يرى جمهور أهل الطريق أن الإنسان يحتاج إلى شيخ يقتدى به، ليهديه إلى سواء السبيل، ومن لم يكن له شيخ يهديه قاده الشيطان إلى طرقه! وعلى الإنسان أن يفوض أمره بالكلية لشيخه، ولا يخالفه. وترك المريد للاختيار مع شيخه ييسر له ترك الاختيار مع الله تعالى، إذ إن الطريق كله أدب، يتأدب الإنسان أولا مع شيخه، ويتعلم الأدب مع الخلق، ثم يرتقى إلى معنى الأدب الحقيقى مع الخالق سبحانه. وللمريدين مع الشيوخ أوان ارتضاع وأوان فطام، وذلك عندما ينتقل الإنسان من الفهم من الشيخ إلى الفهم من الله تعالى. والإنسان -كما يرى السهروردى- قد ينفعه لحظ الرجال كما ينفعه لفظ الرجال. فمن أهم ما يمكن أن يتشربه المريد من شيخه، خلال فترة التلازم، الموقف الداخلى تجاه أزمات الحياة. فذلك هو ما لا يمكن أن يكتسبه الإنسان من الكتب. وإنما يصل إليه بالانتصار فى معركة الجهاد الأكبر، وهذا لا ينفى حاجة الإنسان إلى الكتب، وغيرها من وسائل المعرفة الحديثة، وهنا نذكر قول الغزالى: «مهما كان الرجل مجربا للزمان، فإنه ما لم ينظر فى الكتب لا يكون كامل العقل». ولنختلف مع ما تواتر عبر روايات تراثنا الروحى، فالشيخ ليس ضروريا فى حياة الإنسان المتوجه إلى خالقه سبحانه، ولا نرى أن من لا شيخ له، فشيخه الشيطان! إذ إن من لم يعرف الله عز وجل لم يقبل عليه، أما من عرف خالقه، وسلك السبيل إليه، فلا يقوده الشيطان أبدا، وكيف نتصور ذلك وقد قال تعالى: «والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين» (العنكبوت: 69). وعن السيد المسيح عليه السلام قوله: «فإن كنتم وأنتم أشرار تعرفون أن تعطوا أولادكم عطايا جيدة. فكم بالحرى الآب الذى فى السماء يعطى الروح القدس للذين يسألونه» (إنجيل لوقا: الإصحاح الحادى عشر 13). وهنا يقول د.أحمد فؤاد الأهوانى: «إذا استطاع الإنسان أن يغوص فى أعماق نفسه، انعقدت بينه وبين الله هذه الصلة التى يعبر عنها بالشعور الدينى، أو التجربة الدينية». فلا يوجد حاجز بين الإنسان وخالقه، وإنما هو -سبحانه- أقرب إلينا من حبل الوريد. ولا يستطيع إنسان أن يهدى آخر، فذلك محال، لأنه سبحانه وحده هو صاحب الهداية، حتى يقول للحبيب المصطفى: «إنك لا تهدى من أحببت ولكن الله يهدى من يشاء وهو أعلم بالمهتدين» (القصص: 56). والإنسان المتجه إلى مولاه، إذا ما احتاج إلى من يرشده، سيجد يد العناية الإلهية تجلى له شيخه فى الحال. فالشيخ ما هو إلا جند من جنود الله، والإنسان أبدا لم يترك سدى، وإنما السير فى الله بالله، ولذا قيل عن عمر رضى الله عنه، إنه أقبل يريد قتل رسول الله، فأسره الحق فى سبيله، وهذه جذبة القدرة، ولا يستلزم أن يكون للإنسان مرشد واحد، وإنما رحمة الله الواسعة، تُحيل كل ما فى الكون مرشدا وهاديا للمخلص فى توجهه إلى الحق سبحانه.