العودة لإفريقيا لا ينبغى أن تكون عودة لما قبل 30 يونيو، وإنما ينبغى أن تكون بداية جديدة لمصر الإفريقية نستلهم فيها سنوات النضال المشترك حين كانت القاهرة هى مقر قيادة ثوار إفريقيا فى الستينيات، وحين كانت تقتسم القليل الذى تملكه مع شعوب هذه الدول وهى تنهض بعد سنوات من الاستعمار تركها لتبدأ بناء نفسها من نقطة الصفر. العودة لإفريقيا ينبغى أن تتجاوز سنوات جاءت بعد ذلك، غاب فيها دور مصر فى ظل سياسة أهملت كل الدوائر الأساسية التى ينبغى أن تتحرَّك فيها مصر، لتنحصر العلاقة فى التبعية لواشنطن بعد التسليم بأن 99٪ من أوراق اللعبة فى يد أمريكا!! هذه السياسة التى انتهت بمصر وهى غائبة عن عالمها العربى، وتائهة فى أدغال إفريقيا، حتى أفاقت والنيل فى خطر، ولولا بقايا ذكريات من ستينيات القرن الماضى واعتراف بفضل مصر وقيادة عبد الناصر، لكان الأمر أسوأ من ذلك بكثير!! الرئيس السيسى وهو يشارك فى القمة الإفريقية شاهد بنفسه الترحيب الإفريقى بعودة مصر حتى وهى تعاتب -على لسان الرئيس- عتاب الأشقاء على الموقف الذى لم يدرك جوهر ثورة شعب مصر فى 30 يونيو إلا متأخّرًا. والبداية كانت موفّقة، خصوصًا مع اللقاء الودّى برئيس وزراء إثيوبيا والاتفاق على نقاط مبدئية لحل أزمة سد النهضة، ومع الإعلان عن إنشاء الوكالة المصرية للشراكة من أجل التنمية مع دول إفريقيا الشقيقة. ثم الزيارة المهمة للسودان الشقيق. هذه البداية تستلزم جهدًا شاقًّا من جانبنا، وتستلزم أن نستعيد تجربة الستينيات، لنستفيد من إيجابياتها الكثيرة ونحن نفتح هذه الصفحة الجديدة من العلاقات الإفريقية، وسط صراعات دولية وإقليمية ومصالح كبرى تستخدم كل أسلحتها لتعظيم نفوذها فى القارة السمراء، ووسط مؤامرات لن تتوقّف من قوى تسعى جاهدة للإساءة لعلاقات مصر مع أشقائها، خصوصًا فى دول حوض النيل. فى مثل هذه الظروف نحن بحاجة إلى خطط مدروسة للتحرُّك فى إفريقيا، وإلى سفراء لا يعتبرون الذهاب إلى إفريقيا عقوبة، بل رسالة وطنية، وإلى شركات تقدّم نموذجًا فى العمل الجاد الذى يخدم مصالح مصر ومصالح الدول الإفريقية كما كان الأمر مع شركة النصر للتصدير والاستيراد فى الماضى، وكما هو الأمر مع «المقاولون العرب» الآن. ومع الصفحة الجديدة فى العلاقات مع إفريقيا، نحتاج إلى تعميق التعاون فى كل المجالات، وأن لا نترك المصالح الخاصة تلحق الأضرار بمصالح الوطن كما حدث فى السنوات الأخيرة. ويكفى فقط أن نتذكَّر كيف تآمرت مافيا استيراد اللحوم مع الفاسدين فى الحكم، لوقف صفقات استيراد اللحوم من إثيوبيا والسودان، وكيف تركنا الصغار يتصرَّفون فى أخطر الملفات الإفريقية، لتكون النتيجة المأساوية التى وصلت إلى ذروتها مع حكم الإخوان الذى جمع بين الجهل والتخلُّف والفاشية. الآن.. نبدأ صفحة جديدة فى العلاقات مع إفريقيا تتطلَّب سياسات جديدة، ورجالًا ينفذونها وهم يؤمنون بأنهم يخوضون معركة من أجل أمن مصر وسلامتها. تفتح مصر ذراعيها لإفريقيا، ويحتفل الأشقاء والأفارقة بعودة مصر التى عرفوها وهى تشاركهم معارك الاستقلال، وينتظرونها وهى تشاركهم معارك التنمية ومعارك مواجهة الإرهاب الذى يضرب فى إفريقيا كما يضرب فى العالم العربى. إنها البداية التى تؤكّد أن 30 يونيو لم تسترد فقط الثورة لمصر، بل أعادت للعرب مصر التى افتقدوها وأعادت لإفريقيا الشقيق الأكبر فى معارك الاستقلال والشريك الأساسى فى معارك التنمية والتقدُّم والمصالح المشتركة.