وقد جاء الدور على إعلانات رمضان التي لم تعد هى الأخرى تشبه إعلانات رمضان الماضي والتي أبهرتنا فكرة وإخراجا وإبداعا فإعلانات هذا العام أقرب للسفاهة والبلادة والاستخفاف بالعقول بدءا من إعلان "قطونيل" الذي يقدمه هاني رمزي والذي يدلل على احتلال قطونيل المركز الأول في السماجة بعد أن أزاحت " بيريل " من هذا الموقع ، مرورا بحملة "البنك الأهلى" التي تدفعك لقتل نفسك 3 مرات متتالية وتتساءل : " إنت موِت نفسك يا بعيد ، إنت موِت نفسك يا بعيد ، إنت موِت نفسك يا بعيد " وصولا إلى إعلان "كوكاكولا" الذي ملأ أسماع الأرض وجاب أصقاعها وجعل الناس تتهافت على البحث عن اسمها والذي أود أن أخبركم بأنه ليس فكرة مصرية صرفة فهو مأخوذ من الإعلان العالمي لكوكاكولا باعتبار كوكا شركة عالمية عابرة للقارات تقدم فكرة عالمية تترجم وفقا للسوق المستهدف لكنني لا انكر نجاحه المدوي إلا أن جاء الكبير " بيبسي " وحرك مشاعرنا بإعلان غنائي يحمل شعار "يلا نكمل لمتنا". لا اخفي عليكم تأثري الشديد بهذا الإعلان والذي يلعب على وتر الحنين والنوستالجيا لما هو قديم ولكل ماضِ لم يعد بإمكاننا إرجاعه، لذكريات وأحداث ومشاعر نفتقدها في هذا العالم المادي المعقد والشنيع والذي نحيا به حاليا لتبرهن بيبسي أنها لا تبيع سلعة فحسب بل تبيع فكر ومشاعر نقية وذكريات نادرة قيمة لم تعد موجودة يستحضرها كل متفرج كلما شاهد الإعلان .. ربما لا اتذكر إعلانا مميزا آخر كي انقده فجميعهم سواء من إعلانات الشقق الفاخرة التي تصيبك بسكتة دماغية حينما تعرف أن متر الشقة ب5200 جنيه وأنت على وشك الدخول على ثورة جياع اضف لذلك إعلانات التبرعات المستمرة ومسلسل الجوع والفقر والمرض والطريف أن تلك الإعلانات تُعرض تباعا بصورة متتالية وبنفس الترتيب في جميع القنوات " عيش في ماونتن فيو ولا وان قطامية ولا بورتو أكتوبر ولا بورتو شلل وبعدين تبرع تبرع تبرع " وقد رأيت أن الكثيرين مصابين بالضجر من عرض تلك الإعلانات وراء بعضها البعض ولأصدقكم القول لا أجد في هذا العرض أي حرج فلا تنكروا أن المصريين باتوا منقسمين لطبقة شديدة الثراء وأخرى شديدة الفقر ..انظروا للعشوائيات التي تحزم الأحياء الراقية ..انظروا للاختفاء المتزايد للطبقة الوسطى ..انظروا لمجتمع يأخذ من أقوات الفقراء ومحدودي الدخل ليضعها في بطون الرأسماليين..انظروا لنا والفجوة الاقتصادية تتسع في مصر بين الأثرياء والفقراء.. وكم أؤمن يقينا بأن الوضع إذا استمر على ما هو عليه سوف تتحقق مقولة : " إن الفقرا مش هيلاقوا حاجة ياكلوها وبالتالي هياكلوا الأغنيا.." أما عن البرامج فحدث ولا حرج ؛ فجميعها تستحق أوسكار القدرة على الاستخفاف بعقول المشاهدين من برامج المقالب الفجة بزعامة رامز جلال ورفاقه من أمثال ريهام سعيد ..برامج تافهة غثة لا تدري هل يتفقون مع النجوم لتأديتها والسخرية منهم مقابل حفنة أموال لكسب ضحكات وقهقهة المشاهدين أم أن النجوم بالفعل ينخدعون بالحيلة وحينما يطالبون القنوات بالمال ترمي لهم ما يكفي لرأب صدع كرامتهم في مقابل أموال المعلنين؟؟ وفي كلتا الحالتين السماجة والمبالغة والسخف هم الرعاة الرسميون لمثل تلك البرامج ! أما عن برامج المقابلات فهى الأخرى لم تعد تقدم جديد إذ يطل علينا "طوني خليفه" أو " نيشان" أو أيا كان يستضيف النجوم ويحاول تقليب النجمات على بعضهن " ومين اتخانق ومين اتطلق ومين راح ومين النجمة الأولى وخسرتي إيه في حياتك وكام مرة اتجوزتي.. طيبة مبسوطة مع جوزك ..طيب صحتكو كويسة ..طيب جوزك مش بيغير عليكي من المعجبين" والعك المستمر الذي يجذب الناس فتنطلي عليهم الخدعة ويستمر مسلسل الإعلانات في النجاح مع مجموعة من مقابلات " نجوم ونجمات الفرقعة الحمراء والشائعات البلهاء ".. ولا تنس برامج المسابقات التافهة مثل : رمضان جالك " والبرامج حطيت عليك ". ورغم كل البرامج السطحية المعروضة تبقى برامج ذات قيمة وثقل تحتاج لأن تتابعها في رمضان وفي غير الأوقات مثل : خواطر للشقيري ، خطوات الشيطان لمعز مسعود ، عيش اللحظة لمصطفى حسني وعلى كل لا احبذ تسمية تلك البرامج بالبرامج الدينية بل هى برامج دعوية تدعو بالفعل لصلاح الأمة وصلاح العقول وهداية النفوس بل أرى أنها ليست حكرا على المسلمين ليشاهدوها فهى برامج عامة توعوية وتثقيفية وراقية تناسب مختلف الأعمار والديانات فهى أولا وأخيرا تدعو للخير والموعظة الحسنة وليتهم يقدمون برامج من تلك النوعية في غير أوقات رمضان .. والآن حان الوقت لأضع " التاتش بتاعي" واتساءل أين برامج الأطفال ودراما الأطفال وكارتون الأطفال في رمضان؟؟ أين الدراما التي تربي النشء وتخاطبه بعقليته وتجذبه بالمؤثرات والفن الراقي والقصة ؟؟ لقد نشأت على بكار وقصص الأنبياء وسلاحف النينجا - حتى وإن كانت السلاحف أمريكية ومستوردة - والآن لا أجد أي برامج أو دراما تجذب أي طفل ؟؟ لمَ نرغب في دفع الأطفال لمشاهدة دراما الكبار واقتحام عالم لا يناسب أعمارهم الحالية ولا يلائم مداركهم؟؟ على كل سوف يبدأ المهللون في القول بأني متخلفة ورجعية وأن الأطفال لم يعودوا أطفالا والحق أن الأطفال لم يعودوا أطفالا لأن والديهم زجوا بهم في عالم الكبار ، دفعوا إليهم بالريموت كنترول أو اللاب توب أو التابلت أو الآي باد ليرتاحوا من زنهم وبكائهم " وبالبلدي يلهوهم بحاجة " بدلا من أن يتابعوا ما يشاهده أولئك الأطفال ويصححوا لهم المفاهيم الخاطئة ، ولا أدعو لمنع الأطفال من حريتهم في المشاهدة بل على العكس أدعو لإعطائهم الحرية مع مشاركتهم فيما يشاهدون ودفعهم لمشاهدة ما يلائم أعمارهم مثلما يفعل الآباء بكوكب أمريكا الشقيق . اعترفوا بأن أطفالنا لم يعودوا أطفالا لأننا خذلناهم فلا نرقى لنقدم لهم برامج تجذبهم أو دراما تحببهم في شخصيات تاريخية أو دينية أو حتى تغرس فيهم قيما نبيلة ..خذلناهم لأننا جعلنا رامز قرش البحر هو نموذجهم الأمثل في الضحك ..خذلناهم بأغاني الإعلانات السمجة التي باتت أغانيهم التي يتغنون بها في البيت ..جعلنا غادة عبد الرازق هى نموذج للفتاة الطموحة ..جعلنا سارة سلامة هى رمز الفتاة الكوول المتحضرة..جعلنا ذلك الممثل "بتاع عبده موته" هو قدوتهم في الكفاح والعمل ! ..جعلنا مشاكل الكبار المعروضة في الدراما هى مشاكلهم فباتوا يتدخلون في أحاديث الكبار وحياة الكبار ويعيشون أدوارا لا يفترض أن يعيشوها في مثل هذا السن..جعلنا من برامج مسابقات المعلومات العامة مجرد أسئلة تافهة على غرار بلد أول حرف منها " مصر " ما هى الإجابة ؟ ويتصل واحد : يقول لك تونس!! نحن من جعلناهم كبارا من مسلسلاتنا يبكون ويتألمون وهم في المهد يلعبون.. فتحملوا التبعات يا آباء ويا أمهات.. الإعلانات والمسلسلات والإعلام في أي دولة كلها عناصر تعكس دوما أحوال الدولة ونظامها السائد وهذا الأمر قاعدة محفوظة ومعروفة لدى دارسي الإعلام وغير دارسيه ولكني أرى في فننا وإعلامنا مجتمعا آخر لا يشبهنا بل يحاول أن يجعلنا مثله .. مجتمعا يجذبه الجنس والنساء والمال والتفرقة العنصرية والقضاء على الأضعف ماديا أو نفسيا أو جسمانيا.. مجتمع لا يصلح لبشر بل لحيوانات.. مجتمع اعتاد مؤلفوه بكل سطحية أن يقدموا لنا النماذج الرديئة في أدوار البطولة حتى إذا وجدنا شخصية درامية شريفة وجيدة بتنا نعتقد يقينا بأنها سوف تقتل أحدهم أو تسرق أو تفعل السوء والفحشاء لأننا لم نعد نؤمن بالخير أو الطهر أو الشرف في أي إنسان ، أصبحت الشخصيات الشريرة تستهوينا وأصبحنا نصف الشخصيات الطيبة بالسذاجة والبلاهة والغباء ، الغريب والطريف أن الدراما العالمية تقدم الأخيار والأشرار بصورة متوازنة فهى قد تُظهر لك الشرير الذي قد يكون لديه محاسن وصفات طيبة كما تُظهر لك الأخيار وهم يقترفون الآثام وهى دراما إنسانية حقيقية فنحن هكذا بشر لسنا ملائكة أو شياطين ولكن في درامياتنا العربية لابد أن يكون الأسود حالك السواد والأبيض ناصع البياض والطآمة الكبرى هى غياب الأبيض وطغيان الأسود لدرجة جعلتنا نعتقد أن مجتمعنا خلا من الأخيار مثلما خلت الدراما من الأخيار وأمتلأت بالأشرار لنظن بأن هذا هو الواقع.. ارتقوا في فنكم يرحمكم الله وإذا كان ذلك بالفعل مجتمعي – كما يدعي صناع الدراما المصرية - فأنا لم أعد آراه على حقيقته فاعذروا بصري وبصيرتي وأعطوني فيزا وتذكرة لأي دولة تحترم الإنسان وتقدس آدميته ..