كتب- يونس محمد ومحمد رشدى: على الرغم من مجهودات الأجهزة الأمنية على مستوى الجمهورية، فى ملاحقة تجار المخدرات الذين «تفرعنوا» عن آخرهم عقب أحداث الفوضى والانفلات، التى أعقبت ثورة يناير، ونجاحهم فى القبض على عدد كبير منهم وضبط كميات بالأطنان من المواد المخدرة، فإن تلك الجهود تظل هباءً منثورًا فى ظل استمرار ظاهرة بيع المخدرات فى «دواليب» على عيون الأشهاد، وفى وضح النهار، وفى أكثر من مكان صارت مقصدًا يرتاده الباحثون عن المتعة والمزاج.. «التحرير» رصدت بالصوت والصورة الظاهرة فى أماكنها واقتحمت العالم السرى لدواليب بيع جميع أنواع المخدرات للمتعاطين وكشفت تفاصيل مفزعة عن أوكار بيع السموم. طريق المحور قِبلة الحشاشين يعد طريق المحور ناحية ميدان لبنان، هو المقصد الرئيسى لجميع فئات متعاطى المواد المخدرة، وهو الوكر الذى ازدهر نشاطه بعد انتهاء دولاب «المعلمة نجاح» أسطورة تجارة الكيف فى مصر القديمة، وليس عليك تكبد العناء لشراء ما تحتاجه من ممنوعات، حيث يكفى أن تتبع التعليمات فقط وأهمها الالتزام بالدور والنظام، ودخول المكان بسيارتك بهدوء مع تخفيف السرعة وإعطاء إشارات الانتظار واحترام من أتى قبلك والوقوف خلفه، مع الالتزام بالبقاء فى السيارة، لحينما يأتيك مندوب العميل ويعرض عليك خدماته وهو مخول بتلبية ما تريد فى ثوانٍ معدودة ليرى الزبون الذى يليك، وفى وكر المحور لا مكان للخطأ أو الفصال أو التزاكى، فالقواعد يجب أن تحترم وإلا أنتَ الجانى على نفسك. محررو «التحرير» يشترون الحشيش دخلنا دولاب المحور، ويقع عند طلعة ميدان لبنان بالطريق البطىء، وبالطبع قمنا بإخفاء كاميرا الموبايل جيدًا كى لا يلاحظنا أحد، وبمجرد دخولنا الشارع وتشغيل لمبة الانتظار وتخفيف السرعة حتى سارع إلينا أول ديلر قائلًا: «إيه يا برنس حشيش ولا برشام؟!» فنظرنا إليه قائلين: «إنتَ معاك إيه؟»، فرد: «اللى إنت عايزه يا بيه»، فقولنا له «حشيش»، فأطلعنا على أكثر من نوع للمخدر ما بين «السابعات» و«التلاتات» -على حد وصفه- ويعنى أن «السابعات»هى الحشيش الأسود الناشف، أما الحشيش البنى الطرى فيسمى «تلاتات»، كل ذلك تم فى ثوان معدودة فمعظم الواقفين يرتدى شنطة وسط ليسهل لهم حمل المخدرات ونقود متحصلات البيع، والبعض يحمل الحشيش مقطعًا فى علبة سجائر والبرشام يحتفظ به فى جيبه، ولكننا اختلفنا معه فى البيع، تعللنا بأن ثمنه غال، والغريب أنه تركنا نذهب دون حدوث أى مشكلات على الرغم من عدم شرائنا منه شىء. وبعد أن تركنا أول «ديلر» تعاملنا معه، وعلى بُعد خطوات قليلة حدث نفس السيناريو تقريبا، حيث استوقفنا أحد الأشخاص قائلًا: «مزاجك إيه يا صاحبى قوللى عايز إيه وأنا عينيا ليك؟!»