لا أشعر بالصدمة مما يحدث فى مصر من فوضى وانفلات أمنى وسياسى وإعلامى، فهو أمر متوقع، وعلى الرغم من أنه يثير القلق، فإن القليل منه ضرورة لترتيب المستقبل، الذى نسعى إليه، فالثورات لا تحدث فجأة، ولا يمكن للشعوب أن تصل إلى صيغة جديدة ومنشودة إلا بعد أن تدفع الثمن، وكل ما نأمله أن يكون هذا الثمن مقبولًا، ومعقولًا، ومناسبًا لما نحصل عليه.. طبعًا نحن نعرف أن أى تغيير هو محصلة صراع بين مجموعة من القوى والعوامل، ولا نتخيّل أبدًا أن يستسلم القديم للجديد بسهولة، فكل طرف يقاتل من أجل ما يتصوَّر أنه يحقِّق مصلحته. ولا شك أن 30 عامًا من حكم مبارك قد أسست وكرَّست لمجموعات مصالح وجماعات قوة، وعصابات فساد منظم، وكتائب من البلطجية والمرتزقة، الذين يخدمون هذه المافيا فى الخفاء والعلن، بل المؤسف أن قطاعات كبيرة من أبناء الطبقة الوسطى، بمن فيهم أنا وأنتم، اضطررنا للتعامل مع ذلك النظام، وحاولنا بنسب متفاوتة أن نحقق ما نستطيعه من مكاسب تيسِّر لنا الحياة بأقل درجة ممكنة من الفساد، لكن ذلك الفساد طالنا جميعًا بصورة أو بأخرى، وهذا يبدو فى ركاكة اللغة التى نستخدمها نتيجة تدهور مستوى التعليم وتدنِّى الثقافة، كما يبدو من محاولة تحقيق أقصى درجة من المكاسب الشخصية على حساب المصلحة العامة، ويبدو أيضًا من خلال انهيار حالة الثقة بيننا وبين الدولة، وكذلك بيننا وبين بعضنا البعض. باختصار، أقول إن 30 عامًا من التسلط والفساد لم تكن لتمر من دون أن تؤثر فى المجتمع كله بشكل سلبى، لكن الآن يجب أن ندرك أن الأمر تغيَّر، وبالتالى لا يصح أن نسعى للجديد بنفس أساليب وممارسات القديم، وكأننا نؤذن للصلاة ونحن نتوضأ بالأوحال، يجب أن ننظّم صفوفنا بسرعة وننتبه إلى أن حالة الفوضى ضرورية فقط فى مرحلة تفكيك النظام، وهى المرحلة التى أنجز الشعب جزءًا كبيرًا منها بنجاح باهر. تتبقّى أمور إجرائية نأمل أن تسارع الدولة فى إنجازها بسرعة لتركيز الجهود على عملية تأسيس وبناء النظام الجديد، فليس من المفيد ذلك التباطؤ المريب فى إحكام السيطرة على مراكز القوة المناوئة، التى تنظِّم صفوفها للانقضاض على مكتسبات الثورة الوليدة.. ولست أفهم لماذا تأخَّرنا حتى الآن فى اتخاذ خطوات حاسمة لتطوير الأجهزة الأمنية أولًا، ثم إعادة هيكلتها ثانيًا، فهى تتحرَّك بارتجال وفزع وتسىء إلى الأمن أكثر مما تحميه، وهذا أمر يمكن أن يفسّره البعض بحسن نية، أو يعتبره آخرون رد فعل طبيعيًّا، يحاول من خلاله «الباشاوات» الحفاظ على «برستيجهم» ومكانتهم الوظيفية، لكن المؤسف أن الطريق إلى جحيم الفوضى مفروش بمثل هذه «النوايا الحسنة»، ولعل بعضكم قرأ دراسة «مايكل ليدين» الباحث الشهير فى معهد «أمريكا إنتربرايز» ومؤسس مفهوم «الفوضى الخلاقة»، الذى أطلق منذ عام 2003 مشروع «التغيير الشامل فى الشرق الأوسط» مرتكزًا على ضرورة هدم وتدمير بنية هذه المجتمعات قبل إعادة بنائها من جديد.. لا بأس من كلام «ليدين» ولا نعتبره مؤامرة، لكن المؤامرة الحقيقية تتضح من خلال تطوير نظرية «الفوضى الخلاقة» بمعرفة رجل البنتاجون «توماس بارنيت»، الذى يسعى لزعزعة الاستقرار السياسى فى ما يسميه «بلدان الثقب» من أجل تبرير تدخل «بلدان القلب»، ويقول صراحة فى دراسته: «ونحن الدولة الوحيدة التى يمكنها ذلك»، فلا تفتحوا الطريق أمام ذرائع أمريكا، فإن تسوية الصف من تمام الصلاة.. والحوار مستمر. * مسابقة اليوم: 1- هل تشعر بتطور الأحوال فى مصر؟ 2- هل تصدق أن هذا المقال نُشر فى مارس 2011؟ 3- ما رأيك فى هذا الركود العظيم؟