يستمر الإعلام المصرى فى استخدم مصطلح نمو اقتصادى كمرادف للتنمية الاقتصادية. لكن هذا خطأ ويمثل التوجه العام لصناع السياسة الاقتصادية لسنين، وهى زيادة الناتج المحلى الإجمالى أى النمو الاقتصادى كالهدف الأهم فى السياسة الاقتصادية فى مصر. نلاحظ فى الخطاب الإعلامى الحث على الاستقرار كى تدور عجلة الإنتاج ويعود النمو إلى معدلاته السابقة على يناير ويونيو. الناتج المحلى الإجمالى هو حصيلة السلع والخدمات التى ينتجها الاقتصاد المحلى فى فترة زمنية محددة، أما النمو الاقتصادى فيشير إلى ظاهرة الإنتاجية فى السوق والارتفاع فى معدل الناتج المحلى الإجمالى. ولكن «التنمية الاقتصادية» مفهوم أوسع وأعمق من نمو الناتج المحلى الإجمالى. تتسع التنمية الاقتصادية لتشمل مجالات التنمية البشرية كالصحة والتعليم والبحث العلمى، كما تشمل الحفاظ على موارد الدولة من النضوب والحفاظ على البيئة، إلى جانب التطور التكنولوجى فى الصناعه والأمن والتنافسية الإقليمية والعالمية، ثم مؤشرات كفاءة المؤسسات ونزاهتها وقدرتها على دفع منظومة التنمية. كان هدف مصر من برنامج الإصلاح الاقتصادى فى التسعينيات هو تحقيق معدلات نمو مرتفعة مستندة إلى الرؤية النيو كلاسيكية فى الاقتصاد. وهى أنه فى بداية الانطلاق الاقتصادى لا بد من تركز الثروة فى أيدى الأثرياء، لأن لهم القدرة على الاستثمارات الضخمة، وما يتبعه من نمو اقتصادى سوف يتساقط على المجتمع. لنعُد إلى مصر لنجد أن النظام الاقتصادى الهادف إلى النمو فقط لم يكن ناجحا حتى بالمعايير النيو كلاسيكية التى يعمل على أساسها. معدلات النمو المصرية ما بين عام 1990 و2010 كانت تتراوح بين 4.5% و5% مقارنة بما يجاوز 7% فى آسيا و10% فى الصين، ولم يرتفع النمو فى مصر بشكل ملحوظ إلا فى السنين القليلة التى سبقت الثورة. الدول التى سبق ذكرها هى دول أقل من مصر من حيث متوسط دخل الفرد. أما معدلات الاستثمار فكانت أيضا منخفضة مقارنة باقتصادات أخرى فى العالم النامى والأسواق الناشئة، فإذا أخذنا رأس المال كنسبة من الناتج المحلى الإجمالى معيارًا للاستثمار لوجدنا أن متوسط هذه النسبة فى الفترة ما بين 1989 و2012 لم يتجاوز %19.6 فى مصر مقارنة ب28,72% لتايلاند و41.74% للصين و31,21% لفيتنام و29,89% للهند. كما أن قدرة الصناعات المصرية على منافسة نظائرها الدولية متمثلة فى متوسط النمو السنوى للصادرات لم تتجاوز 9.22% للفترة ما بين 1980 و2012. ومن الملاحظ أن الصناعات المصرية التى تحقق عوائد مرتفعة وتسهم فى النمو هى صناعات بلا قيمة مضافة مثل صناعة الأسمنت والحديد. كما أنها صناعات ملوثة للبيئة وكثيفة الطاقة ولا تستوعب عمالة كثيفة. إذن، التركيز على النمو كمؤشر أوحد لأداء وجودة الاقتصاد هو مفهوم قاصر ولا يعكس الحقيقة كاملة. الواقع المصرى يوضح جليا أن التركيز على النمو فى المطلق لا يبنى اقتصادًا قويا ولا يخلق مواطنا متعلما ومثقفا يعيش فى رفاهية.