مناورات الناتو فى بحر البلطيق تثير قلق موسكو الاتحاد الأوروبى يجمد مباحثات «السيل الجنوبى» لحين اعتراف روسيا بالحكومة الأوكرانية فى تحذير جديد لحلف شمال الأطلسى، أعلن النائب الأول لوزير الخارجية الروسى فلاديمير تيتوف أن روسيا ترى فى تعزيز الوجود العسكرى للناتو بالقرب من حدودها إظهارا لنوايا عدائية. وقال تيتوف إن نشر قوات إضافية للحلف فى وسط أوروبا وشرقها يعتبر من وجهة النظر الروسية انتهاكًا سافرًا لبنود الوثيقة الأساسية حول العلاقات المتبادلة بين روسيا والناتو المؤرخة فى عام 1997، محذرًا من أن موسكو لا يمكن أن تتغاضى عن عسكرة الدول المحيطة بها، وستضطر لاتخاذ جميع الخطوات السياسية والفنية والعسكرية اللازمة لضمان أمنها. وفيما يتعلق بالأزمة الأوكرانية وحجج الحلف بأنها تتعلق بأمن الدول الأعضاء فيه، قال تيتوف إن الوضع حول أوكرانيا أظهر مدى أزمة نظام الأمن فى المنطقة الأوروبية – الأطلسية، وأوضح بأنه على غرار تصرفات الحلف فى أثناء أحداث أغسطس 2008 بجنوب القوقاز يقوم الناتو بإحداث مشكلات إضافية بدلاً من المساعدة فى حلها، وأن تعزيز مهمة الحلف فى متابعة الأوضاع فى دول البلطيق وتكثيف وجوده العسكرى فى دول وسط أوروبا وشرقها، وفى مياه بحر البلطيق والبحر الأسود، وتنشيط التدريبات العسكرية قرب الحدود الروسية، واستخدام طائرات نظام المراقبة والتحكم والإنذار المبكر (أواكس) بطول الحدود الأوكرانية.. ليس كل ذلك سوى عناصر إضافية من التوتر فى وضع شديد التعقيد، كما أشار تيتوف إلى أن محاولات البحث عن دور جديد لحلف شمال الأطلسى فى «ردع الخطر الآتى من الشرق» من شأنها أن تلغى ثمار سنوات طويلة من الجهود المبذولة لتعزيز الثقة فى المجال العسكرى وتؤدى إلى تصعيد التوتر وسباق التسلح، الأمر الذى يحمل فى طياته خسائر جدية لجميع الدول الأوروبية - الأطلسية. هذا وأعلنت بعثة روسيا لدى حلف شمال الأطلسى فى بروكسل أن عقد اجتماع لمجلس «روسيا – الناتو» على هامش لقاء وزراء خارجية دول الحلف غير مخطط له. ومن المتوقع أن يكون الوضع فى أوكرانيا أحد أبرز الموضوعات المطروحة أمام المشاركين فى اللقاء المزمع إجراؤه فى بروكسل يومى 24 و25 من يونيو الحالى. يذكر أن الحلف أعلن فى اللقاء الوزارى الأخير (1و2 أبريل الماضى) عن تعليق تعاونه العسكرى والمدنى مع روسيا بسبب الأزمة فى أوكرانيا، مع ذلك قرر الحلف مواصلة إجراء جلسات المجلس على مستوى السفراء للحفاظ على إمكانية اجراء حوار سياسى مع موسكو. وفى سياق متصل، انطلقت فى دول البلطيق (إستونيا ولاتفيا وليتوانيا) مناورات باسم «ضربة السيف» العسكرية الدولية التى تشارك فيها القوات البرية والجوية لكل من لاتفيا وليتوانيا وإستونيا وكندا والدنمارك وفنلندا والنرويج وبريطانيا والولايات المتحدة، الأعضاء فى حلف الناتو، ويبلغ عدد الأفراد والمعدات العسكرية المشاركة فيها 4 آلاف و700 عسكرى، وما يزيد على 800 قطعة من الآليات الحربية. وقال ناطق باسم وزارة الدفاع اللاتفية إن تلك المناورات هى أكبر تدريبات عسكرية للبلاد منذ انضمام لاتفيا إلى حلف شمال الاطلسى. وحضر مراسم إطلاق المناورات وزير الدفاع اللاتفى رايموندس جراوبه وضباط ممثلون عن الدول التسع المشاركة فى المناورات. وشهدت