الوقيعة». أحد المصطلحات المستجدة، التى صاحبت ظهور مصطلحات أخرى شبيهة مثل «بلطجية»، «عجلة الإنتاج»، «الدرع الحامية»، «الخط الأحمر»... والله الموفق. ولو انتظرنا قليلا فإننا سنجد أن الشارع المصرى يعيد تداول جمل مثل «نهارك سعيد»، «ما يمكنش أبدا»، «ماتكلمنيش بالطريقة البطالة دى يا إكسلانص»، «الأتوموبيل خسران»، «أوضة المسافرين » ... تقول بيانات المجلس العسكرى إن قوى مندسة تحاول إحداث الوقيعة بين الجيش والشعب، ثم بين الشرطة والشعب، وأنا كمواطنة أحب الجيش المصرى من أعماق قلبى، وأحتفل بنصر أكتوبر بالاستماع إلى أغنيات النصر والبكاء، وأقف احتراما للنشيد الوطنى حتى وأنا وحدى فى غرفة نومى، واعتدت أن أؤدى التحية العسكرية -حتى من قبل الثورة- لكل ضابط أو عسكرى جيش مصرى أقابله فى الشارع مصادفة، وهتفت مع الملايين «الجيش والشعب إيد واحدة»، لا أعلم بالضبط ما الذى يمكن أن تقوم به هذه «القوى» للوقيعة بينى وبين القوات المسلحة؟ يعنى مثلا، أنا لم يصلنى على لسان هذه القوى أن القوات المسلحة تقول عنى فى غيابى إننى ثقيلة الظل، أو إننى رخمة، ولا أظن أن هذه القوى أخذت هاتفى المحمول وأرسلت إلى القوات المسلحة رسالة نصها «كل اللى بيننا انتهى». ومع ذلك فأنا غاضبة أشد الغضب: غاضبة من ضرب الشباب المصرى المتظاهر أمام سفارة الكيان الصهيونى، وغاضبة من كشف العذرية، وغاضبة من تقديم المدنيين لمحاكمات عسكرية، وغاضبة من عدم محاكمة السفاح مبارك وأعوانه أو حتى نقله إلى مستشفى طرة، وغاضبة من إعادة إنتاج النظام الذى أسقطه الشعب وعلى رأسه عودة الداخلية بالعقلية القديمة، وعدم استقلال القضاء، وغاضبة من الوقيعة... نعم، الوقيعة بين القوى الوطنية، وبين الشعب والشعب. ترى، من الذى قام بكل ذلك وتسبب فى الوقيعة بينى وبين القوات المسلحة؟ أكثر ما آلمنى هو الوقيعة. الوقيعة بين القوى الوطنية التى اتحدت على مدى 18 يوما فأنجزت معجزة تباهت بها الإنسانية، وما إن تسلمت القوات المسلحة مقاليد الأمور ووعدتنا بأن تحقق مطالب الثورة حتى فوجئنا بعراك يصل إلى حد تبادل التهديدات، والتكفير، والتخوين، بل والتوعد بإخلاء الميدان من المعتصمين لأنهم «ماركسيون، وكفار، وملاحدة، وخونة»! والإصرار على التحرش بأهالى الشهداء لفرد العضلات والحشد ل«مليونية حقيقية» كما ورد فى بيان مطلقى دعوة 29 يوليو. فمن الذى أوصل الأمور إلى هذا الحد وأحدث الوقيعة؟ فما عادت القوى الوطنية تتحدث إلا بصفة: إسلامى-علمانى.. ليبرالى-إخوانى.. يسارى-سلفى.. ونسى الجميع صفة: مصرى! طيب.. من الذى استعان بمدنيين وصفوا بأنهم سكان وأهال لضرب مواطنين عزل فى أثناء تظاهرة سلمية؟ ألا تمتلك «الجهات السيادية» الشجاعة الكافية لمواجهة العزل فاستعانت عليهم بمواطنين مسلحين بسلاح بدائى؟ أم أن «الجهات السيادية» تخشى المواجهة لأن ذلك سيؤدى إلى تضامن فئات الشعب؟ ولماذا لا يرد المجلس العسكرى تضامن فئات الشعب؟ وما زاد الطين بلة أن يشكر المجلس العسكرى «المواطنين الشرفاء» لتصديهم للمتظاهرين! هل استراتيجية تأليب المواطنين بعضهم على بعض، واتخاذهم دروعا بشرية، أصبحت عامة فى البلاد؟ وما الخطة القادمة؟ حرب أهلية مثلا؟ آآآآه، اللهم اكفنا شر السلطة. لذيذ طعم السلطة.. لذيذ إلى درجة قد تدفع من قاتل يوما من أجل البلاد إلى المخاطرة لإشعال حرب أهلية بين أبناء الوطن الواحد، فقط لتظل حلاوة طعم السلطة فى فمه. كان هتافنا ونحن عائدون من العباسية «الجيش يحمى.. ما يحكمشى » . حفاظا على محبتى للقوات المسلحة، وحفاظا على تاريخها الوطنى المشرف: الجيش يحمى.. ما يحكمشى.