بلغة السياسة التى تطاردنا هذه الأيام، قوانين حياتنا غير دستورية، وليست لها مرجعية محددة تشكل العلاقات اليومية بيننا وبين من نحبهم. تختلف وجوهنا وبصمات أصابعنا وأصواتنا، وكذلك التجارب الإنسانية لا تتشابه إلا قليلا. والقلب ليس العقل هو من يقودنا فى رحلة الحياة. فعلى عكس بعض مدارس الاقتصاد التى عفا عليها الزمن، فالإنسان ليس عقلانيا ولا يحدد اختياراته بسبل منطقية. فالعقل والمنطق يعرفان أضرار التدخين والسهر، ولكن للقلب بوصلة مختلفة. فأحيانا تكون المتعة هى المسافة بين ما يرفضه العقل وما يريده القلب. والقلب ليس دائما فاسدا، لأن الفترة الطيبة هى ما خلقنا عليه. أتذكر جيدا وأنا عندى 9 سنوات وأشجع فريق الأرجنتين فى كأس العالم. لم أكن رأيت شخصا أرجنتينيا فى حياتى أو سمعت موسيقى أرجنتينية، لم أكن حتى أعرف موقعها الجغرافى. ولكن شيئا ما دفين جعلنى مشجعا متعصبا لفريق لم أكن أعرف كيف أنطق اسمه. فالحب يأتى ويذهب بلا سبب، ولا يعرف النظريات العلمية أو المعاملات الحسابية، وكذلك الكره. ولا يجب نسيان أن الحب هو سبب وجودنا حتى الآن فى هذا الكون، فمعظمنا جاء إلى الدنيا بسبب ليلة تغلب فيها الحب على كل شىء آخر. ليس بالضرورة أن نعرف الأسباب الحقيقية وراء الحب، ولكن المهم هو الشعور به، وكذلك السعادة. وكما يقول ابن عربى «أدين بدين الحب أنى توجهت ركائبه، فالحب دينى وإيمانى». فحياة دون حب لا خير فيها. وتبقى السعادة هى المقدرة على الحلم. وربما تكون للأحلام أبعاد نظرية، لأنها تبتعد عن الواقع التنفيذى والإجرائى للحياة. ولكن كما يقول أحد الحكماء «النظرية دون ممارسة جوفاء، والممارسة دون نظرية عمياء». نعم، للخيال فى قلبى مرتبة أعلى من الواقع، ولكن الواقع موجود ولا يمكن تجاهله. والخلطة السحرية يقولها المتنبى فى أبياته «على قدر أهل العزم تأتى العزائم.. وتأتى على قدر الكرام المكارم.. وتعظم فى عين الصغير صغارها.. وتصغر فى عين العظيم العظائم». تلك الأبيات التى مدح بها المتنبى سيف الدولة الحمدانى فى معاركه أمام الروم صالحة لكل زمان ومكان، فلا انتصار دون إرادة، ولا إرادة دون أحلام. فلا تنحى جانبا أى حلم، فالمثل الإفريقى يقول: «إن كنت تظن نفسك صغيرا على إحداث فرق، فإنك لم تقضِ ليلة مع ناموسة». فحياة دون حلم لا معنى لها. ولا تستعجب من التناقضات بل استمتع بسحرها. فإن تركت شخصا لأنه متناقض، فأعلم أنك تترك فرصة ذهبية للمعرفة والاستمتاع، فالحياة ليست إلا سلسلة من التناقضات. ومن تلك التناقضات نتعرف على الحقيقة إن وجدت، ف«الجواب لا يبان من عنوانه» كما يقول المثل الشعبى بل عندهم فى الدول الأخرى المثل يقول «لا تحكم على الكتاب من الغلاف». فكن فخورا بتناقضاتك وكن شغوفا بحب تناقضات الغير، فحياة دون تناقضات هى حياة مملة.