أى سلطان له مشايخه، وكل عصر له مشايخه، تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلًا من الحاكم، يجملون قبحه، ويحللون حرامه، ويفتون له بالليل ليفعل ما يشاء بالنهار. كل سلطان يسعى إلى تلك الفئة التى تخلق حوله هالة من محرمات تصل بعد قليل إلى قدسية تحرم التلفظ باسمه دون أن تسبقه كلمات التفخيم والتبجيل والتعظيم، يسعى إليهم الحاكم، غالبا. القداسة شهوة تحتاج إلى الإشباع، يقربهم من مجالسه ويمنحهم الهدايا، خذ ما عندى وأعطيك مما عندى، هى قاعدة سارت بها علاقتهما منذ أن بدأت. النظام الاستبدادى يخلق لنفسه دائما عدوًا، يعلق عليه فشله، ويرتكن عليه عندما يقرر استخدام العنف، والبطش، إننا ننقذكم -هكذا يقول- فاتركوا لنا اختيار الطريقة التى نفعل بها ذلك، «وقال فرعون ذرونى أقتل موسى وليدع ربه إنى أخاف أن يبدل دينكم وأن يظهر فى الأرض الفساد»، هكذا تقول الآية الكريمة، إن فرعون لا يخشى زوال حكمه وملكه، إنما يخشى على العامة أن يبدل موسى دينهم، وأن ينشر الفساد بينهم، فذرونى أقتل موسى، هل لاحظت أنه قدم الدين على الفساد، الحكاية قديمة. الحرب على الدين، هل سمعت تلك الجملة مؤخرا، أنا أسمعها طوال الوقت، مشايخ يصرخون على الشاشات، وعلى منابر المساجد: «إنها مؤامرة على الإسلام، يريدون إخراجكم من دينكم»، يريد أن يبدل دينكم، هذه أول خطوة، بها تدخل إلى عالم الحرب على الإسلام، فلان مزق القرآن، وفلان يرصد أموالًا لتنصير الفتيات، وفلان وفلان ينشآن صندوقًا خاصًا لمحاربة الإسلام. بعد زوال حكم الإخوان، هل سمعت شيخا يقول بكل ثقة إن ما حدث هو خدمة للإسلام، لأن الإخوان متآمرون على الدين؟ أنا سمعت أحدهم يقول ذلك على فضائية والمذيع يطرب لقوله. فى الوقت ذاته كان هناك شيخ آخر، على قناة أخرى يقول إن ما حدث للإخوان هو مؤامرة على الإسلام. الحرب على الإسلام ستجمع المشردين من التيارات الإسلامية التى خسرت الجولة السياسية، هى نفسها ستمنح النظام الجديد سندًا يحمى ظهره، إننا كنا نحارب لحماية الإسلام. سنفعل كل شىء باسم الإسلام، طالما هناك مشايخ يبررون ما تقوله السلطة، وتفتى لهم بما يريدون. دعنى أحكى لك عن قصة بطلها الشيخ الشعراوى، فى جلسة بمجلس الشعب يوم 20 مارس 1978، قال الشعراوى وزير الأوقاف يومها، ما نصه: «والذى نفسى بيده لو كان لى من الأمر شىء لحكمت للرجل الذى رفعنا تلك الرفعة وانتشلنا مما كنا فيه إلى قمة أن لا يسأل عما يفعل»، وكان يقصد الرئيس الراحل أنور السادات، صفق النواب وهللوا لكلامه باستثناء عضو واحد، كان يدعى الشيخ عاشور محمد نصر، عضو مجلس الشعب عن حزب الوفد، وحسب مضابط مجلس الشعب عن تلك الجلسة راح يصرخ عاشور، ويقول: «مافيش حد فوق المساءلة، لنرع الله»، وطرد عاشور من تلك الجلسة، وأحيل إلى لجنة القيم، وبعدها بأسبوع تقريبا اجتمع المجلس لرفع الحصانة عن النائب عاشور رحمه الله، بينما ظل الشعراوى شيخا جليلا.