اختيارات خالد أبو النجا المتميزة عن الفنانين من جيله تجعله فى مكان بعيد عنهم، وخارج المقارنة معهم؛ فالصدق هو المعيار الأول لديه فى قبوله للأعمال التى تُعرض عليه، أو رفضها، ورغم أنه يشارك فى الدورة الحالية لمهرجان القاهرة السنيمائى الدولى بثلاثة أفلام، يقوم ببطولة اثنين منها، وهما الفيلم المصرى «ديكور»، والفيلم الفلسطينى «عيون الحرامية»، والثالث يظهر فيه كضيف شرف هو «من الألف إلى الباء»، فإنه أكد أنه لم يكن يتوقع عرضها مع بعض فى التوقيت ذاته، مؤكدا سعادته بهذا الحضور المكثف فى الدورة ال36 من المهرجان. أبو النجا تحدث مع «التحرير» عن مشاركته فى الأعمال السينمائية الثلاثة، وكذلك اللهجات التى قدمها فيها، واختياره لأفلام تحمل أبعادًا سياسية. فى البداية قال أبو النجا إن التحدى الذى واجهه كممثل فى فيلم «ديكور»، وكذلك واجه باقى أبطاله هو كيف يمكنه إقناع الجمهور بأن كل مشهد يظهر فيه كما لو كان فيلما جديدا، ويبدأ فى إقناع الجمهور، ويحببه فى هذا الجديد، وهذا الأمر يسرى على شخصية «شريف» التى جسدها فى الفيلم، وهو المتزوج من «مها»، حورية فرغلى، ولم ينجب منها، وأيضا على «مصطفى»، ماجد الكدوانى، الذى تزوج من «مها» وأنجب منها، وأيضا المنتج السينمائى صاحب الوزن الثقيل والتفكير الرأسمالى. وأضاف أن كل حالة تفاصيلها لم تتم حكايتها فى بداية الفيلم للجمهور، وبعد قليل لم تكن هذه التفاصيل مهمة، وأصبح الجمهور يعلم أصول «اللعبة»، وتوجب علىّ كممثل أن أكون مقنعًا لأن هذه هى الحالة الإنسانية التى نتناولها، لذا كان التحدى الحقيقى أن يكون الجمهور بالتدريج أحب حياة، وبالتدريج أيضا يكتشف أنه أحب الحياة الأخرى، ويشفق على حال «مصطفى» ثم «شريف»، وفى النهاية تصل رسالة الفيلم، وهى أننا إذا لم نختر بين أمرين سندمر حياتنا وحياة من حولنا، وقد يكون لدينا خيار ثالث، مثلما فعلت «مها» وتركت العالمين، وقررت البداية من جديد، المشكلة أننا غالبا ما نجبر أنفسنا على الاختيار بين أمرين إما الأبيض وإما الأسود، مع إنه بين هذين اللونين لدينا عدد لا نهائى من النقاط الرمادية، ومن حقى أن أختار جزءًا من الأبيض وجزءًا من الأسود. أبو النجا أكد أن «ديكور» ليس سياسيا، لكنه يحمل فى مضمونه أمورا سياسية، موضحا أنه «رغم أن الفيلم ليس سياسيا، فإنه يضرب المشكلة الاجتماعية واللحظية التى نعيشها حاليا فى مصر والعالم العربى فى الصميم»، لأن الجميع أقام استقطابًا للشخصيات بين إما خائن وإما غير وطنى أو إرهابى، مع أن معظم الناس يختار المنطقة الوسطى بين الأبيض والأسود، والفيلم يجيب عن هذا الاستقطاب بمنتهى الذكاء، حينما تقول «مها» أنا لازم أبدأ من جديد لا أنت يا «شريف» ولا أنت يا «مصطفى»، رغم أن «شريف» وقتها رأى أنه يفقدها لكنه تفهمها، كما أنه فهم أزمة مصطفى، لذا سارا معًا بعدما تركا «مها»، متفهمين حقها فى الاختيار. وقال إنه بعد الربيع العربى لن يتم تقديم أى عمل فنى صادق إلا وسيمس الجانب السياسى، لأننا فى النهاية جميعنا أصبحنا «مسيسين»، ومن قبل ذلك كان لدينا رأى واضح وصريح ولا نخشى قوله، والسياسة لم تصبح شيئا بعيدًا عنا، وإنما نتحدث عنها باستمرار، وتابع: «لكننى شخصيا لم أقصد تضمين أفلامى الجوانب السياسية، حتى إن (ديكور) لا يتضمن أمورا سياسية بشكل مباشر، ولكن كما قلت فإنه فى صميمه يناقش لحظات نعيشها، وهذه