، فأخبرناه بحاجتنا ل«كيمياء» أى برشام ففى لغتهم المتعارف عليها تسمى «كيمياء»، وهو مخدر «الترامادول» ولكننا فوجئنا به يرشدنا على الشخص الذى يبيع «الترامادول»، معللًا بأن «الترامادول» الذى بحوزته قد نفد، لكنه بحوزته برشام «أباتريل» و«أوماتريل» بجانب الحشيش. وتركناه واستكملنا سيرنا، وبالطبع وقوفنا مع شخصين أكسبنا جرأة أن نقوم بتصويرهما، وقفنا بالسيارة جانبًا للمناداة على أحدهما للشراء منه، إلا أنه بمجرد الوقوف بالسيارة وتأهبنا للنزول وجدت شابًا بمفرده على جانب الطريق ينظر إلينا بتمعن، فشككنا للحظة أنه اكتشف قيامنا بالتصوير ولكن اتضح أنه ينظر إلينا بغريزة البائع، فقمنا بالمناداة عليه. رحلة شراء صابع حشيش يمكن معرفة طريقة شراء الحشيش والفصال فى ثمنه عبر الحوار التالى لنا مع أحد الباعة «بقولك إيه يا صاحبى، فرد قائلا: أؤمر يا بيه.. معاك حشيش.. عايزين بكام.. ورينا اللى معاك، بص شوفوا ده صابع بمئة جنيه، ..لأ إنتَ غالى كده ليه.. أصل مش عايز أغشكم واللى معاكم ده حشيش من الآخر مش مضروب، ولو عايزين تعملوا دماغ خدوا الحاجة دى على ضمانتى.. طيب خلاص هات نص صابع بخمسين جنيها». وبعد أن اشترينا الحشيش قمنا بالدوران إلى الجهة الأخرى من الطريق على الجانب الآخر فى اتجاه القادم من المحور إلى ميدان لبنان، حيث أيضا فى الجانب البطىء يوجد النصف الثانى من الدولاب. ودخلنا بالسيارة ورأينا نفس المشهد يتكرر كأنه قص ولزق، ولكن تلك المرة كانت مختلفة بالنسبة لنا، حيث إن رهبة المكان كسرت لكوننا تمكنا من الشراء، وصورة بائع المخدرات عتى الإجرام المرسومة فى أذهاننا وجدناها ليست موجودة، حيث إن البائعين معظمهم من الشباب لم يتجاوز الثلاثين من عمره، وطريقة الشراء تتم كأنك تتسوق فى سوق للمخدرات، حيث أن لك حرية الشراء والفصال وأيضا الفرجة وعدم الشراء. قرب قرب خد «بودرة» فى الجهة الأخرى فوجئنا ببيع «البودرة» والسرنجات للمدمنين، لكن بيع الهيروين يتم داخل حوارى متفرعة من الشارع الرئيسى، وعلمنا من بعض الواقفين بجوار الطريق «الدولاب» بأنه يأتى بعض الشباب من الأعضاء فى ناد رياضى شهير لشراء «البودرة» من ذلك المكان، ونما إلى علمنا أيضا بأن تجار المخدرات ليسو جميعهم من دائرة المنطقة، بل يوجد منهم من مناطق أخرى، ولكنهم يأتون للبيع فى ذلك المكان بعد دفع أرضية للكبير بتاعهم!، علمنا ذلك عقب مشكلة حدثت مع أحد التجار مع تاجر آخر بسبب «زبون» وعلى أولوية البيع له، فتهكم أحدهم على الآخر قائلًا «مش كفاية بتيجى تبيع عندنا!»، فرد الأخير بأنه يدفع «للمعلم» أرضية ثمن وقوفه، أى بمعنى آخر أن طريق المحور فى ميت عقبة قد تحول إلى سوق شامل وواف لبيع السموم والمخدرات وسط غفلة من رجال الأمن. محطات الكيف بالدائرى عندما يأتى المساء يتحول المحور المرورى الذى قورن بمثيله فى بريطانيا إلى ملتقى العشاق ووكر لشرب المخدرات دون حسيب ولا رقيب من رجال الشرطة وفى غياب تام لهم، فعند وصولنا إلى المريوطية فوجئنا بكمية الإشغالات على الطريق والمقاهى العشوائية وسيارات الأجرة التى تقف فى أى مكان دون مراعاة لحرمة الطريق أو خوف من العقاب، وتسبب الحمل الزائد على الطريق فى المريوطية إلى بروز عديد من الفواصل المعدنية بعد هبوط طبقة الأسفلت مما يهدد بسلامة السير على الدائرى. مخدرات «تيك أواى» فى مقابر اليهود والبساتين الجزء الواقع من الطريق