أحمد أيوب: الأكاديمية الوطنية نقطة فارقة فى تأهيل القيادات التنفيذية    إدارة الأزمات والتداخلات العاجلةب " الجبهة ": تناقش سيناريوهات الوقاية ومواجهة التحديات    11 قرارًا جديدًا لمجلس الوزراء.. تعرف عليها    ألف جنيه انخفاضا في سعر الأرز للطن خلال أسبوع.. الشعبة توضح السبب    الرئيس السيسي يتابع مستجدات مبادرة الرواد الرقميون ويوجه بدراسة سبل توسيع قاعدة المستفيدين    محافظ المنوفية: الأرض الزراعية خط أحمر.. وإزالة فورية لتعديات على مساحة 175 مترا    مجلس الوزراء يستعرض مشروعات الوصول بالطاقات المتجددة إلى نسبة 30% حتى عام 2030    الاتحاد الأوروبي: يجب عدم تسييس أو عسكرة المساعدات الإنسانية إلى غزة    بعد مباحثاته في موسكو.. فيدان يزور أوكرانيا الخميس    مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية يجري زيارة إلى كييف وروسيا الأيام المقبلة    كوريا الشمالية تهاجم قبة ترامب الذهبية وتتعهد ب"تناسق القوة"    ماكرون: مؤتمر حل الدولتين بنيويورك سيشكل زخما للاعتراف بدولة فلسطين    محمد اليماني لمصراوي: "الأهلي سيفوز بالدوري وبيراميدز بدوري أبطال أفريقيا"    هل ينتقل رونالدو إلى الهلال ب"عقد قصير الأمد"؟    «أعظم اللاعبين على الإطلاق».. رابطة محترفي الاسكواش تتغنى ب علي فرج    الكشف عن تفاصيل عقد دى بروين مع نابولي    وزير الشباب يقرر تعديل اللائحة المالية للهيئات الرياضية    «اشربوه مصانش نادية».. رسائل نارية من جمال عبدالحميد لمسؤولي الأهلي بسبب زيزو    النيابة: حفيدك يقول إنك كبرت بالسن ولا تعرفي الإدارة.. نوال الدجوي: «عاوزين يخدوا فلوسي»    حملات أمنية لضبط متجري المخدرات والأسلحة والهاربين من تنفيذ الأحكام    دار الإفتاء المصرية تعلن رؤية هلال شهر ذي الحجة لعام 1446 ه    رصاص تحت الدائري.. قرار من الجنايات بشأن محاكمة "الغنتوري"    اليوم.. عادل عوض يناقش سينما سبيلبرج في مهرجان القاهرة للسينما الفرنكوفونية    «تقدير الجمهور أغلى جائزة».. مي عمر تعلق على فوزها ب أفضل ممثلة عن «إش إش»    تشييع جثمان والدة المخرج خالد الحجر    المسلماني في منتدى دبي : ثقافة الترند مصدر تهديد للأمن القومي    حكم صيام الأيام الثمانية الأولى من ذى الحجة.. دار الإفتاء تجيب    «بيت الزكاة والصدقات» يصرف 500 جنيه إضافية لمستحقي الإعانة الشهرية غدًا الخميس    في أول أيام الشهر.. تعرف على أفضل الأعمال في العشر الأوائل من ذي الحجة    حكم صلاة الجمعة إذا جاء العيد يوم جمعة.. الإفتاء توضح الرأي الشرعي    فريق طبي بمستشفى العجمي بالإسكندرية يُنقذ حياة مريض بعد طعنة نافذة في الصدر    نائب وزير الصحة تشارك فى جلسة نقاشية حول "الاستثمار فى صحة المرأة"    متحدث «الصحة»: بعثة مع الحجاج المصريين لتقديم الرعاية الطبية    تفاصيل الاحتفال بتخريج دفعة جديدة من "حقوق السوربون" بجامعة القاهرة    بالصور- إقبال على المراجعات النهائية لطلاب الثانوية العامة ببورسعيد    افتتاحات مرتقبة لقصور الثقافة في القاهرة وسوهاج وسيناء    هل يوقع أحمد الشرع على اتفاق تطبيع مع إسرائيل؟    