المصرى الحالى، الذى قضى ما يقرب من عشرين عاما إلى جوار حسنى مبارك، تماما مثل المدة التى قضاها المشير طنطاوى رئيس المجلس العسكرى القائم بمنصب رئيس الجمهورية الآن، رجل يعرف كيف يقوم بالأدوار التى ترسم له بدقة وامتياز، فهو الذى باع حينما كان رئيسا للوزراء وخلال ثلاث سنوات فقط 133 شركة من شركات القطاع العام التى كان يملكها الشعب المصرى، بعضها بثمن بخس وكثير منها كان يحقق أرباحا كبيرة بينها شركة «موبينيل» للاتصالات التى لا بد أن يعاد فتح ملفها من أى حكومة قادمة هى وعشرات الملفات الأخرى للشركات التى بيعت، وتم إثراء طبقة موالية للنظام بأموال الشعب على حساب باقى الشعب الذى زاد فقره وزادت الهوة بينه والأثرياء الجدد، الذين ما زالوا يتمتعون بالثروة التى جنوها من دماء هذا الشعب. وإذا سألت أحدهم عن المليارات التى جناها قال: إنها من عرقى، لكنها عرق هذا الشعب الذى يكد ليل نهار ثم يعود خير كده على طبقات اللصوص الذين ما زالوا ينعمون بخيرات الشعب والبلاد رغم مرور عام على قيام الثورة. جاء الجنزورى لرئاسة الحكومة وهو يعرف ما هو المطلوب منه. جاء وأعلن أنه سيحكم بصلاحيات رئيس الجمهورية، وهذا كلام يعرف الجنزورى قبل غيره أنه للاستهلاك، وأن السلطات التى ستمنح له هى بغرض تسوية الملفات التى ربما عجز عصام شرف عن القيام بها، فحكومة شرف كانت ثلة من المنطفئين بدءا من عصام شرف نفسه وحتى آخر وزير فى وزارته، كانوا جميعا يعيشون هاجس البدلة البيضاء التى ارتداها بعض رجال النظام السابق فى ليمان طرة، لذلك كانوا جميعا لا يتخذون أى قرار، وأدخلوا البلاد فى حالة من الشلل، أما الجنزورى فقد منح الصلاحيات التى تمكنه أولا من تسوية كثير من ملفات السابقين مثل تقنين وضع اليد على الأراضى، وهو من أكبر الملفات الشائكة، والاقتراض من البنك الدولى وإصدار سندات خزينة قصيرة الأجل، وهذا يعنى أن الحكومة القادمة التى هى خيار الشعب سوف تغرق فى سداد هذه الديون القصيرة العالية الفائدة قبل أن تتمكن من تلبية الحاجات العاجلة للشعب، وسوف يفرح البسطاء بقليل الخبز دون أن يدركوا الثمن الذى سيدفعونه لاحقا له. حكومة الجنزورى أصدرت سندات خزينة قصيرة الأجل عالية الفائدة ستكون الحكومة القادمة ملزمة بسدادها خلال تسعة أشهر من الآن أى بعد ثلاثة أشهر من تولى الحكومة المنتخبة من الشعب لمسؤولياتها المقررة فى شهر يونيو القادم، هذا خلاف الالتزامات القائمة من الحكومات الفاسدة السابقة، والآن سوف تبدأ حكومة الجنزورى فى التفاوض مع صندوق النقد الدولى على قرض بقيمة ثلاثة مليارات دولار ستكون واجبة السداد خلال ثمانية عشرة شهرا أى بعد سنة من تولى الحكومة الجديدة. الجنزورى سيقوم بتسوية كثير من الملفات التى سيكون من الصعب فتحها، لا سيما تلك التى تقلق بقايا نظام مبارك ورجاله والجنزورى منهم وخلافه الذى جعل مبارك يقصيه، ليس كما يزعم البعض شهادة براءة ونزاهة له، وإلا فأنه يجب أن تفتح ملفاته كما ستفتح ملفات الجميع لنعرف حقيقة السبب الذى أقصاه مبارك من أجله، ومن ثم فإن ما تتعرض له مصر الآن فى ظل حكومة الجنزورى هو أخطر ما يهدد حكومة الثورة القادمة. إننا إذا أردنا أن ندرك دور حكومة الجنزورى، فعلينا أن ننظر ونتأمل بعمق فى القرارات التى يصدرها كل يوم ونتأمل فى أبعادها وما سوف تؤدى إليه من عجز وشلل للحكومة القادمة، وعلينا أن نرقب التعيينات التى ستتم، والتغييرات التى ستتبدل فى كل الشركات الكبرى والهيئات والوزارات والسفارات وغيرها لنجد أن أى رئيس حكومة قادم ليس عليه سوى أن يمشى على ما وضعه الجنزورى وإلا فسوف يجد نفسه أمام إشكالات لا نهاية لها، وربما إضرابات وتظاهرات وشلل تام فى إدارات ومؤسسات الدولة. سيجرى الجنزورى خلال الأيام والأسابيع القادمة ترقيات وزيادة رواتب واسعة وتعيينات سوف يتم زرع مسؤول يصعب خلعه فى كل هيئة يأتى بمن يعرفهم ليضعهم حوله تماما على نهج النظام السابق، ولكن بإخراج الجنزورى هذه المرة، وسوف يتم تسكين الآلام التى ستتحول فى عهد الحكومات القادمة إلى سرطانات وأورام ستجد أى حكومة نفسها عاجزة أمامها، وذلك بهدف تأديب هذه الشعب الذى قام بثورة واختار من يحكمه، وتمهيد الطريق أمام أى حكومة قادمة ل«تلبس فى الحيط»، كما يقول المصريون. إن شعب مصر الذى نجح فى صناعة ثورة من أعظم ثورات التاريخ، وخاض انتخابات من أنزه الانتخابات فى تاريخ مصر اختار فيها من يحكمه، يواجه الآن مؤامرة كبرى على خياراته وعلى ثورته أرجو أن لا تنطلى على أحد لا سيما البسطاء من الناس، وأن كل يوم تبقى فيه حكومة الجنزورى لا يعنى سوى مزيد من الديون والخراب والقيود على الحكومة القادمة وترسيخ رجال النظام السابق فى السلطة وأركانها، ولتحاشى الكارثة القادمة يجب أن يتم تشكيل حكومة من المجلس الذى اختاره الشعب فورا لتتولى هى المسؤولية وتكون هى حكومة الثورة والشعب المسؤولة أمامه ولتمنح هذه الحكومة الصلاحيات التى منحت للجنزورى لأنها خيار الشعب، أما الجنزورى فهو خيار الذين أتوا به، وليذهب الجنزورى من حيث أتى وليترك لحكومة الشعب أن تقرر ما هى مصالح الشعب، وإن لم تتم هذه الخطوة فى أسرع وقت وتحديدا قبل نهاية يناير فإن حكومة الجنزورى سوف تمضى فى مخططها، وحينما تأتى حكومة الشعب سواء بعد الانتخابات الرئاسية أو الدستور يكون الخراب قد عم، والديون قد تضاعفت، ولا ينفع حينها الندم.