الرئيس لجريدة «عكاظ» السعودية: إذا لم نتحرك سريعًا فإننا نخطئ فى حق أوطاننا بلدنا كبير بتاريخه وبجيشه وبشعبه الذى يعي مسؤولياته جيدًا للقاهرة أدوار حيوية لا يمكن التخلى عنها.. فلن نقف أمام ما يدور حولنا موقفًا سلبيًّا الشباب هو الذى صنع التغيير الذى نعيشه.. وهو الذى يقود مسيرتنا نحو المستقبل المنشود السودان يحتاج إلى مصر ومصر لا تستغنى عن السودان.. وعلينا دعمه بكل ما نستطيع فى الحلقة الرابعة والأخيرة من حوار الرئيس عبد الفتاح السيسى مع صحيفة «عكاظ» السعودية، يؤكد الرئيس عدة أمور مهمة تتعلق بما يحدث فى دول الجوار خصوصا ليبيا والسودان، فيؤكد أن المصريين يقفون إلى جانب الشعبين الليبى والسودانى، وما يسعيان له من بناء دولة قوية تحترم الدستور والقانون والمؤسسات الشرعية. أما بخصوص الأوضاع عامة، فأراد السيسى أن يؤكد ضرورة نبذ الأفكار المتشائمة، مشددا على فكرة أنه ما دامت الشعوب حريصة على الحفاظ على أوطانها ومكتسباتها فإنه لا خوف عليها ولا على أوطانها. كما تضمن الحوار تقدير الرئيس للشباب المصرى الذى أكد أنه يثق به، وفى التغيير الذى أحدثه فى مصر. لقد تناول الحوار فى حلقاته الأربع إمكانية عودة الاستقرار الكامل للمنطقة بالتضامن القوى بين المملكة السعودية ومصر، وبالتعاون مع الأشقاء فى المنطقة، وكذلك مع الأصدقاء الحقيقيين خارجها، وحذَّر الرئيس السيسى من التأخر فى العمل المشترك وبقوة، كما ركز على بعض الأخطاء فى التعامل مع قضايا المنطقة، واعتبرها بمثابة تحذير من مغبّة انفجار أكبر للوضع فى دول سورياوالعراق واليمن وليبيا وغيرها، ودعا السيسى الجميع إلى العمل المؤسَّس على الثقة المتبادَلة، والبناء على المشتركات وعدم الاعتماد كثيرا على الأطراف الخارجية ■ فخامة الرئيس، هل أنتم متفائلون بعودة حالة الاستقرار والهدوء إلى المنطقة بشكل عام وفى العراقوسوريا بصورة أكثر تحديدًا؟ - التفاؤل مطلوب.. لكن لا يكفى لإبعاد دولنا وشعوبنا عن التعرض لمزيد من الأخطار.. نحن بحاجة إلى العمل وإلى الثقة ببعضنا البعض وإلى الاعتماد -بعد الله سبحانه وتعالى- على شعوبنا لا على غيرها.. وعلى الاستعانة القصوى بمقدرات أوطاننا الهائلة لتمكيننا من الصمود.. وإلا فإن الوضع خطير للغاية.. وإذا نحن لم نُسارع بالعمل المشترك وتحقيق التكامل بيننا فإننا نفرط كثيرًا فى أمانتنا تجاه أوطاننا وشعوبنا. ■ تابعت فخامة الرئيس حديثكم عن الوضع الليبى -خلال حضوركم المناورة الأخيرة للقوات البحرية- وذلك بتأكيد أن مصر مع السلطة الشرعية والجيش هناك، لكن ردود فعل ليبية داخلية وإقليمية خارجية صدرت لتؤكد رفضها لفرض سياسة الأمر الواقع -كما تقول- فبماذا تعلقون على ذلك؟ - مصر مع إرادة الشعب الليبى وإذا طلب منا هذا الشعب ما يراه محققا لسلامة واستقرار بلاده فإننا لن نتردد فى الوقوف إلى جانبه ودعم مطالبه. ■ تقصدون -فخامتكم- بذلك الدعم العسكرى أو المزيد من الدعم السياسى فقط؟ - مصر لا تتدخل فى شؤون الآخرين بأى حال من الأحوال.. كلنا سنقف إلى جانب الشعب الليبى وسلطته الشرعية وجيشه المؤمن بحقوق وطنه فى الاستقرار والحفاظ على استقلاله وضمان سيادته على كامل أراضيه ومنع تفكك أجزائه.. وعلينا أن ندرك أن تعرض ليبيا لأى أخطار يعنى تضرر مصر بصورة مباشرة، وهذا الأمر لن نسمح به بأى حال من الأحوال. ■ وماذا تتوقعون أن تسفر عنه التطورات الراهنة على الأراضى الليبية.. لا سيما فى ظل اصطفاف أطراف إقليمية حول القوى المتطرفة بداخلها؟ - إذا استمر صمود الشعب الليبى خلف برلمانه المنتخب وحكومته الشرعية وبدعم صادق ومخلص وأمين من أشقائه وأصدقائه فإنه لا خوف على ليبيا ونحن من جانبنا متيقظون لكل ما يحدث فى الداخل الليبى أو من خارج ليبيا وما نريده هو أن تنتصر فى النهاية إرادة الليبيين أنفسهم على عوامل التخريب والتدمير لمقدرات الدولة الليبية.. وهم قادرون بإذن الله تعالى، على إبعاد وطنهم عن كل ما سيؤدى به إلى المزيد من الفوضى، والخروج به من هذه الحالة المؤسفة وإعادة بنائه على أسس مؤسساتية تساعد على قيام دولة حديثة بكل المقاييس.. والليبيون يستحقون ذلك وقادرون على تحقيقه إذا اجتمعت كلمتهم. ■ فخامة الرئيس.. حديثكم السابق عن أن لقاءكم بفخامة الرئيس السودانى عمر البشير قد أسفر عن تفاهمات عديدة، أبرزها تركيزكم على المشتركات وتجنبكم الخوض فى القضايا الخلافية المعلقة.. هذا الحديث لا يبدو مطمئنًا لا للشعب المصرى ولا للشعب السودانى.. فإلى أين تتجه الأمور؟ - نحن بلدان يجمعهما مصير واحد.. ولا خيار أمامهما إلا بالتكامل والتعاون والتشاور والتنسيق الدائم فى كل صغيرة وكبيرة.. ودعك مما يردده البعض من مثيرى الفتن بين دولنا وشعوبنا.. لقد اتفقنا على أشياء كثيرة فالسودان يحتاج إلى مصر ومصر لا تستغنى عن السودان، وباختصار شديد فإن مصر تعرف جيدًا احتياجات وأولويات السودان ولن تتأخر عن دعمه بكل ما تستطيع.. وعلى كل المستويات، من طرق ومشروعات وضرورات قصوى، من شأنها أن تساعده على استمرار عجلة التنمية دون توقف. ■ هناك من يتحدث عن تقارب كبير بين الأشقاء فى السودان وإيران فى وقت تعانى فيه المنطقة من التدخلات الإيرانية فى أكثر من بلد وموقع.. كيف تنظرون فخامتكم إلى هذه المخاوف؟ - السودان دولة مستقلة.. وهى تملك قراراتها وترسم توجهاتها بنفسها ولا أظنها بالأغلبية الساحقة فيها وبثقافتها تتجه نحو خيار كهذا، على الرغم من حاجتهم إلى الدعم والمؤازرة، وهو الدعم الذى لا يجب أن نتأخر -نحن أشقاءها- فى تقديمه لهم.. وما يعنينا فى مصر هو أن يظل السودان قويا ومتماسكا وأن يعمل بلدانا بالتعاون والتفاهم والتشاور المستمر على إبعاده عن كل الأخطار.. نقول هذا لأنفسنا كما نقوله لكل الدول العربية الشقيقة والصديقة، لأن بقاء السودان قويا هو فى مصلحة الجميع. ■ فخامة الرئيس.. ألا تخشون من الاستدراج إلى مناطق التوتر فى الصراعات المحيطة بكم فى وقت تعملون فيه على تثبيت أركان الدولة المصرية القوية بجهود مضاعفة؟ - مصر واعية لكل ما يدور حولها ومدركة لما يجب عليها أن تفعل، لأن لديها رؤية واضحة ومحددة وأولويات دقيقة تحكمها حسابات مدروسة، فبقدر ما نحن مهتمون كل الاهتمام بإعادة بناء بلادنا وتنمية كل أوجه الحياة فيها فإننا نعيش هموم وأوضاع منطقتنا جيدًا ولن نقف منها موقفا سلبيا لا يتجاوز حدود المشاهدة لأن لمصر أدوارًا حيوية لا يمكن أن تتخلى عنها، كما أن لها سياسات ثابتة يجب التمسك بها والعمل على تنفيذها فى المكان والزمان المناسبين دون تهور أو اندفاع، وبما يحافظ على دورنا الإقليمى ومساهمتنا الفعالة فى تحقيق السلام والاستقرار فى المنطقة والعالم.. إن الاستدراج الذى تتحدثون عنه شىء والمشاركة الفعالة فى إنقاذ المنطقة من الانهيار شىء آخر ونحن نزن الأمور بميزان دقيق.. فلا إفراط ولا تفريط، فمصر كبيرة بتاريخها وبجيشها، وقبل هذا وذاك بشعبها الذى يعى مسؤوليته جيدًا ويحرص على محافظة بلاده على مكانتها فى الإقليم وعلى المستوى الدولى على حد سواء. ■ ألم نتأخر كثيرًا فى العمل وفق هذا المنظور بدليل تعرض عديد من الدول العربية لمختلف أشكال الفوضى حتى اقترب بعضها الآن من اشتعال الحروب الأهلية بين شعوبها؟ - ما زال أمامنا متسع من الوقت لتجميع صفوفنا وتعزيز الثقة بين بعضنا البعض بهدف البناء على المشتركات وتجسير الفجوات القائمة بيننا وإعادة الحياة من جديد إلى العمل العربى المشترك ودرء الأخطار عن دولنا وأوطاننا وشعوبنا، المهم الآن هو أن لا نتأخر أكثر مما تأخرنا. ■ فخامة الرئيس.. ماذا تقول بصورة أكثر تحديدًا لشباب مصر لا سيما أن هناك من يحاول أن يسمم عقولهم ويشككهم فى قدرة بلادهم على الانطلاق إلى المستقبل الأفضل تحقيقًا لتطلعاتهم؟ - الذين يتحدثون عن شباب مصر بهذه الصورة لا يعرفونه على حقيقته ولا يفهمون لماذا قام بثورتين متعاقبتين خلال عامين ولا كيف يفكر فى المستقبل، ولا كيف يعمل الآن على تأمين سلامة بلده. إن شباب مصر من مختلف مواقعهم، فى الجامعة أو المدرسة أو القوات المسلحة أو أجهزة الأمن المختلفة وفى كل محافظة ومدينة وقرية هو الذى يؤمِّن مصر الحاضر ويعمل على تنميتها من أجل المستقبل، وأستطيع أن أقول إن شباب مصر الذى قدم صورة وطنية راقية فى التضحية وصنع التغيير الذى نعيشه هو الذى يقود مسيرة مصر نحو المستقبل المنشود. ■ هل هناك خطط وبرامج ومشروعات توفر آلاف الفرص الوظيفية وتستوعب هذا الشباب فى مختلف مجالات الحياة المصرية؟ - بكل تأكيد.. فنحن وإن كانت الإمكانات الحالية محدودة لمواجهة مختلف التحديات التى تعترض طريقنا إلا أن عشرات المشروعات والبرامج والتصورات التى فرغنا منها أو باشرنا العمل فيها كلها تؤدى إلى ذات الأهداف التى تتحدثون عنها. فنحن نعيد صياغة الحياة المصرية وثقافة الإنسان، ونعمل على تهيئة بيئة العمل الصالحة وتنويع فرصه، ونطالب الأحزاب ومؤسسات المجتمع المدنى وكل النخب ووسائل الإعلام بالتعاون من أجل تحقيق تطلعات الشباب وآماله، وهى تطلعات مشروعة وواجبة التحقيق لقيام دولة العدالة والديمقراطية، وذلك جنبًا إلى جنب مع قيام مؤسسات الدولة والقطاع الخاص بواجبها فى هذا الاتجاه وغيره، ولدىَّ الثقة القصوى فى أن أرى شباب مصر فى كل موقع ومكان يليقان به ويمكناه من تحقيق تطلعات وطنه فى حياة كريمة وآمنة ومستقرة، وسوف ترون هذا الشباب بكل تأكيد من خلال كل مؤسسات الدولة التشريعية والتنفيذية، وفى كل ميادين العمل والنشاط كقوة منتجة وفعالة ولديها الكثير مما يمكن أن تقدمه، ليس فقط لمصر وإنما لأمتها العربية أيضًا. ■ هل هذا التصور -فخامة الرئيس- واضح أمام الحكومة وفى كل أجهزة الدولة ومؤسسات المجتمع؟ - نعم.. وسوف نراه بصورة أكثر وضوحًا بعد انتخاب مجلس النواب الجديد وكمسؤولية أساسية تقع على كاهل الحكومة عند ذاك، بإذنه تعالى. وأريد أن أوكد أن مستقبل مصر الذى نشترك الآن جميعًا فى رسم ملامحه وتحويلها إلى إنجازات فى بضع سنوات يقوم على الجمع بين الأمل والعمل.. وكل المصريين، إن شاء الله، على مستوى التحدى وسوف يثبتون للعالم أنهم قادرون على تجاوز كل الصعاب وتعزيز إرادة التغيير المستمدة من إرادة الله، ثم من عزيمتهم الصلبة. ■ فخامة الرئيس.. هل بدأت التفكير من الآن فى الدورة الرئاسية الثانية؟ - ابتسم بهدوء.. وبشعور ملىء بالثقة.. وصَمَتَ برهة ثم قال: شغل مصر الشاغل الآن وشعبها العظيم ومؤسسة الرئاسة وحكومتها هو: كيف نحافظ على مصر قوية، لأن مصر تستحق منا جميعًا أن نصونها ونحميها، ونستثمر قدراتها وإمكاناتها وطاقات شعبها الهائلة لصنع المستقبل الأفضل للإنسان المصرى، لأن مصر أكبر من الكرسى وأعظم من شهوة السلطة.. ومستقبلها فى رقبتنا.