حسم الدوري.. التشكيل المتوقع لبيراميدز في مواجهة سيراميكا كليوباترا    البطيخ والكلى.. علاقة مفيدة أم ضارة؟    لمواجهة الفكر المتشدد.. "أوقاف الفيوم" تنظم دروسًا منهجية للواعظات    وزارة العمل: تخريج دفعة جديدة من برنامج "همم مهنية" على صيانة المحمول    محافظ بنى سويف يستمع لمشاكل واحتياجات أهالى قرية بنى هانئ    «المنشاوي» يفتتح تطوير الصالة المغطاة بالقرية الأولمبية بجامعة أسيوط    الزمالك يفقد خدمات الجفالي في نهائي كأس مصر    القاهرة الإخبارية تكشف تفاصيل الغارة الجوية الإسرائيلية على صنعاء    روبوت ينظم المرور بشوارع العاصمة.. خبير مرورى يكشف تفاصيل التجربة الجديدة.. فيديو    «تمريض بني سويف» تستقبل لجنة الدعم الفني بمركز ضمان الجودة    صندوق النقد يحث مصر بتقليص دور القطاع العام في الاقتصاد بشكل حاسم    "أدهم ضحية بلا ذنب".. مقتل بائع متجول تصادف مروره قرب مشاجرة بسوهاج    الحوثيون: إسرائيل شنت 4 غارات على مطار صنعاء    وزير التعليم: 98 ألف فصل جديد وتوسّع في التكنولوجيا التطبيقية    نائب وزير الصحة: إنشاء معهد فنى صحى بنظام السنتين فى قنا    وزير الثقافة: ملتزمون بتوفير بنية تحتية ثقافية تليق بالمواطن المصري    وزير الخارجية يتوجه إلى المغرب لبحث تطوير العلاقات    قرار من «العمل» بشأن التقديم على بعض الوظائف القيادية داخل الوزارة    الحماية المدنية بالقليوبية تسيطر على حريق مخزن بلاستيك بالخانكة| صور    وزير الأوقاف يهنئ الشعب المصري والأمة العربية بحلول شهر ذي الحجة    ألم في المعدة.. حظ برج الدلو اليوم 28 مايو    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فتاوى لها تاريخ
نشر في التحرير يوم 29 - 06 - 2014


هل يجوز صيام شهر رمضان عن طريق التلغراف؟!
لم يكن الأمريكى صامويل مورس يضع فى حسبانه البلدان الإسلامية والعربية وهو يخترع التلغراف، كما أنه لم يعتقد للحظة أن اختراعه الذى ينقل الرسائل عبر السلك فى دقائق معدودة قد يشكل أزمة للفقهاء المسلمين، أو أنه سوف يغير كثيرًا فى آليات رؤية الأهلّة.
بعد أن أرسل مورس أول رسالة تلغرافية فى تاريخ البشرية فى 24 مايو 1844، وكان نصها: (What hath God wrought).. ماذا خلق الله؟»، عبر أول خط تلغراف بين واشنطن ومدينة بلتيمور، بعد عشر سنوات من هذه الرسالة مدت الحكومة المصرية فى عهد محمد سعيد باشا (1821 1862م) أول خط لتلغراف صمويل مورس ليربط بين القاهرة والإسكندرية والسويس سنة 1854. وقبل مد خط تلغراف مورس كانت مصر ابتداء من عصر محمد على باشا تعمل بنظام المهندس الفرنسى كلود شاب فى نقل الرسائل من مكان إلى آخر، وقد كان نظام شاب يعتمد على الأبراج الخشبية التى ينقل من فوقها العمال الإشارة البصرية من برج إلى برج حتى تصل إلى مقصدها، وبلغ عدد مكاتب التلغراف فى مصر والسودان سنة 1878 نحو 151 مكتبا، منها 86 مكتبا بالوجه البحرى و44 مكتبا بالوجه القبلى و21 مكتبا بالسودان.
