يتفنن البشر فى تدمير بعضهم بعضا، عندما تشتعل الحروب حتى ولو استخدمت لتنفيذ ذلك أساليب منحطة، تتصف بالوضَاعَة والإمعان فى إيذاء الخصم أو العدو، والتسبب له فى المعاناة والألم لمدى زمنى طويل. وأحد أسلحة الحرب الحديثة التى تؤدى إلى مثل هذا الإضرار بالبشر فى الحروب «الأسلحة البيولوجية»، التى تصنف ضمن أسلحة الدمار الشامل المعروفة بأنها الأسوأ والأشد ضراوة فى تأثيرها على الكائنات الحية، سواء كانت إنسانا أو حيوانا أونباتا. والأسلحة البيولوجية تفتقر إلى أى بعد أخلاقى أو أى درجة من درجات الرحمة، ويبدو أن الغرب الذى تفتق ذهنه الشرير عن اختراع هذا النوع من أسلحة الدمار الشامل فى بدايات القرن العشرين، كانت له أكثر من سابقة فى استخدام الميكروبات بأساليب خدع خسيسة، مثلما كان يحدث مع الهنود الحمر، الذين كانوا يمنحونهم أغطية ملوثة بالجدرى، وكان الغزاة الأوروبيون يلوثون المياه ويبيدون قطعان الماشية والخيول بميكروبات أمراض الحيوان. وتعمد الأوروبيون توسيع انتشار الجدرى بين الهنود الحمر، الذين لم يكن لديهم أى مناعة طبيعية منه، إذ أرسل قائد الحملة الإنجليزية السير جفرى أمهيرس مناديل وأغطية من مستشفى العزل لمرضى مصابين بالجدرى، إلى رؤساء القبائل الهندية، مما أدى بعد هذه الخديعة إلى انتشار المرض بين الهنود الحمر بصورة وبائية أدت إلى مقتل ما يقارب 50% منهم فى المنطقة التى هوجمت بالميكروب. رعب مخيف فى ميادين القتال ومن شدة بشاعة الأسلحة البيولوجية اعتبرها الخبراء البديل الفتاك للأسلحة النووية من حيث الآثار المترتبة عليها بشريا وبيئيا. وتعتبر مقاومة الحرب البيولوجية فى ميادين القتال إحدى المشكلات الأصعب لدى الجيوش، ويمثل التطعيم حلا غير مؤكد فى مواجهة هذا السلاح غير المرئى، نظرا إلى التحوير الذى يتم للميكروبات فى المعامل والمختبرات -بفعل فاعل من علماء أجهزة المخابرات- هذه الميكروبات تخترق جسم الإنسان، ويبدأ أثرها غامضا فى البداية بعد فترة حضانة تلى الإصابة. وتعتبر الملابس والأقنعة الواقية إجراء دفاعيا هاما، لكن لا يمكن فى الغالب استخدامها، لأنه يصعب اكتشاف الهجوم البيولوجى الذى لا يترك قرائن دالة تراها العين المجردة أو الأجهزة الميدانية. وبصفة عامة تتخذ مجموعة من الإجراءت الوقائية مثل حفظ الماء والأطعمة، ورفع مستوى الإجراءات الصحية والنظافة، وتطبيق الحجر الصحى فى نطاق الهجوم البيولوجى، وتطهير الأشخاص والتجهيزات والمناطق الملوثة. طرق نقل العدوى توجد ثلاث طرق رئيسية للتسبب فى العدوى بالعناصر البيولوجية، وهى العدوى من خلال الجلد، وبواسطة المأكولات والمشروبات والمياه الملوثة، والعدوى بواسطة الهواء. وتعتبر الطريقة الأخيرة أكثر الطرق فاعلية واستعمالا فى أثناء الحروب، ويمكن استخدام الطائرات والسفن والمدافع والصواريخ كأدوات لنشر ميكروبات الحرب البيولوجية. مناطق الهجوم البيولوجى 1 مراكز القيادة والسيطرة 2 القواعد الجوية والبحرية وقواعد الدفاع الجوى 3 القواعد الإدارية ومناطق إمداد القوات 4 السفن البحرية الحربية 5 القوات فى ميادين القتال فى أثناء تجمعها فى مناطق الهجوم الابتدائية أو الوقفات خلال المسير 6 المراكز الصناعية والموانى والمزارع الكبرى والمناطق الإدارية 7 آبار المياه ومحطات التنقية أنواع الميكروبات فى الحرب البيولوجية