كان طبيعيا أن تأتى كلمة الرئيس السيسى فى ذكرى ثورة 23 يوليو فيها هذا القدر الكبير من الاحتفاء والانتماء، الرجل القادم من المؤسسة العسكرية، لا يتعامل مع 23 يوليو باعتبارها يوما وطنيا فحسب، إنما يمكن اعتبارها يوم الجيش أيضا، الذى وضع الجيش فى إطار المعادلة السياسية فى البلاد، باعتباره المحرك الأول، وفى مراحل كثيرة من عمر هذه الثورة كان المهيمن الوحيد على المشهد السياسى. ربط الرئيس بين 23 يوليو، و25 يناير و30 يونيو، لكنه وهو يتحدث عن الثورة الأولى اعترف أن بعض أهدافها لم يتحقق بعد، وأن بعض الثورات قد تستمر لمئات السنين لاستكمال أهدافها، نحن إذن نعيش فى برنامج يوليو، على الأقل فى ذهن رئيس الجمهورية، الذى يبدو معتقدا أن 25 يناير قامت لاستعادة يوليو أو على الأقل استعادة أهدافها، باعتبارها المؤسس لقيم الكرامة والعدالة والحياة الكريمة، وهو أمر غير مزعج على الإطلاق، فلا يمكن الاختلاف على أن أهداف يوليو الستة يمكن اعتبارها برنامجا وطنيا ما زال صالحا للعمل به، لكن قطعا بوسائل غير وسائل يوليو، إنما بالكثير من روح يناير. فإذا كانت 23 يوليو تحدثت عن القضاء على الاستعمار وأعوانه، ونجحت فى ذلك، لكن الأيام جرت حتى عاد الاستعمار بشكل جديد من التدخل والهيمنة والنفوذ على المنطقة كلها، وهو ما يطرح من جديد قضية الاستقلال الوطنى، التى كانت من أهداف يناير، وأيضا من مكونات انطباعات المصريين عن السيسى، وهى مسألة مستمرة ما زالت تحتاج إلى جهود بروح يوليو وعزتها الوطنية. كذلك وضعت الثورة الأولى هدفى القضاء على الإقطاع وسيطرة رأس المال على الحكم، ونجحت فى ذلك فى مرحلتها الناصرية، لكنّ الثلاثين عاما الأخيرة التى شهدت ما يسمى تحالف السلطة مع المال، وإعادة توزيع الثروة والأراضى على عدد محدود من المصريين، مثّلت ردة وانتكاسة على أهداف الثورة، وتحتاج أيضا إلى عمل مختلف وعصرى. ونجحت يوليو فى إقامة العدالة الاجتماعية باعتبارها الإنجاز الأهم والأكبر، عبر منظومة متكاملة، لا تختزل العدالة الاجتماعية فى الأجر، لكنها تربطها بمنظومة تعليم وتطوير فى الخدمات، وحركة تصنيع كبرى، وتوزيع للثروة، وتذويب الفوارق بين الطبقات، لكن الأيام تمر، ويعود المصريون للمطالبة بالعدالة الاجتماعية مجددا. أنشأت يوليو الجيش القوى، وربما يكون ذلك هو الهدف الوحيد من أهداف الثورة، الذى تم الحفاظ عليه عبر العقود الستة، ولم يتم التفريط فيه، كما جرى التفريط فى باقى الأهداف. عدد الرئيس السيسى أهداف ثورة يوليو، وربط بعضها بأهداف يناير، لكنه لم يتحدث عن الهدف الغائب تماما، الذى رفعته يوليو ولم تحقق فيه أى إنجاز يمكن أن نقول إنه جرى التفريط فيه، وهو «إقامة حياة ديمقراطية سليمة»، وظل ذلك هدفا راكدا وأحيانا مؤجلا، حتى قامت 25 يناير وفى طليعة اهتماماتها استعادة هذا الهدف ووضعه موضع التطبيق. لست منزعجا من إظهار الرئيس انتماء واضحا لثورة يوليو، برنامجها الوطنى ما زال صالحا للعمل به، لكن أهدافه كلها وليس بعضها، من أول العدالة الاجتماعية والاستقلال الوطنى، وحتى الديمقراطية، لكن الخطورة أن مناخا مشابها لذلك الذى جعل الديمقراطية مؤجلة فى يوليو، يظهر الآن بالتعامل معها على أنها ليست أولوية، حتى إن رئيس الجمهورية وهو يتحدث عن أهداف يوليو لم يذكرها ولم يقترب منها. التنمية بكل جوانبها التزام على رئيس الجمهورية حاليا، والتنمية السياسية أحد محاور هذه التنمية الشاملة، فلا حرب على الإرهاب، ولا مواجهة للتطرف دون حراك سياسى ناضج، وتنافس حقيقى وتداول للسلطة، وإعمال للدستور بما هندسه من قواعد ديمقراطية، وما وفره من ضمانات للحقوق والحريات. يا كل أنصار يوليو: لا تنسوا «إقامة حياة ديمقراطية سليمة» مثلما نسيها آباء يوليو، فوصل بنا الحال إلى ما عشناه فى العقود الماضية.