فى شهر شوال وعلى وجه التحديد يوم السبت 20 شوال سنة 1294ه، الموافق 27 أكتوبر1877، أى بعد 23 سنة من دخوله مصر، وصلت رسالة إلى محافظة مصر من وكيل محافظ مدينة سواكن السودانية والتى تقع على ساحل البحر الأحمر، وتبعد عن الخرطوم 642 كيلومترا، يسأل فيها عن حكم الشرع فى ثبوت رؤية هلال رمضان أو العيد عن طريق التلغراف.. هل لو تلقى تلغرافًا على سبيل المثال من الخرطوم بثبوت هلال رمضان يأخذ به ويعلن ثبوت رؤية الهلال ويأمر أهل سواكن بالصيام؟، وماذا لو أن الرؤية لم تثبت فى سواكن؟، وماذا لو كانت فى السماء غيمة تحجب الرؤية فى هذا اليوم؟
محافظة القاهرة أحالت رسالة وكيل محافظ سواكن إلى فضيلة مفتى الديار المصرية الشيخ محمد العباسى، وقد وصلته يوم الأحد 18 نوفمبر 1877(12 ذى القعدة 1294ه)، والشيخ محمد مهدى العباسى (1827 1897م)، هو أول من جمع بين منصبى الإفتاء ومشيخة الأزهر، ومن مصنفاته الفتاوى المهدية فى الوقائع المصرية، تولى منصب الإفتاء فى منتصف ذى القعدة (1264ه - 1847م) خلفًا للشيخ أحمد التميمى المفتى السابق. واستمر بالإفتاء أربعين سنة.
محافظة مصر طلبت من الشيخ العباسى الاطلاع على إفادة وكيل محافظة سواكن والإفادة.
وقد تضمنت الإفادة التصريح بما يقتضيه الحكم الشرعى فى ما لو صدر لمحافظ سواكن تلغراف بثبوت الفطر، أو ثبوت هلال رمضان، هل يعد ذلك ثبوتا شرعيا فى أهل تلك الجهة، بحيث يلزم الحاكم الشرعى أهل تلك الجهة بالصوم أو الفطر؟، هل يعد التلغراف ثبوتًا للرؤية حتى لو لم يشهد عنده (فى سواكن) شهود شهادة معتبرة برؤية الهلال، أو بحكم قاضى بلدة أخرى بثبوت الهلال بالطريق المعتبر شرعًا، وأكدت الرسالة أن قاضى سواكن لم يبت فى هذه المسألة، أو حسب صياغة الشيخ العباسى فى فتاواه: وذلك بناء على توقف قاضى تلك الجهة فى حكم تلك الحادثة.
بعد أن استعرض الشيخ العباسى آليات الرؤية وشرعيتها تطرق إلى شرعية ثبوت الرؤية بالتلغراف، فقال: «ما يستفاد بالتلغراف من الأخبار بثبوت الهلال لرمضان أو الفطر الظاهر، أنه ينزل منزلة خبر الواحد بإثبات هلال الصوم أو الفطر، ولا يكون موجبًا على القاضى الحاكم بذلك وإلزام الناس بموجبه، غاية الأمر أن من وقع فى قلبه صدق هذا الخبر يلزمه الصوم، فإذا ضربت المدافع بناء على هذا الخبر التلغرافى فحكم سماعه كحكمه، هذا ما ظهر لى والله تعالى أعلم». (الفتاوى المهدية فى الوقائع المصرية، الطبعة الأزهرية الحجرية سنة 1301ه، ج 1 ص 14، طبعة دار الكتب العلمية ج 1 ص 24).
أقدم فتاوى السلك
الراجح حتى اليوم أن أقدم فتوى صدرت فى مصر عن قبول خبر رؤية الهلال عبر التلغراف كانت للشيخ محمد عليش شيخ مشايخ المذهب المالكى فى مصر، وهو مغربى الأصل ولد فى القاهرة(1802 1882) وتعلم في الأزهر، وولي مشيخة المالكية فيه، ولما قامت ثورة عرابي باشا اتهم بموالاتها، فأخذ من داره محمولا وهو مريض، وألقي في سجن المستشفى وتوفى بها.
فى سنة إحدى وثمانين بعد المائتين والألف هجرية(1281ه 1864 م)، تلقى السؤال التالى: ما قولكم فى حادثة فى سنة إحدى وثمانين(1281ه 1864م) هى: أنه بعد صلاة الجمعة حضر خبر من الشام فى التلغراف لبعض الثغور: بأنه ثبت فى الشام رؤية هلال رمضان ليلة اليوم الحاضر يوم الجمعة، فأفتى مفتيه بالعمل بهذا الخبر، والحكم بثبوت الشهر فى ذلك الثغر، وحكم قاضيه بذلك تمسكا بقول بعض حواشى التنوير الظاهر أنه يلزم أهل القرى بسماع المدافع أو رؤية القناديل فى المصر، لأنها علامة ظاهرة تفيد غلبة الظن بثبوته عند قاضى المصر، وغلبة الظن حجة موجبة للعمل كما صرحوا به، واحتمال كون ذلك لغير رمضان بعيد إذ لا يفعل مثل ذلك عادة ليلة الشك إلا لثبوت رمضان..