البكتريا تتسبب فى أمراض مختلفة خطيرة كالطاعون والكوليرا والحمى الخبيثة وغيرها، وهى ضعيفة لا تقاوم المطهرات وحرارة الشمس أو الغليان، وتفرز بعض أنواع البكتريا نتيجة نشاطها الحيوى فى جسم الإنسان مواد سامة، اصطلح على تسميتها سموم البكتريا، التى تؤدى إلى أمراض خطيرة مثل الدفتريا والتيتانوس. الفطريات نوع من الكائنات الحية الدقيقة لها خصائص مختلفة، إذ تنمو فى أوساط كثيرة على عكس البكتريا والفيروسات والركتسيا، وتتفوق عليهم فى درجة مقاومتها للحرارة وأشعة الشمس والجفاف والمواد المطهرة ومقاومة المواد الكيماوية والمطهرة، وهى أكثر تعقيدا من البكتريا فى تكوينها وطرق تكاثرها، وتسبب أمراضا مثل الالتهاب السحائى الفطرى والالتهاب الرئوى الفطرى. الفيروسات على عكس البكتريا لا تنمو الفيروسات خارج جسم الإنسان إلا على أنسجة حية فى المعامل، وتعتبر صغيرة جدا قياسا على حجم البكتريا التى تكبرها عدة آلاف من المرات، ومن الأمراض التى تسببها الفيروسات شلل الأطفال والحمى الصفراء والجدرى. الكائنات وحيدة الخلية وهى أبسط أنواع الميكروبات المستخدمة فى الحرب البيولوجية، لأنها وحيدة الخلية مثل أنواع الأميبا، وتسبب أمراضا كالدوسنتاريا. الركتسيا كائنات حية ميكروسكوبية مثل سابقيها، تقع فى المسافة بينهما، فهى تشبه البكتريا من حيث الحجم، وتشبه الفيروسات فى أنها لا تنمو خارج الجسم الإنسانى، أو الوسط الذى يوفر شرط النسيج الحى. وتنتقل الركتسيا من خلال الحشرات كالقمل والقراد، وتسبب أمراض كالتيفوس وبعض أنواع الحمى. خواص الأسلحة البيولوجية 1- اختراق المنشآت والتحصينات: حيث لا يمكن تزويد كل المنشآت والتحصينات بمرشحات فعالة ضد هذه الأسلحة، التى تتفوق من هذه الزاوية على ذخائر الأسلحة التقليدية. 2- مباغتة العدو: نظرا لأن الميكروبات يمكن أن تنقل بوسائل غير تقليدية كالعملاء والحشرات ناقلة الأمراض، التى لا يمكن رؤيتها بالعين المجردة أو الحواس الطبيعية الأخرى، ولا يمكن التأكد منها أو الوصول إليها إلا مجهريا فى المختبرات. 3- القابلية للانتشار: إذ يمكن للميكروبات الانتقال فى الأجواء المواتية، والانتشار فى مساحات شاسعة، ويمكن تنفيذ ذلك بطائرة واحدة مما يتسبب فى إصابات وانتقال للعدوى على نطاق كبير للعدوى. 4- التأثير المتأخر: لأن الكائنات الحية التى يتم الهجوم بها ليست ذات تأثير فورى، حيث إذ تعطى نتائجها بعد أن ينهى الميكروب فترة حضانته. 5- عدم تدمير المبانى والمنشآت: حيث تؤدى الأسلحة التقليدية والنووية إلى التدمير المادى، بينما لا تترك الأسلحة البيولوجية أى تأثير على العناصر المادية فى البيئة، مما يجعلها قابلة لإعادة الاستخدام من قبل المهاجمين. خطر داهم على البشرية تمثل الأسلحة البيولوجية خطرا غير محدود على البشرية للأسباب الآتية: 1- قدرة أى دولة على تطوير الأبحاث الخاصة بتلك الأسلحة علميا. 2- يصعب أن يتنبأ أحد بخطر هذه الأسلحة، إذا ما استخدمت على نطاق واسع. 3- تكاليف تلك البحوث بخسة، قياسا بتكاليف البحوث الذرية والصواريخ الباليستية والطيران. 4- الخطر الداهم الذى يهدد البشرية من استخدام الأسلحة البيولوجية يكمن فى كونها ذات أثر ممتد، فقد أصبحت هناك ميكروبات تم تحويرها من الصعب وجود أمصال لعلاجها أو لقاحات للوقاية منها، بجانب مقدرتها العالية على التكيف.