة لتنال مرادها من العقول والقلوب والتمرد على تقاليد أسرتها ومجتمعها من أجل فنها. أميرة تعيش في حي الفجالة بالقاهرة ولدت على متن باخرة كانت تقل العائلة من تركيا، وعاشت حياة الأمراء فى سوريا، إلى أن توفي الأمير فهد في عام 1924، فغادرت والدتها الأميرة علياء عرينها في جبل الدروز في سوريا بسببب الثورة الكبري، وتوجهت بأولادها إلى القاهرة، فأقامت العائلة في حي الفجالة، وهي تُعاني من البؤس والفاقة، الأمر الذي دفع بالأم إلى العمل في الأديرة والغناء في حفلات الأفراح. لماذا سُميت بأسمهان؟ ظهرت موهبتها باكرًا، فأصبحت تردد أغاني عباقرة هذا العصر، وقتها أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب، إلى أن جاء فى يوم واستضاف شقيقها فريد الأطرش، الملحن داود حسني، أحد كبار الموسيقيين في مصر، فسمعها وهي تغنى فى غرفتها، فطلب إحضارها وسألها أن تغني من جديد، فغنت آمال فأعجب داود حسني بصوتها، ولما انتهت قال لها «كنت أتعهد تدريب فتاة تشبهك جمالاً وصوتًا، توفيت قبل أن تشتهر لذلك أحب أن أدعوك باسمها أسمهان»، وهكذا أصبح اسم آمال الفني أسمهان حتى أصبحت تشارك أخوها حفلاتة الخاصة. أميرة الجبل تبدأ حياتها بالزواج العرفي في سنة 1934 تزوجت من الأمير حسن الأطرش وانتقلت معه إلى جبل الدروز في سوريا ليستقروا في قرية عرى مركز إمارة آل الأطرش، لتمضي معه كأميرة للجبل مدة ست سنوات، ورزقت بابنة وحيدة هي كاميليا، لكن حياتها في الجبل انتهت على خلاف مع زوجها، فعادت من سوريا إلى مصر، وقد عاد إليها الحنين إلى عالم الفن لتمارس الغناء ولتدخل ميدان التمثيل السينمائي، حتى تعرفت خلال تصوير أولى أعمالها على المخرج أحمد بدرخان ثم تزوجته عرفيًا، ولكن زواجهما إنهار سريعًا، وانتهى بالطلاق دون أن تتمكن من نيل الجنسية المصرية التي فقدتها حين تزوجت الأمير حسن الأطرش. أغانى معلقة فى وجداننا مضت 60 سنة على غياب صاحبة «ليالي الأنس»، و«فرق ما بينّا» و «يا ليالي البشر» و«رجعتلك يا حبيبي»، و«أهوى»، و«ليت للبرّاق عينا» و«أنا اللي أستاهل» وما تزال دموع حجاج بيت الله، تنهمر في كل عام مع أغنيتها الأقرب إلى الدعاء «عليك صلاة الله وسلامه» بنبرة الخنوع والتوبة، باعثة الرهبة، والحنين إلى مرقد النبي. أسمهان وموسيقار الأجيال عبد الوهاب شاركت أسمهان بصوتها في بعض الأفلام كفيلم يوم سعيد، حيث شاركت محمد عبد الوهاب الغناء في أوبريت مجنون ليلى، كما سجّلت أغنية، محلاها عيشة الفلاح في الفيلم نفسه، وهي من ألحان محمد عبد الوهاب الذي سجلها بصوته فيما بعد، كما سجلت أغنية «ليت للبراق عينًا» في فيلم ليلى بنت الصحراء. أول أعمالها السنيمائية مع شقيقها «فريد الأطرش» ساعدها جمال الصوت والصورة إلى دخول عالم الشهرة وبدأ نجمها يسطع في أول أفلامها انتصار الشباب، الذي شاركها فيه شقيقها فريد الأطرش. الجاسوسة«أسمهان» أثيرت الكثير من القصص والأقاويل حول تعاونها مع الاستخبارات البريطانية، وتقول إحداها إنه في مايو 1941 تم أول لقاء بينها وبين أحد السياسيين البريطانيين العاملين في منطقة الشرق الأوسط جرى خلاله الاتفاق على أن تساعد أسمهان بريطانيا والحلفاء في تحرير سوريا وفلسطين ولبنان من قوات فيشي الفرنسية وقوات ألمانيا النازية وذلك عن طريق إقناع زعماء جبل الدروز بعدم التعرض لزحف الجيوش البريطانية والفرنسية، حتى أعادها البريطانيون إلى زوجها الأسبق الأمير حسن، فرجعت أميرة الجبل من جديد، وهي تتمتع بمال وفير أغدقه عليها الإنكليز، وبهذا المال استطاعت أن تحيا مرة أخرى حياة الترف والبذخ وتثبت مكانتها كسيدة لها شأنها في المجتمع ولم تقصر في الوقت نفسه في مد يد المساعدة لطالبيها وحيث تدعو الحاجة. أصرت على إنهاء حياتها في ثاني أعمالها قامت أسمهان خلال ثاني أعمالها السنيمائية مع يوسف وهبى، بفيلم«غرام وانتقام» بالاستئذان من منتج الفيلم الممثل يوسف وهبي بالسفر إلى رأس البر لتمضية فترة من الراحة هناك فوافق، فذهبت إلى رأس البر صباح الجمعة، 1944 مع صديقتها ومديرة أعمالها ماري قلادة، وفي الطريق فقد السائق السيطرة على السيارة فانحرفت وسقطت في الترعة، حيث لقت مع صديقتها حتفهما أما السائق فلم يصب بأذى وبعد الحادثة اختفى، وبعد اختفائه ظل السؤال عمن يقف وراء موتها دون جواب. لكن ظلت أصابع الاتهام موجهة نحو: «المخابرات البريطانية وإلى زوجها الأول حسن الأطرش، والثالث أحمد سالم وإلى أم كلثوم» . صدفة القدر ومن غريب المصادفات أنها قبل أربع سنوات من وفاتها، كانت تمر في المكان الذي لاقت حدفها بة، فشعرت بالرعب لدى سماعها صوت آلة الضخ البخارية العاملة في الترعة، ورمت قصيدة أبي العلاء المعري«غير مجدٍ» التي لحنها لها الشيخ زكريا أحمد، وكانت تتمرن على أدائها حينذاك استعدادًا لتسجيلها في اليوم التالي للإذاعة، وقالت للصحافي محمد التابعي رئيس تحرير «مجلة آخر ساعة»، والذي كان يرافقها«كلما سمعت مثل هذه الدقات تخيلت أنها دفوف جنازة».