مرة أخرى أجد نفسى مدفوعًا إلى المقارنة بين ما يدور فى العالم الآن، والحرب العالمية الثانية، فمع التحالف الدولى ضد «داعش» نبت تحالف آخر بين الجماعات الإرهابية بعضها وبعض، جماعة أنصار بيت المقدس أدارت ظهرها عن بيت المقدس الذى ينتهكه الإسرائيليون جهارًا نهارًا، وتحالفت مع «داعش» واعتبرت أن سيناء، لا القدس، هى أرض القتال، وساحة المعركة، وهذا لا يعنى أن أنصار بيت المقدس مصابون بحَوَل فكرى، وبخلل فى الرؤية والمسار، ولكنه يعنى ويثبت أنهم اسم على غير مسمّى، فلا هم أنصار بيت المقدس ولا حتى بيت جحا، إنهم مجرمون إرهابيون دمويون حتى وإن تنكروا فى هيئة مبادئية، وكما قلتها من قبل: هذه هى المواجهة الأخيرة بين التطرّف الدينى والحضارة الإنسانية، بين التقدّم البشرى ودعاة التراجع والتخلّف، بالضبط كما حدث فى الحرب العالمية الثانية، تحالف ألمانى نازى إيطالى وحشى استعمارى وحلفاء بريطانيون أمريكيون فرنسيون سوفييتيون، كانت حربًا بين الإمبريالية والحرية، النازيون واليابانيون والفاشيست الإيطاليون، رأوا أن القسوة والوحشية هما السبيل لإثارة رعب العدو، وقهر إرادته، وإجباره على اتباع فكرهم، ولكن الله سبحانه وتعالى، وضع للكون سياسة لم تختلف منذ بدء الخليقة، أن يرقى ويتقدّم وينمو ويزدهر وبلا قهر أو عبودية أو إجبار، ولهذا، فعلى الرغم من انتصارات النازيين واليابانيين والإيطاليين فى البداية، فإن قانون الكون وقانون الخالق المعز المذل المنتقم الجبار فرض نفسه فى النهاية، سقطت الفاشية فى إيطاليا، وانسحقت النازية فى ألمانيا، وتم تدمير اليابان، هزيمة ساحقة ماحقة مهينة مذلة، انتهت إليها الأمور، ليثبت الله سبحانه وتعالى أن قانونه وحده يبقى وأن كل من يخالفه يزول ويفنى وينسحق ويُهان ويُذَلّ وينكسر. عندما قيل هذا الكلام فى بدايات الحرب العالمية الثانية سخر منه فاشيست إيطاليا، واستهان به محاربو اليابان، وغضب منه وجرّمه النازيون، الكل قال وقتها إن هذا خيال، وإن الحرب تحسمها القوة وينتصر فيها الأشرس والأكثر توحُّشًا، ومرّت السنون وسقط ملايين الضحايا، وما سخروا منه واستهتروا به وجرّموه صار حقيقة. الشرسون خسروا وبادوا ومحاهم الزمن وبال عليهم التاريخ، وبقيت الحضارة، فما أشبه الليلة بالبارحة: تحالف التطرّف، وتحالف الحضارة، والتطرّف يصرخ بكل العصبية أنه سينتصر، لأن مقاتليه يسعون للشهادة، هذا فقط ما يستند إليه، العزيمة، ولكن ماذا عن الشهوات؟! التطرّف ضعيف بشهواته التى يغرق فيها، ويخدع نفسه بصبغها بصبغة دينية، يدّعى أنه يقاتل من أجل الدين، ولكنه فى الواقع يقاتل من أجل المال والنساء والسلطة، والطعام بالطبع، شهوات دنيوية، يحاول إقناع نفسه بأنها سامية، راقية، دينية! الحرب العالمية الثالثة بين التطرّف والحضارة بدأت، تمامًا كما خطّطت لها السامية، فى القرن السادس عشر، ارجعوا إلى الوثيقة الماسونية، والتى تمت ترجمتها تحت عنوان «بروتوكولات حكماء صهيون» وسترون الكثير، والكثير جدا، وستدركون أن من يدّعون القتال من أجل الدين هم، دون حتى أن يدروا، يقاتلون من أجل هدف الماسونية الأعظم، ملك اليهود.