لم ينتهِ اشتباك البحرية المصرية مع مجموعة من الإرهابيين، بتدمير «العدو» وإفشال مخططاته، فما زال الغموض يكتنف هذه العملية، ولم نعرف ما حدث بالضبط، صحيح أن الرواية الرسمية رسمت لنا بعض الملامح التى تغيّرت تباعا، وكانت تتصور أن الطرف الثانى فى الاشتباك كان مجموعة من المهربين، وكان من الصعب أن نصدق ذلك، فالمهربون مثلهم مثل كل المجرمين يحبون العمل دون ضوضاء أو صخب أو لفت نظر، يتحركون فى العتمة ويتجنبون أى شخص لابس ميرى، من باب الاحتياط والحذر، وليس معقولا أن يدخلوا فى اشتباك مع القوات المسلحة فى البحر فى معركة لا يملكون أدواتها ولا يكسبون منها. ثم تطورت الرواية الرسمية إلى أربعة بلانصات بها ما يقرب من 60 إرهابيا هاجمت لنشا من البحرية، فاستنجد اللنش بالقاعدة التى هرعت لإنقاذه جوا وبحرا، فدمرت البلانصات وقتلت ما يزيد على عشرين وقبضت على 32 آخرين. ورغم الثغرات فى هذه الرواية لم نكن نملك غير تصديقها، وقيل من باب الاجتهاد الشعبى فى ظل غياب المعلومات الصحيحة إن الإرهابيين كانوا يستهدفون أسر اللنش وضباطه وجنوده، والهروب بهم إلى تنظيم داعش، وعمل فيديوهات والمتاجرة بهذه «الغزوة العنترية»، لكن سرعة تلبية القاعدة العسكرية لإشارة الاستغاثة أفسدت الغزوة. ولم يمضِ يومان أو ثلاثة إلا وتسربت رواية ثالثة نقف أمامها حائرين مرتبكين، الرواية لها مصدران: «المدن»، وهى جريدة إلكترونية رئيس تحريرها ساطع نور الدين، وأبو أمينة الأنصارى وهو إعلامى مناصر لتنظيم داعش، أذاع مقطعا لفيديو منسوب إلى خمسة من الإرهابيين يتحدّثون عن الغزوة البحرية قبل تنفيذها. تقول «المدن» إن قائد اللنش «6 أكتوبر» وهو ضابط برتبة نقيب كان مناصرا لتنظيم داعش، وأخفى داخل اللنش خمسة أشخاص قبل الإقلاع من قاعدة دمياط العسكرية فى دورية عادية، وبعد التحرك هجم ومعه المختبئون الخمسة على زملائه طاقم اللنش وقتلهم جميعا، وحين خرج اللنش من حدود المياه الإقليمية، وظهر على رادار القاعدة العسكرية أنه تجاوز مساره، راجعته مراقبة القاعدة باللاسلكى، فردّ الضابط الخائن: هذا لنش دولة الخلافة الإسلامية. لم تستوعب القاعدة ما سمعت وأرسلت لنشا سريعا (25 أبريل) إلى موقع اللنش المختطف، وحدث اشتباك، ثم جاءت طائرتان «إف 16» دمَّرتا اللنش المختطف بكل مَن فيه، وقصفت فى وسط الارتباك والغموض ثلاثة مراكب صيد كانت بالقرب من مسرح الأحداث! ونسبت «المدن» هذه الرواية إلى مصادر مجهولة بقاعدة بورسعيد العسكرية. لن نلتفت إلى رواية الإعلامى «الداعشى»، لكن من حقنا أن نعرف الحقيقة، فمصر فى حالة حرب معقدة، لا يجب أن تخوضها القوات المسلحة بمفردها، فنحن طرف مهم فيها، وبالطبع الحرب لها أسرار وخفايا، لكن عملية دمياط حدث عام، ولا يعيب قواتنا المسلحة أن يخرج ضابط صغير على نظامها، لو صحت رواية «المدن»، وندرك أن ثمة تحقيقا موسعا ودقيقا يجرى الآن لكشف كل ما يتعلق بهذا الضابط والاختراق الذى حدث، بما فيها الجماعة التى جنّدته وكان يصلى فى مسجد بشرق الإسكندرية، وندرك أن رؤوسا كبيرة سوف تسقط من مناصبها، لكن الأهم أن يثق الناس فى ما يقال لها، فهل يمكن أن يصدر بيان كامل بما حدث؟!