عادة ما تكون الليلة الأولى مختلفة. هكذا كانت ليلة المعتصمين أمام السفارة الإسرائيلية، لا توجد مواجهات أو احتكاكات مع قوات الأمن المركزى أو الجيش، رغم قيام المتظاهرين بكسر الحواجز الأمنية، التى تم وضعها بعد أحداث 15 مايو، أعلى كوبرى الجامعة، وأصبح المرور إلى السفارة سهلا، إلى أن تداركت قوات الشرطة العسكرية الموقف طالبة المدد. الوجود الأمنى كان كثيفا للغاية، أمام «عمارة السفارة» بنحو 15 مترا، من جانب شارع شارل ديجول، تمركزت مدرعتان والمئات من عناصر الشرطة العسكرية، وخلفهم العشرات من أفراد الجيش، وبحسب قول بعض الضباط للمتظاهرين، فإن عناصر الصاعقة تقوم بحماية العمارة من الدور الأول حتى السابع عشر، وبعدها تتولى عناصر صهيونية تأمين السفارة. وجود اللواء حمدى بدين القائد العام للشرطة العسكرية، وعضو المجلس العسكرى، قوبل بهتافات معادية، فى إشارة إلى موقف الشرطة العسكرية فى ما حدث فى موقعة العباسية، فى 23 يوليو الماضى. عدد المدرعات التى شاركت فى تأمين المكان 50 مدرعة، مغلقة السقف، فى حين حضرت خمس مدرعات أخرى مفتوحة السقف تعمل كناقلات للجنود. الشماريخ التى دائما ما نراها فى مباريات كرة القدم، أطلقها المتظاهرون صوب مقر السفارة، وصوب العلم الصهيونى بغية إحراقه، لكنهم لم يفلحوا. استخدموا طائرات ورقية فلم يفلحوا. يبدو أن الأيام القادمة ستشهد حيلا أخرى، المهم إنزال العلم أو إحراقه. المتظاهرون رفضوا بيان عصام شرف رئيس الوزراء، الذى أعلن فيه سحب مصر سفيرها فى تل أبيب مطالبا باعتذار رسمى من حكومة نتنياهو. «الدم ثمنه الدم.. هذا ما نعرفه»، هكذا قال مصطفى عزت، أحد المعتصمين، رافضا الصمت على استشهاد المجندين على الحدود. أما عبد الرحمن عز عضو المكتب السياسى فى حركة 6 أبريل، فقال إن الرد الحقيقى هو طرد السفير الإسرائيلى من القاهرة. عز هدد بأن الخطوة القادمة ستكون نصب خيام أمام السفارة. الهتافات المدوية، يبدو أنها تزعج الإسرائيليين حاليا. المعتصمون، هتفوا «يا مشير خد قرارك.. دم ولادنا فى انتظارك»، و«دم ولادنا على الحدود وعهد مبارك مش هيعود»، وعادت هتافات ثورة يناير، عاد هتاف «مش هنمشى.. هوّ يمشى». بعد صلاة الفجر، أعلن المعتصمون نيتهم الصيام ومواصلة الاعتصام. ومع نسمات صباح الأمس، استمرت الهتافات، التى ألهبت عشرات الحافلات التى مرت على كوبرى الجامعة. فى حوالى السادسة صباحا، قرر أحد الشباب رفع علم مصر فى موقع أعلى من موقع العلم الإسرائيلى، فعلها ونجح، تصفيق حاد وهتافات وتكبيرات تهز الوجدان. مشهد يستدعى سريعا الهتاف التاريخى، «عبد الحكم رفع العلم»، وهو الهتاف الذى ردده المصريون، منذ ما يقرب من خمسة وسبعين عاما فى نوفمبر 1935، حينما خرج آلاف الشباب من جامعة القاهرة رفضا لتصريحات المندوب السامى البريطانى، وتصميما على الجهاد من أجل الدستور والجلاء.