إن قاهرة القرن التاسع عشر المعمارية على جمالياتها إلا أنها كانت بمثابة تعبير عن النخب الجديدة وخروج بعضها من القاهرة الفاطمية، إلى هذه المنطقة الجديدة آنذاك، والتى كان تعبيرها المعمارى يعكس ثقافة حداثية جديدة تعكس الانفتاح على الثقافة الأوروبية بعض قيمها التحديثية والحداثية. من ناحية أخرى كان التعايش بين الثقافات المتعددة فى الإطار المصرى إحدى سمات التعايش الإنسانى بين متعددى الأديان والمذاهب والأعراق فى سياق الخصوصية المصرية إلى حد ما. 1- كان أحد أبرز معالم التغيرات فى النسق السكنى، والطرز المعمارية، وفى الأسواق تعتمد على التحرك من المناطق التى تكتظ بالسكان والتفاعلات اليومية فى التجارة والبيع والشراء، والأجهزة الحكومية والإدارية، وتم التمدد إلى الحواف والأطراف على نحو ما أدى إلى بعض من إهمال من أجهزة الدولة لهذه المناطق، خصوصا فى ظل انتقال الأسر الثرية من الفئات الوسطى-العليا، والوسطى–الوسطى إلى بعض المناطق الجديدة الأكثر تخطيطا. 2- من ناحية أخرى، نستطيع أن نلاحظ أن المجتمع المدينى شبه المفتوح على الثقافات الأوروبية شكَّل بيئة حاضنة للكفاءات من بعض المهندسين الأوروبيين والشوام وبعض المصريين قاموا بتصميم عديد من المبانى الحديثة، بل إن بعضهم صمم بعض أماكن العبادة على نحو متميز. إن إهمال النخبة الحاكمة وأجهزة الدولة لبعض المناطق السكنية التاريخية أدى إلى تدهورها المستمر، وذلك على الرغم من طابعها الأثرى المميز، كالقاهرة الفاطمية، والتى لا تزال تعانى من أمراض الشيخوخة المعمارية دونما رعاية، وترميم وتطوير للبنية الأساسية لهذه المناطق الأثرية التى يحوطها تجمعات سكانية كثيفة، وحركة تجارية نشطة. 3- إن فوضى الطرز المعمارية وتدهور معالم شخصية المكان يعودان أيضا إلى بعض الفساد المستمر فى بعض أجهزة الدولة المختصة بالتخطيط العمرانى، والسياسة الإسكانية، لا سيما فى إصدار التصاريح للأشخاص، أو الجمعيات، أو شركات القطاع الخاص، وذلك مع التغاضى عن الشرائط الفنية، بل والجمالية المطلوبة، وهو ما تفاقم مع سياسة الانفتاح الاقتصادى التى أعلنها الرئيس الأسبق أنور السادات، وسيادة قانون الرشوة والفساد، وتراجع قانون الدولة وروادعه وهيبته فى عديد المجالات وعلى رأسها الإسكان والإنشاءات. 4- أدى نقص المعروض من الوحدات السكنية -من الحكومة والقطاع الخاص- وسياسة التمليك، وارتفاع الأسعار المستمر، إلى تدهور البنية الأساسية فى الأنسجة السكانية والكتل الإسكانية الكبرى فى المدن المريفة، وفى الأرياف، ومن ثم إلى التمدد فى الأراضى الزراعية والبناء عليها على خلاف القانون، ثم ترتيب أوضاعهم من خلال أشكال من التحايل على تطبيق قواعد القانون، عبر قانون الرشوة والفساد المسيطر. من ناحية أخرى تمدد أشكال السكن اللا رسمى، والذى يطلق عليه السكن العشوائى. تطورت الكتل والأنسجة السكنية والسكانية العشوائية على نحو بالغ الخطورة، حيث يفتقر غالبها إلى البنية الأساسية -المياه النقية، والصرف الصحى، والاشتراطات الفنية والبيئية.. إلخ- ناهيك بالقطع عن غياب شروط الحياة فى سكن إنسانى ملائم فى هذه المناطق. إن انتشار المناطق العشوائية فى أنحاء البلاد هو تعبير عن نمط من الفكر السلطوى العشوائى الذى لا يميل إلى التخطيط والإعداد الجاد للمشروعات الإسكانية، وإلى خلل فى القوانين المنظمة لعمليات البناء، والتى لم تتطور وفق فكر قانونى واجتماعى يستوعب متطلبات الانفجار السكانى، واحتياجات المواطنين فى ضوء انتماءاتهم الاجتماعية والثقافية، ويعود ذلك لدى بعضهم إلى أوائل القرن العشرين، وذلك لعدم تطبيق القرار الوزارى رقم 28 لعام 1914، الذى ذهب إلى عودة جميع المسطحات الخاصة بالدولة، والتى انتهى الغرض من تخصيصها للمنفعة العامة، وذلك إلى مصلحة الأملاك الأميرية، وهو ما لم يتم. من ناحية أخرى أشار بعض الباحثين إلى غياب الرقابة على هذه المسطحات فى ظل حركة عمرانية على نطاق واسع خلال الفترة من خمسينيات القرن الماضى إلى الآن. من ناحية أخرى «غياب وضعف الكوادر الفنية المتخصصة فى الأطر المحلية، للتخطيط فى مجال البناء، وإدارة هذه المناطق من زاوية تطبيق القانون على عمليات البناء، أو على الخروج على قواعد التنظيم» فى رأى بعض المتخصصين، ويعود ذلك أيضا إلى غياب رؤية معمارية تراعى شخصية المكان بكل مكوناتها. من هنا برزت ظاهرة تشويه المساكن الشعبية التى بنيت فى عهد نظام يوليو 1952 على النمط السوفييتى، وفى إطار الفكر المعمارى لدى بعض الدول الاشتراكية، دونما مراعاة لتعدد شخصية وسوسيولوجية المكان والبشر فى إطاره. من ناحية أخرى إعادة ترتيب قاطنى هذه الوحدات لوظائف السكن، على حساب الشكل والتصميم النمطى له، بما يتماشى مع نمط حياتهم، بما أدى إلى انتهاكات مستمرة ومكثفة للتصميم، والأطر القانونية المنظمة له، بالإضافة إلى اضطراب قوانين إيجار الأماكن، من حيث التزام المستأجر بالحفاظ على الوحدة السكنية موضوع التعاقد وعدم إجراء تعديلات فيها، وهو أمر لم يتحقق نظرا لغياب الإشراف والرقابة، وتطبيق الجزاءات على المخالفين للقوانين المنظمة للإسكان. بعض ذلك يعود إلى تجاوزات جهة الإدارة وتغاضيها عن المخالفات لأسباب تتعلق بالفساد الإدارى، أو لاعتبارات اجتماعية بالنظر إلى أن تطبيق القانون بصرامة يؤدى إلى مشكلات اجتماعية حادة.