ولما سمع بذلك بعض علماء القطر الشامى عارضوا ذلك غاية المعارضة، وردوا الفتوى المذكورة قائلين بعدم جواز الحكم بثبوت رمضان بناء على ذلك، مستندين بعبارة من الكتب المحررة، فهل يعول على الفتوى المذكورة أو على قول المعارضين، أفيدوا الجواب ولكم الثواب».
فأجاب الشيخ عليش (انظر فتاويه جمع: على بن نايف الشحود ص 155) بما نصه: الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله، يعول على الفتوى المذكورة لأن سلاطين المسلمين وضعوا التلغراف لتبليغ الأخبار من البلاد القريبة والبعيدة فى مدة يسيرة جدا، وأقاموا لأعماله أشخاصا مسلمين وأنفقوا على ذلك أموالا جسيمة، واستغنوا به عن السعاة وإرسال المكاتيب غالبا فصار قانونا معتبرا فى ذلك يخاطب به السلاطين بعضهم بعضا فى مهمات الأمور، وتبعهم الناس على ذلك، ويؤيد ذلك ما تقدم عن الشيخ أبى محمد والحطاب وغيرهما والله سبحانه وتعالى أعلم، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم».
نفس السؤال طرح عليه مرة أخرى(الفتاوى: ص 155) : ما قولكم فيمن انتظروا هلال رمضان فلم يروه وأصبحوا مفطرين، وقد بلغهم بالسلك(التلغراف) ثبوت رمضان فى مصر معتقدين أنه لا يلزمهم الصوم به، وإن الحكم به مبنى على قول المنجمين، فهل تجب عليهم الكفارة أم لا؟، أفيدوا الجواب.
فأجبت بما نصه: الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله، تجب عليهم الكفارة لبعد تأويلهم لاستنادهم فيه لجهلهم وسوء ظنهم، والله وسبحانه وتعالى أعلم بالصواب، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم
وقد نقل الشيخ محمد كامل الطرابلسى الحنفى مفتى طرابلس فتوى الشيخ عليش وعمل بها، لكنه أثار نقطة على قدر كبير من الأهمية، وهى ماذا لو كان ناقل الخبر من الكفار أو من غير المسلمين؟، الشيخ الطرابلسى(أنظر الفتاوى الكاملية)، عمل بفتوى الشيخ عليش ظنا بأن أشخاص مسلمين هم الذين نقلوا الخبر عبر التلغراف، وقال: عندما أفتى(عليش) بقبول خبر التلغراف ربما فهم من قول الشيخ عليش وأقاموا لأعماله أشخاصا مسلمين، انهم لو أقاموا على أعماله أشخاصا كفارا لا يقبل ولا يعمل به وهو الظاهر، كما لا يخفى فإن الكافر لا يعمل بقوله فى الديانات.
واضاف معلقا: هذا وجواب شيخنا رحمة الله عليه(الشيخ عليش) بوجوب الكفارة مبنى على مذهب المالكية، وأما على مذهبنا(الحنفية) فلا تجب عليه الكفارة، لأن الكفارة عندنا إنما تجب على من نوى الصوم فأصبح صائما ثم أفسد صومه والله أعلم.
وقد ناقش الشيخ محمد جمال الدين القاسمى الدمشقى فى كتابه (إرشاد الحق إلى العمل بخبر البرق) حيث يرى: أن خبر التلغراف يتلقاه من هو قائم بدق السلك ونقره، ويخبر به من كان فى الجانب الآخر بنقراته، فيستنبط منها هذا الخبر ويكتبه ويؤديه إلى من ضرب له التلغراف، وهؤلاء قد يكونون من المخالفين لملة الإسلام، مثل الهند وغيرها، والجواب: إن الخبر ما ينسب لمخبره ومرسله، فالمدار على اسم مرسله والمخبر به، فمتى كان عدلا مسلما قبل، والتلغراف الذى ارسل باسم عدل يقبل ولو بلغنا فحواه كافر، لن هذا الخبر لم ينسب إليه، ولا يمكن نسبته إليه، وإنما هو واسطة فى إيصاله ونقله، والواسطة لا فرق فى أن تكون عدلا أو غير عدل، فهو بمثابة حامل البريد وموصله لا دخل له فى الخبر ولا يعزى إليه ألبته، فلا يشترط فيه الإسلام قطعا.
