لم يكن ممكنًا استمرار حالة الفوضى التى ضربت وسط القاهرة، حيث احتل الباعة الجائلون الأرصفة ومعظم مساحات الشوارع فى ظل حالة الغياب الأمنى بعد ثورة يناير. الآن بدأ التعامل مع المشكلة، وتم تخصيص مقر مؤقت فى جراج الترجمان ليتم نقلهم إلى هناك، إلى أن يتم تجهيز المقر الدائم فى منطقة وابور الثلج. وطبيعى أن يترافق مع بعض المشكلات التى ينبغى التعامل معها بجدية، ولكن مع الحسم المطلوب. ما يقوله الباعة الجائلون أن المكان الجديد ليس به زبائن مثل شوارع وسط البلد. وهذا طبيعى، فالزبائن لن يسبقوهم إلى هناك ليكونوا فى انتظارهم، ولكن ما إن تستقر الأمور ويصبح المكان الجديد معروفا كسوق للبضائع الرخيصة حتى يذهب إليه الناس، خصوصا أن المكان فى موقع قريب من وسط البلد، وأن به عديدًا من الخدمات التى وفرتها الدولة، ويبقى أن نساعد «مجتمعًا وحكومة» على نجاح التجربة ببعض الإجراءات التى تحول المكان إلى سوق شعبية نظيفة وآمنة. المهم أن تنجح التجربة، فقد كانت الخسارة من إشاعة الفوضى فى وسط المدينة فادحة. صحيح أن الباعة الجائلين هم فى معظمهم شباب يبحث عن لقمة عيش حلال وسط ظروف اقتصادية صعبة ومعدلات بطالة كبيرة للغاية، إلا أنه فى المقابل كانت النتيجة أن الآلاف من العاملين فى محلات وسط البلد فقدوا وظائفهم بعد أن تعطل العمل فى هذه المحلات، وأن الأماكن التى كانت مقصدًا للسياح فى هذه المنطقة الجميلة من مطاعم ومسارح وسينمات لم تعد كذلك، بعد أن أصبح مجرد السير فى هذه الشوارع مغامرة غير مأمونة. نجاح التجربة وتعميمها بعد ذلك فى أحياء ومدن أخرى أمر هام. واستعادة وسط القاهرة وقلبها التجارى والسياحى لطابعه الجميل مكسب بلا شك، واكتمال تحويل «الترجمان» إلى سوق تملؤها الحياة واجب لا بد منه. لكن الأمر الأهم هو المضى بأقصى سرعة فى جهود التنمية وخلق فرص العمل بعد فترة اضطراب طالت، تعطلت فيها وسائل الإنتاج، وتوقفت فيها آلاف المصانع عن العمل أو عملت بجزء من طاقتها، بالإضافة إلى كارثة توقف السياحة لفترات وتراجعها لفترات أخرى بسبب إرهاب الإخوان المنحط، وإصرارهم على الإضرار بالوطن وفقدان ملايين العاملين فى هذا القطاع مصادر رزقهم. الاتجاه للمشاريع الجديدة كثيفة العمالة واضح. ومشروع حفر التفريعة الجديدة لقناة السويس، بالإضافة إلى بدء العمل فى شبكة الطرق الجديدة توفر أكثر من مليونى فرصة عمل. ومع استزراع مليون فدان جديد، وإطلاق مشروع الساحل الغربى ستكون هناك انفراجة فى التعامل مع قنبلة البطالة، ولكن هذه البدايات المبشرة تحتاج إلى أن تنمو وتتواصل لأن الميراث ثقيل ويحتاج إلى تعبئة كل الجهود وكل الإمكانيات التى نملكها وهى كثيرة والحمد لله. عملية استنهاض الروح الوطنية هامة فى هذه الظروف. وبالتأكيد ستنجح عملية طرح شهادات استثمار القناة. وسيقبل المصريون بعدها على المشاركة فى تنمية محور القناة بالصورة التى ستحددها الدولة. وإذا كان بعض من يتم التعامل معهم باعتبارهم «رجال أعمال»، ما زالوا يفضلون الانتظار أو يتهربون من المسؤولية بعد أن تعودوا على المكسب السهل من السمسرة والمضاربة، فإن الغالبية من رجال الصناعة الحقيقيين يدركون ضرورة القيام بواجبهم الوطنى، ويدركون أيضا أن فرص الاستثمار أمامهم واعدة، وأن ما يزرعونه اليوم سوف يحصدونه غدًا ربحًا حلالا، ومكانا فى اقتصاد يملك كل إمكانيات التقدم والازدهار، ويستطيع خلال سنوات قليلة أن يوفر فرصة عمل شريف ومنتج لكل قادر على العطاء، وساعتها لن يبقى على الأرصفة إلا هؤلاء الذين ما زالوا يتصورون أن ما تعودوا عليه من نهب للمال العام وإثراء غير مشروع يمكن أن يدوم، أو أن صبر الدولة عليهم يمكن أن يستمر إلى الأبد!!