«آه يا رفاقة ياللى علمتوا الصلابة للحجر».. النهارده حنتجمع مع بعض، زى ما كنا دايما بنتجمع!! وحنمشى مع بعض زى ما مشينا فى كل المظاهرات من أربعين سنة!! وحيكون فى وسطنا «سيف»، متشال على الأكتاف زى ما كان دايمًا.. وحيهتف بصوت ماحدش حيسمعه غيرنا.. ونردد وراه وهو سامعنا.. مش ناقصنا غير الرفاق اللى سبقوه وحيروح يبلغهم سلامنا، ويطمنهم علينا وعلى الحلم اللى حلمناه مع بعض وسابوه أمانة فى رقبتنا، وناقصنا كمان ولادنا، زهر البساتين اللى فى الزنازين.. ولادنا اللى اتعلمنا إنهم مش بس أولادنا البيولوجيين اللى خلفناهم بنفسنا.. ولادنا اللى ورثوا الحلم.. وورثوا الزنازين على رأى سيف، وحيكملوا، لغاية ما يورثوا أولادهم وطنًا يليق بيهم، وبحلمنا وتضحيات أهلهم! «لكن برضه حنكون زايدين.. إحنا اللى تهنا فى الطريق من بعضنا».. حنزيد ولادنا - ولاده، وتلامذته.. ورثة الحلم.. اللى تسلموا الراية مرفوعة ماسقطتش عبر أجيال.. وحيسلموها لأولادهم منصورة.. دا وعد!!». يااااه يا سيف.. ماقدرتش عليك سجون ولا قدر عليك تعذيب ولا مطاردات.. ولا حيقدروا خلاص.. فى إيدهم إيه يعملوه؟ لا قدروا يحنوا راسك، ولا يكسروك، وإنت وأولادك بين أيديهم.. والنهارده حترتاح.. من حقك.. تعبت كتير وسبت اللى يقدر ولادك وتلامذتك يكملوا بيه.. وحتى الرفاق.. اللى طول عمرنا بنختلف مرحليا، ونتفق ونرجع نختلف ونتفق.. لكن بتفضل الروابط بينا أقوى وأنبل من روابط الدم!! لأن اللى بينا رابطة قضية اخترنا نعيش علشانها كلنا، واتفاق على الهدف النهائى: مجتمع حر يتمتع فيه الجميع بالمساواة والعدالة والكرامة الإنسانية. الذكريات؟ فى قلوب كل الرفاقة ذكريات ومواقف وحكايات وطرائف تملأ مجلدات.. حييجى وقت نحكيها.. من أول يوم دخلت الجامعة فى أكتوبر 1974، وكنت بالنسبة لى أكبر سنا فى اعتقادى من أن أناديك باسمك المجرد.. فكنت أناديك «أبيه»، وكانت التسمية مثار تندر الزملا!! لغاية رعايتك لكل الزملا، وكنت أتمتع بميزة أنى أصغرهم لغاية دخولى السجن فى 77، وإنتَ هربان ومطلوب القبض عليك.. لكن الجميع خارج السجن كان مكلفًا بطبع المحاضرات وعمل ملخصات لكل المواد توصلنى فى الزيارة.. وكنت عارفة إنك واحد من المحركين لجهود توصيل المساعدات إلى المسجونين.. لغاية خروجى من السجن ومقابلتك لى.. ولأول مرة ألاقيك بتكلمنى باعتبارى حد مهم، لدرجة إنى فطست على روحى من الضحك لما قلت لى: «بعد اللى كان بيوصلنا عن تصرفاتك فى التحقيقات، وفى السجن، لازم ننتقد نفسنا ذاتيا.. لأننا لم نقدر قدرات الزميلة حق قدرها»!! كنت سبب تعرفى بأبو ولادى، رفيقك المناضل اللى سبقك فى الرحيل من 28 سنة عبد الحميد العليمى، «سلم عليه يا سيف، وعلى باقى الرفاقة اللى سبقونا: 113 رفيقًا من جيلنا يا سيف وإنت بقيت 114).. ولأنك كنت فى السجن وقت وفاته، ماكنتش متوقعة طبعا إنك تعزينى.. فوجئت ببرقية العزاء جايالى من السجن!! وبعدما خرجت كان بيتك وبيتنا وبيت كمال خليل، المثلث اللى اتأسس فيه الولاد وكانوا بيروحوا نفس المدرسة.. ويروحوا يذاكروا عندك وعند كمال، ويلعبوا عندنا!! ولادنا زينا، يا سيف!! اختلفوا.. واتفقوا ورجعوا اختلفوا.. وبعدين اتجمعوا مع بعض فى ثورة، كانوا قادتنا فيها.. ووقفنا وراهم نشوف بشائر تحقيق حلم عشنا عشانه عمرنا!! حتوحشنا يا سيف، لدرجة مستحيل يتخيلها ناس كتير، ماتقدرش تفهم يعنى إيه روابط أقوى من روابط الدم!! ماتقدرش تفهم يعنى إيه ممكن ناس ماتكونش بتشوفهم كل يوم ولا يجمعك بيهم بيت واحد وعيلة، لكن تبقى مطمن وحاسس بأمان طول ما همه موجودين فى الدنيا.. وعارف إنهم أول ناس حيبقوا جنبك ويسندوك فى أى محنة!! ماتقدرش تفهم يعنى إيه كل واحد فينا بيبقى مطمن إنه لو رحل، فمش حيسيب ولاده لوحدهم فى الدنيا، لأن الرفاق حيكونوا قلبهم عليهم وحيراعوهم أكتر من الأهل! ماتقلقش يا سيف.. ليلى بمليون راجل.. وعلاء ومنى وسناء قدها وقدود.. وأولادك أولادنا وتلامذتك مذاكرين الدرس، وكل الرفاق عارفين السكة كويس، اطمن.. بوصلتهم سليمة، مهما اختلفوا فى الوسيلة، وطريقة التعبير، لكن السكة واضحة.. ومكملين!! وماحدش حيقدر يقف فى طريق ثورتهم/ حلمنا.. وكل يوم نفقد رفيقًا بيزيد إصرارنا. وإنت حافظ يا سيف زينا بالضبط، كلام عمنا نجم: «إحنا النهارده فين وكام.. وبكرة كام وبعده فين.. وكل يوم بنزور مكان وكل يوم بنزيد عدد.. وكل يوم نفتح بيبان وكل يوم بنزيل سدد».. و«ملعونة قامة تنحنى بالقهر من حاكم وخان.. ملعونة كلمة تنتنى فى الحلق تهرب م اللسان.. ملعونة ساعة تنحسب م العمر يطويها الخنوع.. ملعونة لقمة مغمسة بالذل ملعون الجبان».. حتمشى رافع راسك زى ما عشت.. مع السلامة يا سيف.. وماتنساش السلام أمانة لغاية ما نتقابل.