بين زهراء مصر القديمة والمعادى، والذى يمر من فوق مناطق أسطبل عنتر والجبل ومقابر اليهود والبساتين، يعد وكرا لمخدرات «التيك أواى» لسائقى النقل الثقيل والخفيف، حيث يصاب الطريق بالشلل، نتيجة وقوف عدد كبير من المقطورات وسيارات النقل والميكروباصات على جانبى الطريق فى الاتجاهين، والسبب وجود ما يسمى «نصبة» وهى عبارة عن طاولة خشبية عليها بوتوجاز صغير وبعض الأكواب الزجاجية ويقوم صاحبها بإعداد الشاى والقهوة وبيعها وبالتأكيد يكون الأساس لهذه الأشياء هو الحشيش والأقراص المخدرة، فالشاى والقهوة، ما هما إلا غطاء للنشاط الحقيقى الذى يقوم به هؤلاء وهو ترويج المخدرات وبيعها للسائقين، حاولنا أن نخترق هذا العالم، وبالفعل قمنا بزيارة «لدواليب الدائرى» وبالفعل ركبنا سيارة، فى الثانية عشرة بعد منتصف الليل، حيث توقفنا فوق الطريق الدائرى وتحديدًا عند إحدى النصبات الموجودة فى منطقة مقابر اليهود، ومع نزولنا من السيارة قال العامل فى الغرزة: عاوز إيه يا صاحبى؟ فطلبنا منه شريط «ترامادول» أبيض فقال: «لأ.. أبيض مش معايا ينفع أحمر وحشيش» فصممنا على طلبنا فقال انتظرونى 10 دقائق أنزل أجيبه من تحت الكوبرى، وعند انتظارنا دار حديث بيننا مع أحد سائقى الميكروباص وكانت فى يده سيجارة حشيش ولم يتردد وقال لنا: «خدوا نفسين عقبال ما يجيب لكم الحاجة بتعتكوا».. السائق أخبرنا أنه سمع حديثنا مع صاحب الغرزة، فأخبرناه أننا نريد الأقراص المخدرة كمنشطات للعب كرة القدم فقال: «هنعمل إيه الواحد مابيعرفش يعمل أى حاجة فى حياته يا باشا والله.. مش بيعرف يشتغل ويتحمل السهر وإرهاق القيادة من غير الترامادول». المحطة الثانية «غرزة البراجيل» نزلنا إلى بائع الشاى بنزلة البراجيل على الدائرى، وطلبنا منه تحضير فنجانين قهوة وراقبنا المكان ورصدنا تصرفات هذا البائع، وفى أثناء إعداده القهوة توقفت مقطورة ونزل منها السائق والتبّاع، ويبدو أنهما يعرفان بائع الشاى فوجدتهما يتبادلان السلام بحرارة، ثم وجدت البائع يحضر كوبى شاى ويعطيهما لسائق المقطورة، ولكن السائق قال له فين الأهم؟ أنا لسه قدامى سفر وعايزين نطبق ونسيح»، فوضع بائع الشاى يده فى جيبه وأخرج شريطًا لأقراص دوائية مثل الذى أعطاه لسائق الميكروباص، وبعد أن انصرف سائق المقطورة كانت القهوة قد أعدت وأحضرها لنا، فقلت له: «مافيش حاجة مع القهوة» فقال لى فيه كل حاجة، عايز إيه؟ فقلت إيه الثقة دى؟ فقال: الدنيا أمان يا أستاذ الحكومة بنعرفها وبيظهر عليها؟ وبدأ يعد لى مزايا المخدرات التى عنده أنها أصلى وليست «مضروبة»، وأن الحشيش الذى لديه ليس شعبيا ومن الأنواع المفتخرة، وأظهر لى عينات وبدأ يعطينى أسعارا فوجدتها أغلى من الأسعار التى قالها لى سائق الميكروباص، فقلت له: أسعارك غالية، فرد: كل حاجة غليت بس شوف إنتَ عايز إيه والعملية واحدة، أنا أشترى زبون، فأخبرته أنه أغلى من الأسعار التى نشترى بها وهنعدى عليه بكرة، وطلبت رقم تليفونه، ولكنه رفض وقال إنه موجود فى هذا المكان ليلا ونهارا، وإننى سأجد كل ما أريده.