ظهر مبارك وهو يدخل جلسة المحاكمة يوم الإثنين الثانى من يناير 2012م «صورة غلاف جريدة التحرير 3/1/2012» وهو يرتدى نظارة شمس رئاسية سوداء فخمة، يظهر من تحتها منخاره الكبير متعاليا، وشفتاه فى حالة امتلاء وشبع، بينما أصابع يديه منتصبة لأعلى مع تلامس أطرافها، وأحيانا تشابكها، وهذه العلامات فى مجملها تفيد السيطرة والتحكم والثقة والقدرة والتعالى والطمأنينة والصحة الجيدة «جسديا ونفسيا». وكأنها هى هى نفس النظارة الشمسية السوداء الفخمة التى ظهر بها الضابط الشناوى قناص العيون، وهو يخرج من تحقيقات النيابة، إذ كان واقفا مشبكا يديه أمام صدره فى ثقة واستعلاء وضاما شفتيه، ومظهرا جزءا من لسانه، ويرتدى تيشرت أبيض أنيقh، مشمرا ذراعيه وينظر بعنجهية وتحد لوسائل الإعلام. وهى هى نفس النظارة الشمسية السوداء الفخمة «الماركة» التى يظهر بها باشاوات الداخلية كثيرا، حتى لتكاد تكون من لوازمهم، تلك النظارة السيادية التى تجعلهم لا يرون الناس إلا أشباحا فيزدرونهم أو يسحقونهم أو لا يرونهم حين تكون النظارة سوداء أكثر من اللازم. والنظارة السوداء من هذا النوع تكون محدبة، فتعكس كما كبيرا من الأشعة الواقعة عليها، فلا تصل إلى عين الباشا، ومن يقف أمامها يرى صورته فيها مصغرة، ويرى نفسه أمام شخصية غامضة ومسيطرة، فينهزم وينسحق أمام غموض الشخصية وصرامتها وأمام سحر النظارة وفخامتها. وحين ظهر قناص العيون بهذه النظارة وهذه الهيئة، توقعنا أنه يشعر بطمأنينة تجاه التحقيقات ويعرف ويتأكد أن ظهره مسنود بقوة كبيرة، ولا يبالى بما يقال عنه حقا أو باطلا، وقد تمت محاولات لإعفائه من المثول أمام النيابة أصلا بادعاء أنه كان فى إجازة يوم الأحداث، وأنه لم يكن يحمل سلاحا أصلا «مع أن الفيديو موجود على اليوتيوب يفضح كل ذلك»، ولكن حين ازداد الضغط الشعبى وبدا الأمر فجا، تمت إحالته إلى التحقيق، ولكن يبدو أنه تلقى تطمينات زائدة جعلته يظهر على هذا النحو، وكأنه لم يكن فى تحقيق حول جريمة قنص عيون وأرواح، بل جنحة بسيطة لا تتوافر حولها الأدلة، وهناك ما يكفى من وسائل الدعم والمساندة تحميه من أى قدر بسيط من القلق، بل وتجعله يظهر مدللا متغطرسا وينظر من أعلى من تحت نظارته الفخمة السوداء. وهذه المشاهد لمبارك ولقناص العيون تعكس سير الأحداث بحق وحقيق، وقد ظهرت بوادر ذلك حين صدر الحكم على قتلة المتظاهرين أمام قسم السيدة زينب بالبراءة، إذ يبدو أن الأدلة التى تقدم فى مثل هذه القضايا يتم تفصيلها بحيث تكون متهافتة وتفتقر إلى أى دليل إدانة حقيقى، ويقوم على هذا محترفون فى صياغة المحاضر وتحريف الأقوال وإضعاف الحجج، بحيث يجد القاضى نفسه أمام قضية غير مكتملة الأركان للإدانة، فيحكم بالبراءة طبقا للأوراق المتاحة أمامه وطبقا لشهادات الشهود الذين يتم الضغط عليهم خارج قاعات المحكمة لتغيير أقوالهم «بسبب عدم تطهير الداخلية من أعوان مبارك والعادلى». ويبدو أن هذا هو السيناريو الذى ربما يتكرر فى محاكمة مبارك، فيكون الحكم بسيطا طبقا لما هو متاح من أدلة أو ما هو مقدم إلى المحكمة من عناصر الإدانة «مخالفات مالية واتهامات مرسلة بقتل المتظاهرين، ينجح أى محام مبتدئ فى تفنيدها والتهرب منها» مع سيديهات تمت معالجتها وحذف الكثير منها، أو إخفائه فى أضابير وزارة الداخلية. ومبارك وعصابته لا يطمئنون ولا يلبسون النظارات الشمسية فقط، بناء على توقعات البراءة أو الأحكام المخففة، بل هم يفعلون ذلك بناء على واقع يعيشونه، فمبارك المتهم بقتل المتظاهرين وسرقة أموال المصريين يعيش فى منتجع صحى رئاسى وينتقل إلى قاعة المحكمة بطائرة هليوكوبتر فخمة ويخالف التعليمات بملابسه الأنيقة الملونة ولا توضع الكلابشات فى يديه أو يد أحد من عصابة حكمه المتهمين، وتؤدى لهم التحية العسكرية، بينما الثوار المقبوض عليهم يعتقلون ويقدمون إلى محاكم عسكرية، طبقا لقانون الطوارئ، ويعيشون فى زنازين مظلمة، وتسحل الفتيات من الثوار فى الشارع، ويعرى جسدها وتضرب بقسوة فى صدرها العارى ببيادة الجنود، حتى تفقد الوعى، وحين تنقل إلى المستشفى للعلاج، وهى بين الحياة والموت، تكبل بالكلابشات فى السرير وتهان فى المعاملة وعلى شاشات التليفزيون، فأين العدل هنا؟ ولذلك حق لمبارك ولقناص العيون أن يظهرا بنظاراتهما الشمسية السوداء الفخمة، وحق لأبناء مبارك أن يخرجوا فى ميادين «مصطفى محمود وروكسى والعباسية»، يطالبون بعودته ويعتذرون له عما أصابه من أذى، وحق للثوار أن يبكوا على ثورة عظيمة يتم اختطافها وإجهاضها وإهانتها وإهانة رموزها وبهدلة أهالى شهدائها وضياع حقوق الشهداء فى القصاص ممن قتلوهم.