الشيخ يوسف الدجوى
فى 7 يونيو 1916م تم بث أول رسالة تلغرافية ما بين البحرين وبوشهر على الساحل الفارسى والتى كانت مقر المقيمية السياسية البريطانية فى الخليج العربى. بعدها احتار القضاة الشرعيين، هل يجوز ثبوت هلال رمضان بالتلغراف؟، بعد أن غم عليهم الأمر، أرسلوا رسالة إلى الشيخ يوسف الدجوي( 1870 1948 م) أحد أعضاء هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، جاء فيها:
حضرة الأجل الفاضل العالم العلامة الشيخ يوسف الدجوى المحترم، حفظه الله تعالى علاه، ولطف به وتولاه، آمين..السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد..
نحب أخذ رأيكم فى مسألة العمل بالبرقيات التى ترد لنا عن ثبوت الأهلة بما تقتضيه القواعد الشرعية، لا سيما على مذهب الإمامين الجليلين: مالك والشافعى رضى الله عنهما، بما هو مشروح فى السؤال، وهو هذا:
ما قولكم دام فضلكم فيما إذا وردت برقية من الحجاز أو الشام مثلاً إلى البحرين برؤية هلال شهر رمضان أو شوال، مع ما هو معلوم من مباشر عمل البرقية غالباً، وتغاير حكومة المحلين المذكورين، فهل يعمل بالبرقية المذكورة فى مسألة الإمساك والإفطار أم لا؟، وإذا قلتم بالعمل بها فما وجهه؟، وإن قلتم بعدمه فما السبب فى ذلك؟، بينوا لنا ما يلزم فى ذلك بالتحقيق، ولكم من الله الأجر ومنا الشكر، والسلام عليكم ورحمة الله.. من محبيكم قضاة الشرع بالبحرين: عبد اللطيف بن محمود، وعبد اللطيف بن محمد».
الجواب:
قد نص فى مذهب مالك رضى الله عنه على أنه إذا ثبت شهر الصوم لدى حاكم وإن لم يحكم به، ونقل ذلك الثبوت إلى جهة أخرى بواسطة رجلين عدلين أو جماعة كثيرة يفيد خبرهم العلم بمضمونه أو الظن القريب منه، أو بواسطة رجل عدل، فإن الشهر يثبت فى حق أهل الجهة المنقول إليها، ويجب عليهم الصوم بناء على ذلك الخبر، فإن المسألة من باب الرواية التى يكفى فيها خبر العدل الواحد، وإن كان ثبوت الشهر عند مالك لابد فى فيه من عدلين رأيا الهلال أو جماعة مستفيضة.
ولا عبرة باختلاف المطالع عنده، فيجب الصوم سواء اختلف مطلع الهلال أو جماعة مستفيضة. ولا عبرة باختلاف المطالع عنده، فيجب الصوم سواء اختلف مطلع الهلال فى الجهتين المنقول منها وإليها أم اتحد، وسواء تقاربت الجهتان أم بعدتا، إلا إذا كان البعد بينهما شاسعاً جداً فلا يثبت الحكم بالنسبة لأهل إحدى الجهتين بثبوت الشهر فى الجهة الأخرى. ومثل ذلك البعد الشاسع بما بين خراسان بالمشرق والأندلس بالمغرب.
يبدو أن الفتاوى السابقة لم تصل بشكل جيد لجميع المواطنين، فقد تلقى الشيخ محمد رشيد رضا رسالة على مجلة المنار، جاء فيها:
«... ونسألكم فى الخبر المبلغ بواسطة البرق، هل يعتبر به عندنا فى الشرع كالصلاة على الغائب المبلغ خبره بواسطة البرق؟، وما يترتب على ذلك فى الأمور الشرعية كالهلال فى الصوم أو الإفطار؟، هل يجوز الأخذ بذلك؟، تفضلوا وضحوا لنا، ولكم من الله جزيل الأجر ودمتم....محمد بن هاشم بن طاهر».
