فى دفاعه عن الحكومة وإنها ليست وراء منع عرض مسلسل «أهل إسكندرية»، قال إبراهيم محلب، رئيس الوزراء، «إنه لم يصدر قرارا بمنع العرض، وإنه مع حرية الفن والإبداع، لكنه يعترض فقط على مضمون المسلسل وقصته، التى تتناول فساد ضابط شرطة قبل ثورة يناير»، مشيرا إلى أن «العلاقة تحسنت حاليا بين الشرطة والشعب، وأن التوقيت غير مناسب لتناول هذه المواضيع»، كلام المسؤول الأول فى الحكومة يكشف كيف يُدار الآن الملف الأمنى، وأننا نعود سريعا إلى زمن الوشايات الرخيصة والتبريرات الكاذبة والمضللة، من المؤكد أن محلب لم يقرأ سيناريو المسلسل، ولا يعرف أحداثه بدقة، كما أنه لم يشاهد الحلقات التى تم تصويرها قبل إيقاف التصوير، ولا بد أنه اعتمد فى رفضه مضمون المسلسل على الحكايات والأقاويل، لكن الأخطر أن يقول إنه يعترض على تناول قصة ضابط فاسد، لأن الوقت غير مناسب لتناول هذه الموضوعات حاليا، ومعنى هذا أنه لا يحب الحديث عن تجاوزات الشرطة، ولا فضح الفاسدين من ضباطها، ولا الكلام عن خروج بعض المنتمين إليها على القانون. إذن رئيس الحكومة والمسؤول الأول عن تطبيق القانون، يرفض كل ما يُنشر عن وجود تعذيب فى أقسام الشرطة وداخل السجون، حتى لا يهز العلاقة التى تحسنت بين الشعب والشرطة، وهى العلاقة التى تدهورت بسبب ما ينشر من وقائع، ولا يتم التحقيق فيها للتأكد من صحتها، ومن غير المقبول أن تكون الحكومة التى جاءت بعد تحقيق خطوتين من خارطة الطريق التى وضعتها ثورة 30 يونيو، هى أول من يعتدى على شعارات الثورة التى كان أهم مطالبها الحرية والكرامة الإنسانية، لقد نص الدستور (وهو الخطوة الأولى فى خارطة الطريق) بوضوح على تجريم التعذيب، كما أن الرئيس المنتخب (وهو الخطوة الثانية فى خارطة الطريق) أكد أكثر من مرة ضرورة معاملة الشرطة للمواطنين بالحسنى وطبقا للقانون، لكن الحكايات المتداولة، التى كتب عنها كثير من الكتاب تثير المخاوف عن عودة النظام البوليسى، وتشير، إن صحت وقائعها، إلى عودة الداخلية إلى ممارساتها الغبية فى تجاوز القانون، والقبض على المواطنين بالشبهات، وتلفيق الاتهامات لهم، ولا يُعقل مثلا أن يحاكم مواطنون لأنهم تظاهروا ضد قانون التظاهر، وأن نجد عددا ممن شاركوا فى ثورتى 25 يناير و30 يونيو داخل السجون، من المؤكد أن كلام رئيس الوزراء وثيقة سماح لضباط الشرطة افعلوا ما شئتم، فنحن نغضب من أى نقد يوجه إليكم، لقد غضب محلب من المساس بضابط شرطة فاسد قبل ثورة يناير، وفى عمل فنى، فكيف سيكون غضبه عند الكلام على الفساد الآن، وفى وقائع حقيقية لا متخيلة؟ هل لا يعرف رئيس الوزراء أن ثورة 25 يناير بدأت ضد الداخلية، وفى يوم عيد الشرطة، وكان أيقونة الثورة هو الشهيد خالد سعيد، الذى قتل على يد الشرطة، وحاول نظام مبارك فبركة القضية والادعاء بأنه ابتلع لفافة بانجو، فكانت النتيجة سقوط النظام، وانهيار الشرطة، إننى أرجو أن لا يكون هناك أكثر من خالد سعيد الآن، وإذا كان رئيس الوزراء يخشى على علاقة الشعب بالشرطة، فلا بد أن يدرك أن إعمال القانون ومحاسبة المتجاوزين ومحاكمة من يثبت فى حقه تعذيب مواطن هو السبيل الوحيد لبناء علاقة صحيحة وصحية بين المواطن والضابط، أما إذا كان الحرب على الإرهاب والتضحيات التى يقدمها الضباط فى هذه الحرب هو السبب فى التجاوز عن التجاوزات الشرطية، فهذا هو الطريق إلى مزيد من الإرهاب، إننى أخشى أن يكون هذا الأسلوب متعمدا من داخل بعض أجنحة النظام لإسقاطه سريعا، ووقتها قد نعرف أن النظام ينام مع الإرهاب فى غرفة واحدة، وسوف ندرك أيضا كم عمر غضب رئيس الوزراء، لكن الأهم هل يدرك الرئيس السيسى كم عمر غضب الشعب؟ ملحوظة: عنوان المقال مأخوذ من عنوان كتاب للمفكر الكبير الراحل د.فؤاد زكريا.