عبقرية من مؤلفى الفيلم شيرين ومحمد دياب، وأيضا المخرج أحمد عبد الله». وعن مشاركته فى فيلم «عيون الحرامية» قال أبو النجا: «صحيح أن الفيلم فلسطينى وتدور أحداثه فى فلسطين تحت الاحتلال، وأتحدث فيه باللهجة الفلسطينية، لكن بصراحة التحدى الحقيقى الذى واجهته أن أركز فى معنى الفيلم، وهو فكرة المواطن تحت الاحتلال فى بلد مثل فلسطين، ويحول الفيلم هذه الحالة إلى حالة إنسانية إذا شاهدها المحتل قد يتأثر إنسانيا، وهذه هى حلاوة الفيلم أنه خرج من إطار الأرض المحتلة وحق الفلسطينى إلى حالة إنسانية لشخص يبحث عن ابنته فى ظل الاحتلال، ولديه هم كبير بعد خروجه من السجن بعد مرور 10 سنوات، ولديه سر عظيم يتعرف عليه المتفرج فى النهاية». وذكر أن هذا الفيلم جزء من عبقرية السينما حينما يتم تجريدها من اختلافات الدين والعرق وغيرهما وقتها نكتشف أصلنا الإنسانى، وأضاف: «فى رأيى لغة السينما الحقيقية ليست عربية ولا عبرية، وإنما لغة قادرة على عبور القارات والثقافات هى لغة المشاعر الإنسانية، وفى سيناريو (عيون الحرامية) تحققت هذه اللغة بشدة». ويرى أنه إذا استطاع الفنانون مناقشة أزماتنا الإنسانية من خلال الفن سيكون هذا مفتاحنا لحل هذه المشكلات وإنهاء التفرقة والعزلة، وأتمنى أن يتم كسر ذلك بأفلامنا التى تنزل من فكرة السياسة والتفرقة إلى أبسط شىء كل الناس تفهمه وهو فى الفيلم إنسان تحت ضغط واحتلال فماذا يستطيع فعله». وقال إنه لم يكن يتوقع أن تشارك أفلامه الثلاثة فى المهرجان، ولكن كان يتمنى أن يشارك فيلمه «فيلا 69» فى المهرجان، ولكن بعد توقفه العام الماضى، فكر فى أن يتم عرضه على الهامش، لكن طرحه على الفضائيات جعل من هذا الأمر متأخرا. وحول مشاركته فى الفيلم الإماراتى «من الألف إلى الباء»، قال إنه تدور أحداثه حول ثلاثة شباب مصرى وسعودى وشامى، يمرون على بلاد عدة ويتعرفون على بعض أهلها ويجسد فيه شخصية ضابط سورى. وحول فيلم «قدرات غير عادية»، قال إنه حاليا فى مرحلة المونتاج والمكساج الأخيرة، وقريبا سيتم عرضه فى مهرجان دبى السينمائى. واستطرد قائلا: «أصبحت ممثلًا بسبب داوود عبد السيد، لأننى من جيل لم يكن يتابع الأفلام العربية إلا قليلا، لأننى كنت أراها لا تتناسب وذوقى وتفكيرى، حتى شاهدت أفلام خان وداوود، وكان من أهم أسباب حبى فى التمثيل هو عبد السيد، وأول بطولة لى كانت معه فى (مواطن ومخبر وحرامى)». وعن اختلاف اللهجات فى أفلامه الثلاثة بين المصرية والفلسطينية والسورية، قال: «موضوع اللهجة عفا عليه الزمن، ومن زمان ممثلين عرب يتحدثون بلهجتنا المصرية عادى مثل صباح، ومن خلال تجاربى الأخيرة تبين لى أن الفلسطينية أقرب إلى المصرية بكثير من اللبنانية، وأرى أن علينا كفنانين أن نجسد كل الشخصيات باختلاف جنسياتها ولا نجعل اللهجات عائقًا فى ذلك». وعن مشروعاته المقبلة قال إنه يحضر لمشروع درامى تتم كتابة السيناريو الخاص به حاليا، ولكن لا يعلم ما إذا كان سيشارك به فى رمضان المقبل أم لا، مشيرا إلى طموحه فى تقديم الأفلام الكوميدية، لذا فإن عمله السينمائى القادم سيكون ضمن هذه النوعية، قائلا: «وحشتنى أوى الكوميديا»، فخلال دراستى فى الجامعة قدمت أفلامًا كوميدية كثيرة، وفى السينما لا أتلقى عروضًا كوميدية، لكننى قدمت تجارب سابقة جيدة منها «حبيبى نائما»، و«حرب أطاليا»، وواجهت تساؤلات حول قدرتى على تقديمها.