اتفق خليل ونبيل على ضرورة تنظيم قوى الثورة، مؤكدين أن عدم تنظيمها وتوحيد جهودها سيبدد قوتها ويسمح للقوى الأخرى باختطاف الثورة وسرقتها. لكننى عندما سألتهما عن كيفية تحقيق ذلك اختلفا. اقترح خليل تكوين حزب واسع وكبير تندرج فيه كل ائتلافات الثورة وتحالفاتها ومبادراتها وتنسيقياتها وأحزابها بحيث تتجمع وتتوحد هذه القوى وتضع جانبا اختلافاتها الفكرية والسياسية، وتعمل على تحقيق الأهداف التى تشترك فيها. اعترض نبيل بشدة، وقال إن تكوين مثل هذا الحزب محاولة محكوم عليها بالفشل مسبقا، إذ لا يمكن أن تضع هذه القوى اختلافاتها الفكرية والسياسية جانبا. وسأل: كيف يمكن «للاشتراكيين الثوريين» مثلا أن ينخرطوا فى حزب واحد مع «المصريين الأحرار» (الذين لا يعتبرونهم جزءا من قوى الثورة أساسا) وبينهم ما بينهم من اختلافات عميقة؟ وكيف يمكن لأحزاب قامت وخاضت انتخابات وفاز بعض أعضائها أن تتلاشى وتندمج فى حزب جديد وليد؟ وبالتالى -استطرد نبيل- فإن إنشاء حزب جديد سينتهى بأن يضيف كيانا ضعيفا إلى كيانات ضعيفة موجودة، وأن يزيد انقسام قوى الثورة لا أن يوحدها. والحل؟ سأل خليل. فأجاب نبيل أن الحل يكمن فى إقامة كتلة أو تحالف واسع ينسق بين هذه الكيانات القائمة دون أن يذيبها، بحيث تستطيع كل منها مواصلة العمل بحرية فى ما يفرق بينها وتلتزم بالموقف الموحد فى ما يجمعها. ضحك خليل بمرارة، وقال إن هذا الحل يبدو جيدا نظريا، لكنه أثبت فشله بالتجربة العملية. ففى كل التنسيقيات والتكتلات والتحالفات التى قامت منذ الثورة، يستمر التنسيق لفترة وجيزة جدا، أحيانا لا تدوم أكثر من دوام الاجتماع التنسيقى نفسه، ثم يتلاشى هذا التنسيق حين تخرج الكيانات الداخلة فيه إلى العمل السياسى الفعلى. أبدى نبيل تشككه فى هذا، فهز خليل كتفيه استخفافا بتشككه، وذكّره بأنهما قد حضرا سويا اجتماعات لثلاثين مبادرة تهدف إلى توحيد الصف -وطبعا ليس هناك تنسيق بين هذه المبادرات التى تدعو للتنسيق! لا حل سوى الحزب، قال خليل منهيًا النقاش، فنظر إليه نبيل وقال: الحزب ليس حلا، الحل هو التنسيق بين الكيانات القائمة. وصمتَا. بصراحة لا أعرف من منهما على صواب، لكننى أعرف أن هناك أشياء لها أولوية على أشياء أخرى. أعرف أن الاتفاق على إطار للنظام السياسى يسمح بأكبر قدر من الحريات ويحميها ويؤسس لتمكين الشعب وممثليه من مراقبة السلطة له أولوية. وأن الاتفاق على إطار يحمى الحقوق والكرامة الإنسانية للأفراد والجماعات له أولوية. وأن الاتفاق على إطار يقيم أسسا للعدالة الاجتماعية له أولوية. وأن الاتفاق على مبادئ لعلاقتنا بالعالم الخارجى له أولوية. أعرف أن الاتفاق على كل هذه المسائل الأربع له أولوية وأنه ممكن بدرجة كبيرة. ستظل هناك أشياء يريدها كل طرف لا يقبل بها الآخرون، لكن المهم هو المساحة المشتركة. سيريد الاشتراكيون ضرائب تصاعدية لن يقبل بها الليبراليون. لن يتفقا على هذا، لكنهما سيتفقان على التدخل الإيجابى من قبل الدولة بأشكال أخرى لدعم وتمكين الفئات الأضعف ذات الفرص الأقل. فى الأولويات الأربع للثورة المصرية هناك دوائر كبيرة للاتفاق، وهى أهم من دوائر الاختلاف. أعرف أيضا أن عدم الاتفاق سيهدر فرصنا جميعا فى حماية ما نتفق وما نختلف عليه. وإهدار الأولويات من أجل الثانويات هو الخيبة بعينها. فى فيلم «حياة براين» الذى قدمته فرقة «مونتى بايثون» تقليدا لحياة المسيح، يجرى «براين» من جموع المؤمنين به وهى تطارده. وحين يختفى فى المنحنى تسقط فردة حذائه. تقف الجموع ويلتقط شخص ما الحذاء، ثم يختلفون فى معنى سقوط الحذاء وما إذا كان «براين» قد دخل يمينا أم يسارا، وينقسمون، ثم يواصلون الانقسام عند كل خطوة. خليل ونبيل: حزب أو كتلة لا يهم، المهم هو هل نتحرك سويا أم كلٌّ على حِدة؟