قاعدة «آداجى» اللاتفية مراسم إطلاق مناورات تحليق قاذفة «بى – 52» الاستراتيجية الأمريكية. واعتبر سيرجى إيفانوف رئيس ديوان الرئاسة الروسية أن اقتراب البنى التحتية للناتو من حدود روسيا يؤدى إلى زعزعة الوضع ولا يمت بصلة إلى قضايا الأمن الحقيقية فى أوروبا، وقال إيفانوف إن التصريحات حول ضرورة تعزيز الحدود الشرقية للدول الأعضاء فى الحلف تحمل طابعًا سياسيًّا بحتًا، ولا تملك أى معنًى عسكرى على الإطلاق. مؤكدًا أن مثل هذه التصريحات ستخلق قريبًا مشكلات فى العلاقات بين روسيا الاتحادية والحلف التى كانت جيدة فى السنوات الأخيرة، وأشار إيفانوف إلى أن قضايا الأمن التى تهم روسيا ودول الناتو تقع خارج حدود القارة الأوروبية ولا ترتبط بالأمن الأوروبى. وفى تصريحات متفائلة رغم التحذيرات والمخاوف، أفادت وزارة الخارجية الروسية بأن تسوية الأزمة السياسية الحادة فى أوكرانيا ستتصدر اللقاء الرابع غير الرسمى لوزراء الخارجية الروسى سيرجى لافروف، والألمانى فرانك - فالتر شتاينماير، والبولندى رادوسلاف سيكورسكى، الذى سيعقد فى سانت بطرسبورج الثلاثاء 10 يونيو الجارى، وسيبحث الوزراء الثلاثة تنفيذ الاتفاقيات التى تم التوصل إليها خلال لقاءات ثلاثية سابقة، وآفاق التعاون بين الدول الثلاث فى منتديات دولية مختلفة من أجل بلورة أجواء سياسية إيجابية عامة فى المنطقة الأوروبية الأطلسية، وعلاقات روسيا مع كل من الاتحاد الأوروبى وحلف الناتو. وبرغم كل تلك التصريحات المتفائلة، أعلن الاتحاد الأوروبى تجميد محادثات خط الغاز المسمى بالسيل الجنوبى حتى اعتراف روسيا بالسلطة الجديدة فى كييف، وهو ما وصفه وزير الخارجية الروسى سيرجى لافروف بغير البناء. وتساءل لافروف: «ليس من الواضح ماذا يريدون منا؟ إننا نعمل كل ما بوسعنا لتهدئة الوضع فى أوكرانيا، لكنا لم نلاحظ جهودًا مماثلة من الطرف الآخر»، واعترف لافروف بأن سياسة الاتحاد الأوروبى تجاه روسيا كانت دومًا غير بناءة حتى قبل الأزمة الأوكرانية بوقت طويل. موضحًا أنه خلال سنوات طويلة كان الشركاء الأوروبيون فى بروكسل يرفضون إتمام العمل على الاتفاقية الاساسية الجديدة بين روسيا والاتحاد الأوروبى، مطالبين موسكو بالموافقة على المزيد من التنازلات الأحادية، إضافة إلى ما تم الاتفاق عليه خلال المحادثات مع الاتحاد الأوروبى لدى انضمام روسيا إلى منظمة التجارة العالمية. من جهة أخرى فيما يتعلق بعلاقة أوكرانيا مع حلف الناتو، أكد لافروف أن أوكرانيا حرة فى اتخاذ القرار بالمشاركة فى أية من المنظمات الدولية، لكن دون خرق سائر تعهداتها الدولية، وقال إنه إذا قررت كييف الانضمام إلى أية منظمة اقتصادية وتجارية، عليها أن تعى كيف سينعكس ذلك على تعهداتها فى إطار اتفاقية رابطة الدول المستقلة التى لا تزال سارية المفعول. وفيما يتعلق باحتمال انضمامها لحلف الناتو، أشار إلى ضرورة احترام كييف التزاماتها فى إطار منظمة الأمن والتعاون فى أوروبا والتى تقضى بأن حماية المصالح الأمنية لدولة ما على حساب غيرها من الدول أمر مرفوض، ومشددًا على أن كل هذه العوامل تشير إلى أن المحاولات المتعمدة لتوسيع الناتو شرقًا باتجاه الحدود الروسية أمر غير بناء يتعارض مع تعهدات الدول الأعضاء فى حلف الناتو.