عودة مصر إلى مكانها فى الاتحاد الإفريقى ليست مجرد تصحيح لخطأ وقع، وإنما هى رد اعتبار لثورة شعب كانت لصالح الأشقاء فى القارة الإفريقية السمراء جميعًا، قبل أن تكون لصالح شعب مصر. فقد أنقذت الجميع من حكم فتح أبواب مصر للإرهاب، وكاد يحوِّل سيناء العزيزة إلى «قندهار» جديدة!! وحسنًا فعل الأشقاء الأفارقة حين قدموا موعد الاجتماع لإعادة مصر إلى مكانها الطبيعى، حتى يتمكن الرئيس السيسى من حضور القمة الإفريقية فى غينيا الاستوائية، الذى لا شك فى أنه سيكون حضورًا مميزًا واستثنائيًّا، لأنه يحمل رؤية مصر بعد أن استردت نفسها فى 30 يونيو، وفتحت قلبها وذراعيها للأشقاء فى القارة السمراء، وجددت ثقتها بأن أى خلافات (حتى ولو كانت فى خطورة ملف مياه النيل) ستحل بالتفاهم والحوار ولمصلحة كل الأطراف. شخصيًّا كنت أفضل أن يشمل التعديل الوزارى الأخير تعيين وزير مختص بالشؤون الإفريقية، وإذا كان هذا لم يحدث فلعلى أعود إلى اقتراح قديم سبق أن قدمناه بإنشاء لجنة عليا للشؤون الإفريقية تابعة لرئاسة الجمهورية تتولى هذا الملف الهام والحيوى، وتقوم بالتنسيق بين مختلف مؤسسات الدولة لتنفيذ سياسة مصر نحو أشقائها الأفارقة. إن علاقتنا بإفريقيا لن تظل إلى الأبد لا تسندها إلا تلك الفترة الرائعة التى تبنت فيها ثورة يوليو مساندة حركات التحرر الإفريقية، وتحملت فى سبيل ذلك ما تحملت، لكنها قدمت صورة رائعة فى الوفاء لمبادئها، وفى الانتماء لهذه القارة التى عانت طويلاً، ثم اتخذت من مصر مثالاً بعد انتصارها فى حرب 56، ولم تقصر مصر أبدًا فى أداء واجبها حتى انتصرت حركة التحرر ونالت دول إفريقيا استقلالها، لتبدأ معركة أخرى صعبة ومريرة لبناء دولها من حالة الصفر التى تركها عليها استعمار ظالم نهب الثروة وترك وراءه الفقر والتخلف. الأشقاء فى إفريقيا ما زالوا يحفظون لمصر دورها فى تلك السنوات الصعبة. وما زال اسم عبد الناصر فى الذاكرة الإفريقية يلقى كل الاحترام والتقدير. وما زالت ثورة يوليو التى ألهمت شعوب إفريقيا محل إعزاز لما قدمته لشعوب القارة السمراء رغم إمكانياتها المادية المحدودة. لكننا الآن بحاجة إلى سياسات جديدة تلائم الحاضر وتتوافق مع المستقبل. إن التحدى الآن أمام شعوب إفريقيا هو التنمية كما هو الحال عندنا. وأظن أن علينا الآن أن نمتلك تصورات للتعاون المشترك فى هذا المجال مع دول حوض النيل أولا، ثم مع باقى دول القارة السمراء. والمجالات مفتوحة وآفاق التعاون -لو أحسنَّا العمل- تبدو بلا حدود. فى حديثه عن العلاقات مع إثيوبيا، ذكر الرئيس السيسى أن مصر يهمها أن يتحقق كل ما يفيد تنمية إثيوبيا، وأن ذلك يمكن أن يتم دون أن يلحق الأذى بمصر وبشريان حياتها، وهو مياه النيل. وأظن أن حل هذه المشكلة لن يكون مستعصيًا إذا خلصت النيات، وإذا أدركت كل الأطراف أن التعاون بينها ليس رفاهية، بل هو مفتاح التقدم للجميع. عودتنا إلى إفريقيا يجب أن تقترن بها سياسات جديدة ورؤية جيدة لمستقبل واعد، خصوصًا إذا دخلت السعودية ودول الخليج كطرف مساند لكى ننفذ سياسة مشتركة فى التعاون العربى الإفريقى تعود بالخير على الجميع. ويبقى أن نستعين هنا بالخبراء الحقيقيين فى هذا المجال وليس بموظفين لا يقدرون خطورة المهمة الوطنية التى يقومون بها. ويبقى أيضًا أن نحذر من محاولات التخريب. سواء من أطراف خارجية ترى مصلحتها فى حصار مصر وضرب أى تقارب عربى إفريقى، أو من أصحاب المصالح الذين سبق أن دمروا عدة محاولات للتعاون المشترك مع الدول الإفريقية، واسألوا الدكتورة فايزة أبو النجا عن الجرائم التى ارتكبها هؤلاء فى حق الوطن، والاتفاقات التجارية الجيدة التى تآمروا عليها، لأنها ضد مصالحهم التى كانت -للأسف الشديد- أقوى من مصالح الدولة فى ذلك الوقت!! العلاقات مع الأشقاء فى إفريقيا تحتاج منا إلى ثورة تنسف آثار 40 عامًا من التراجع والجمود والحكم البليد، الذى أوصلنا إلى كارثة حقيقية لولا ثورة 30 يونيو التى ينبغى أن يدرك أشقاؤنا الأفارقة جيدًا أنها بقدر ما أعادت مصر إلى نفسها، فإنها أنقذت إفريقيا من خطر أن تتحول مصر من رائدة للتحرر الإفريقى إلى بؤرة للإرهاب والتطرف. إفريقيا تفتح الآن ذراعيها لمصر، فلتكن مصر التى أحبوها وهى تصنع معهم فجر الحرية، وتسعى معهم لتعويض سنوات القهر الاستعمارى، وتفتح معهم صفحات من التعاون المثمر لخير الشعوب.