ردود أفعال متباينة صاحبت نشر «التحرير» مقترح تقسيم الدوائر الانتخابية لمجلس النواب القادم، الذى تعكف على إعداده لجنة تعديل قانونى مباشرة الحقوق السياسية ومجلس النواب برئاسة المستشار محمد أمين المهدى وزير العدالة الانتقالية، واللافت إلى النظر أن ردود الأفعال المتباينة بين المؤيدين والمعارضين للنظام الفردى، لم تختلف كثيرًا عن الآراء التى تم تداولها داخل لجنة الخمسين خلال مناقشتنا للنظام الانتخابى. كانت قضية «النظام الانتخابى» من القضايا الشائكة داخل لجنة الخمسين، التى تأجل حسمها حتى الجلسات الأخيرة، بل حتى الجلسة الختامية لأعمال لجنة الخمسين. والسبب فى ذلك هو تباين الآراء حول النظام الانتخابى الأمثل، بين النظام الفردى، ونظام القائمة، والنظام المختلط الذى يجمع بينهما. وكانت المرة الأولى التى فتح خلالها نقاش حول النظام الانتخابى داخل لجنة نظام الحكم، من خلال ما يشبه المناظرة بين الدكتور عمرو الشوبكى ودكتور محمد أبو الغار، وكان الشوبكى أميل إلى النظام الفردى «المُطعم»، حسب تعبيره «بقائمة نسبية على مستوى المحافظات» (بنسبة 2/3 للنظام الفردى، و1/3 لنظام القائمة)، وكانت مبررات الشوبكى فى ذلك، الاستفادة من مزايا «نظام القائمة» دون أن يؤثر ذلك على اتساع الدوائر الفردية، مثلما حدث فى الانتخابات الماضية ورفض الشوبكى النظام الفردى بالكامل، لاعتقاده أن وجود نائب لكل 150 ألف مواطن فى دوائر انتخابية صغيرة، سيبقى على مفهوم «نائب الخدمات»، بينما جود قائمة نسبية تصل إلى 1/3 مقاعد البرلمان، بجانب 2/3 الفردى، تمثل حالة أفضل للاستفادة من مزايا النظامين معا. أما الدكتور أبو الغار فدافع عن نظام القائمة النسبية، بمنطق أن النظام الفردى يقلل من فرص الأحزاب السياسية فى الفوز بمقاعد فى الانتخابات البرلمانية، وهو ما يعنى فى المنظور القريب ضعف الأحزاب. بعد هذا النقاش، عقدت جلسات ومناقشات عديدة، استخلصت منها الآتى: أولا: كانت هناك مغالطات حول النظام الفردى أهمها ربطه بالشكل العام للانتخابات البرلمانية، التى كانت تجرى أيام مبارك، وما كان يتخللها من مخالفات وتجاوزات وانتهاكات وتزوير وشراء الأصوات بالأموال والخدمات على مرأى ومسمع الجميع. كأن النظام الفردى يعنى انتخابات برلمانية على طريقة نظام مبارك. بينما نظام القائمة يعنى إجراءها على الطريقة الأوروبية. والحقيقة أن الأزمة لم تكن مرتبطة بطبيعة النظام الانتخابى، بقدر ارتباطها بعوامل كثيرة سياسية وثقافية واجتماعية، أهمها أنه لم تكن هناك انتخابات بالأساس. ولو كانت الانتخابات بنظام القائمة النسبية حدثت فى عهد مبارك لخرجت بنفس السوء وبنفس القدر من التجاوزات والتزوير. ثانيا: كان بعض أعضاء لجنة الخمسين يرى الدفع فى اتجاه النظام الفردى، هو اتجاه من جانب ما يسمى «بالدولة العميقة» وأجهزتها الأمنية. وهو أمر مخالف للحقيقة كما سنوضح فى السطور القادمة. كان أغلب المداخلات المؤيدة للنظام الفردى تدور حول تلك المحاور: أولا: يسر النظام الانتخابى وكونه مبسطا وغير معقد، من الأسباب التى تدفع بالمواطنين إلى المشاركة فى الانتخابات، والعكس كلما تعقدت عملية الانتخاب. ثانيا: سيضمن النظام الفردى مع إلغاء نسبة العمال والفلاحين، تقسيما عادلا للدوائر الانتخابية، بما يتيح الفرصة لتمثيل الكيانات الإدارية والتجمعات السكنية ذات الأعداد القليلة من الناخبين، من خلال تخصيص دوائر انتخابية تدعم شعور أبنائها بالانتماء إلى الوطن ودمجهم فى نسيجه، وتحفيزهم على المساهمة فى الحياة العامة. ثالثا: صغر حجم الدوائر الانتخابية يدعم جسور التواصل والتعاون بين النواب والناخبين من خلال المعرفة والدراية المتبادلة بينهما. حيث لمس الناخبون فى الانتخابات الماضية عدم وضوح السيرة الذاتية والسياسية والاجتماعية للمرشحين. رابعا: غير صحيح أن النظام الفردى تم الدفع به من جانب الدولة، فنتيجة اختلاف الرؤى والآراء حول النظام الانتخابى داخل لجنة الخمسين، طُرحت فكرة ترك الأمر لرئيس الجمهورية، مع ذلك أخبرنى المستشار على عوض برفض رئيس الجمهورية مقترح لجنة الخمسين بأن يحال الأمر إليه. وانتهت لجنة الخمسين باختيار نظام انتخابى قائم على 2/3 للفردى و1/3 لنظام القائمة النسبية، وهو ما رفض فى التصويت النهائى واستقر الأعضاء على ترك الأمر إلى رئيس الجمهورية بالرغم من رفض مؤسسة الرئاسة.