فى كل حوار أشاهده لرغدة أتأكد أنها تخسر أرضا من حب الناس، وتبنى قصرا فى الهواء عند الأنظمة المتهالكة.. ترى رغدة أن كل ما يجرى فى عالمنا العربى هو أجندة أجنبية، استثنت فقط مصر وتونس، لأن فى الدولتين سقط مبارك وبن على، إلا أنها مع السلطة الباطشة فى ليبيا واليمن ولا تزال تردد «بشار إلى الأبد»، وكل من هتف بإسقاط بشار صار عدوا لها! إنها مثل أغلب النجوم يبايعون السلطة الحاكمة الغاشمة ما دامت تمسك بزمام الأمور، لكن رغدة تخطت مرحلة المبايعة إلى التقديس.. انتقلت من إبراهيم عيسى فى برنامجه «الديكتاتور» إلى طونى خليفة فى «الشعب يريد» فازدادت جرعة نفاقها لبشار.. كان طونى لا يحاول أن يقتنص منها إجابة، بقدر ما يرسم بورتريها لفنانة كانت تقف مع قضايا الشعوب العربية، فصارت قضيتها الوحيدة هى عبادة بشار.. هل فى الوطن العربى من لا يزال يعتقد بأبدية الحكام؟ لقد صدّروا للناس تلك الأبدية لكى يضمنوا التوريث لأبنائهم.. الشعوب أسقطت القدسية عن الحكام، بينما رغدة تعتقد أنه من الممكن أن تعود سوريا إلى المربع رقم واحد، مرددين هذا الشبل من ذاك الأسد.. نعم إذا كان الأسد قد دكّ مدينة حماة بالقنابل فى الثمانينيات، وأسقط آلافا من الشهداء، فإن الشبل أثبت فعلا أنه أشد دموية وبأسا وانتقاما من ذاك الأسد، فهو يفتح النيران على شعبه فى كل المحافظات والطوائف، حيث لا تختار الرصاصة لا ديانة ولا عرقا ولا طائفة، إنها تتوجه إلى صدر كل من يعترض مطالبا بالحرية! «مع بشار ضد الفساد» إنها الحجة التى يرددونها، التى أطلقتها أيضا رغدة، كأن هناك فارقا، ألم يترعرع الفساد فى سوريا منذ اللحظة التى تم فيها تزوير الدستور السورى ليصبح بشار رئيسا خلفا لوالده؟ عندما أحال الجمهورية إلى جمهوملكية، وخفض من عمر الرئيس 6 سنوات ليتوافق مع عمر بشار، ورغم ذلك فلم يكن أحد يجرؤ فى سوريا على أن يتهم الدائرة القريبة من بشار بالفساد.. الشعب السورى الثائر استطاع أن يحيل حتى مؤيدى بشار إلى أصوات تنتقد الفساد، وهذه إحدى العلامات الصغرى -إن صح التعبير- لنجاح الثورة.. ما حدث فى مصر شىء قريب من هذا، عندما كان أول من تخلصوا منه هو أحمد عز، وصدّروا للناس أن مبارك يقود حملة لقطع دابر الفساد، وتناسوا أن السمكة تفسد من رأسها! الثوار فى سوريا مثلهم فى مصر لم تنطل عليهم تلك الخدعة.. من الذى أفسد ومنح المفتاح لناهبى مقدرات الشعب السورى، أليس هو الفاسد الأكبر؟ النظم تدفع دائما تنازلات من أجل البقاء فى السلطة، وبشار يدفع بالتقسيط فهو لا يزال يحاول أن يصدّر للشعب السورى صورة الرجل القوى المسيطر، الذى لم يهتز له جفن، بينما الثوار يكتسبون كل يوم أرضا جديدة، وعلى طريقة كل الحكام الذين أسقطتهم شعوبهم فهو يتأخر فى الدفع! الحكام فقدوا البوصلة التى تتوجه ناحية الناس، صاروا حريصين على البقاء حتى آخر قطرة فى دماء شعوبهم.. بشار مثل بن على ومبارك سيرحل.. إنه الآن يحميه الجيش الذى اقتنع بأن مصيرهما واحد، لكن لماذا يصبح مصير رغدة هو مصير بشار، فتتحول إلى رصاصة فى قلب الشعب السورى؟!