أجاب عليه قائلا: هذه الأخبار التى تبلغ بالآلات الكهربائية التى يعبر عنها بما ذكر والتلغرافات هى قطعية الأداء، فكل من تثق بخبره إذا كلمك بلسانه، تثق بخبره الذى يبلغه بالبرق، لا يتردد فى هذا أحد فى العالم المستعمل فيه التلغراف، ومتى صدق الناس الخبر تبعه العمل بما يترتب عليه من الأحكام الشرعية، لاسيما إذا كان من جهة رسمية يطرد صدق برقياتها، وكيف تطيب نفس المسلم أن يفطر فى نهار بلغه فى ليله خبر برقى برؤية هلال رمضان، فصدقه تصديقًا تامًّا لا شبهة فيه ولا احتمال ( راجع السؤال فى 697 م7 ).
وقد تلقى سؤالا آخر من تونس حرره السيد محمد بن الخوجه رئيس قلم المحاسبة بالوزارة فى (تونس):
سيدى الأخ الكريم العلامة الجليل.. حدث عندنا تناقض بسبب هلال الفطر فى رمضان الماضى فإن بعض البلاد التونسية أفطروا يوم الخميس الموافق الرابع عشر من أكتوبر، وحيث تأخر ورود صك الرؤية على قاضى الحاضرة إلى ما بعد عصر الخميس، فإن الإعلان بالفطر لأهالى مدينة تونس لم يقع إلا مع غروب الشمس، بحيث إنهم صاموا يوم العيد كله لأن القواعد الشرعية التى عليها عمل فقهاء تونس لم تجوّز للمسلمين بهذه البلاد أن يعتمدوا ما يبلغهم من مشاهدة هلالى الصوم والفطر على طريق التلغراف أو التليفون، لأن التلغراف بيدِ غير المسلمين والتليفون يرد عليه (أن الصوت يشبه الصوت)، كما أن (الخط يشبه الخط) ومن أجل هذا طلبنا لعلمائنا أن يلتمسوا لنا من وجوه الفقه ما يساعد على العمل بالتلغراف، لا سيما وأن الريبة فى التبليغ تنتفى إذا جعلنا الإشعار بالرؤية فى أطراف المملكة لا تكون إلا بالطريقة الرسمية، أى بواسطة تلغراف يرد من الحكومة المحلية، أى الجهة التى شوهد فيها الهلال إلى مركز الحكومة بتونس، وأن يكون المخاطب بالتلغراف مأمورًا مسلمًا، كما أن المخاطب به من المسلمين.
وتلقى سؤالا آخر هذا نصه..
(صاحب الفضيلة مولانا الأكبر شيخ الجامع الأزهر حفظه الله).
أتشرف بأن أقدم لكم دام النفع بعلمكم فيما يسأل عنه أهل السودان المالكيون، وهو أنه قد جرت العادة عندهم فى هذه السنين أن يرسل إليهم بواسطة التلغراف من الديوان الخديوى باسم بعض رؤسائه، أنه قد ثبت شرعًا أن أول رمضان يوم كذا، وربما لم ير أحد منهم الهلال مع الصحو، فمنهم من يعتمد على التلغراف ويصبح صائمًا، ومنهم من يزعم أن الصوم منوط برؤية الهلال فيصبح مفطرًا، وإذا مضى بعد وصول الخبر إليهم ثلاثون يومًا، ربما لا يرى أحد منهم هلال شوال ليلة إحدى وثلاثين من الصحو، ولا يأتيهم فيها خبر بالتلغراف عما ثبت شرعًا بمصر،
وأما مسألة عدم رؤية هلال شوال مع الصحو ليلة إحدى وثلاثين مع عدم ورود خبر من مصر إليهم، فإنهم يصومون يوم الحادى والثلاثين احتياطًا، فإن كان غيم اكتفوا بكمال العدد، وإذا جاءهم خبر الإفطار أثناء النهار أفطروا، ولهم أن يقلدوا الحاكم فى مذهبه.. والله تعالى أعلى وأعلم، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم... الفقير إليه تعالى، شيخ الجامع الأزهر سليم البشرى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.