«التحرير» تنفرد بنشر الصور الأولى لكريم عبد العزيز وخالد الصاوي في الفيلم منذ أصدر أحمد مراد روايته الأولى «فيرتيجو» عام 2007، وهو يمثِّل حالة خاصة وفريدة في عالم الكتابة الروائية، إذ سرعان ما تصدَّرت روايته قوائم الكتب الأكثر مبيعا وانتشارا، وحَظِى بجماهيرية كبيرة وشهرة عريضة ربما لم يحظَ بهما أي من كُتّاب جيله ولا الأجيال الأخرى، وظلّ مراد محافظا على نجاحه الكبير فئ عملَيْه التاليين «تراب الماس» 2010، و«الفيل الأزرق» 2012 وهى الرواية التي وصلت إلى القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية (بوكر) 2014. «الفيل الأزرق»، وفى تجربة أُولى جديدة لمراد، تحوَّلت إلى فيلم سينمائي سيُعرض بعد أشهر قليلة في دور العرض المصرية والعربية، في هذا الحوار الذي خصَّ به الكاتب والروائي الشاب أحمد مراد «التحرير»، يكشف بعضا من كواليس وأسرار العمل الجديد. ■ بدايةً.. كيف طرحت فكرة تحويل «الفيل الأزرق» إلى فيلم سينمائى؟ هل كانت بمبادرة منك أم مِن أحد صنَّاع الفيلم؟ - الفكرة جاءت بمبادرة من الصديق العزيز المخرج المعروف مروان حامد الذى كنت قد أرسلت له نص «الفيل الأزرق» قبل نشرها كرواية، لأعرف رأيه فيها، وأستمع إلى ملاحظاته على العمل بصفته صديقا وقارئا، وفُوجئت بعد أن انتهى من القراءة يُخبرنى برغبته وحماسته لتحويل الرواية إلى فيلم! اندهشت واستغربت طلبه لمَعرفتى بإمكانات السينما الإنتاجية والبصرية، وإذا به يُفاجئنى برؤيته التى شجَّعتنى على المضى فى التجربة، وكان شرطه الأساسى أن أقوم بكتابة السيناريو، وبالفعل أخذنا فى الاستعداد للعمل، وتم التحضير له فى 3 أشهر تقريبا، لنبدأ تصوير أوَّل مَشاهد الفيلم فى 15 مارس 2013. ■ حَظِيت أعمالك الروائية بنجاح وجماهيرية كبيرة، وتحتلّ دائما قوائم الكتب الأكثر مبيعا وانتشارا.. هل ترى أن هذا يصبّ فى صالح تحويل إحداها إلى عمل سينمائى أم ربما يأتى بأثر عكسى؟ - هى «سلاح ذو حدين».. السينما فى اقتباسها من الأدب كانت تعدّ تركيبة ناجحة فى فترة الخمسينيات والستينيات، كما أثرت كثيرا عالم الروايات، ووصلت إلى المتلقى الذى لا يقرأ، وربما جذبته للقراءة الأعمال التى تجسَّدت سينمائيا بنسبة كبيرة، فهى التى رسخت فى وجدان المتلقين وحفرت مكانها المميّز بداخلهم، أذكر على سبيل المثال «اللص والكلاب» للعظيم نجيب محفوظ و«الكيت كات» المأخوذة عن رائعة المرحوم إبراهيم أصلان «مالك الحزين»، لكن إن تم تنفيذ هذه الأعمال باستخفاف وعدم تحضير كافٍ فإنه يضرّ بالعمل ويقتله تاريخيا، وهناك أمثلة كثيرة لا داعى لذكرها. ■ أعلم أنك كنت متابعا لحظة بلحظة لكل مراحل إنتاج الفيلم، ما أكثر ما لفت انتباهك أو استوقفك خلال رحلة التصوير؟ وما المشهد الذى لا يُمكن أن تنساه بسهولة من حيث الأداء أو التجسيد؟ - استوقفنى كمّ الإصرار والتصميم على تنفيذ هذا العمل وإخراجه بشكل مختلف، رغم العوائق التى تمثَّلت فى رفض جهات كثيرة التصوير فيها، كذلك صعوبة الأدوار وتركيبتها النفسية المعقَّدة، كذلك طبعا حجم الإنتاجية الضخمة التى تؤرّق شركات الإنتاج مع الإصرار على التجويد. بالنسبة إلىّ فلا يمكن أن أنسى أبدا مشهدا للفنان خالد الصاوى نطق فيه بالحوار بصوت جهورى، أرعب الحضور من العاملين الذين لم يكونوا على دراية بما سيقول، وهناك مشهد آخر للفنان كريم عبد العزيز بكى فيه بشدة وأبكى مَن وراء الكاميرا. ■ كثيرون مِن كُتَّاب الرواية يبتعدون تماما وربما يخشون من كتابة السيناريو لأعمالهم الروائية -مثل نجيب محفوظ- كيف تعاملت مع كتابة سيناريو نصك الروائى؟ - كتابة سيناريو لعمل روائى فى العموم عمل شاقّ جدا، فما بالك إذا كان هذا العمل هو عملك أنت! فى ظنّى فإنها تجربة كانت تحتاج إلى حرفية وجرأة، وأعتقد أن دراستى لفكرة السيناريو فى أثناء فترة دراستى بالمعهد العالى للسينما ساعدتنى كثيرا فى سرعة الانفصال عن العمل، وكَسر فكرة التوحّد والتعاطف السلبى التى تؤذى العمل كثيرا، شغف الكاتب لجمله الروائية قد يقود العمل إلى الهلاك إذا لم تراع دخول النص فى المنطقة السينمائية بشكل صحيح، فكتابة الرواية فن يختلف كثيرًا عن فن كتابة السيناريو، وبالطبع هى فرصة جيدة جدا لمنافسة الرواية ومناظرتها بعمل يُجسِّدها. وبالنسبة إلى تجربتى فى كتابة السيناريو فقد ساعدنى على خوضها مروان حامد إيمانا منه بأن كاتب العمل هو أكثر من سَبَرَ أغوار القصة وعرف تفاصيل شخصيات أبطالها وخطوط سيرهم، لذا أعتقد أن التجربة رغم صعوبتها فإنها تستحقّ المغامرة، وتبقى مدرسة أستاذنا نجيب محفوظ فى البعد عن التعامل مع النص نظرية قائمة وتحترَم. ■ أشرتُ إلى مخرج العمل وصاحب الفكرة مروان حامد أكثر من مرة.. كيف تعامل مروان حامد مع «الفيل الأزرق» نصا روائيا وسيناريو لفيلم؟ - أراه مُخرجا محترفا يسعى بكل جهده للحفاظ على روح العمل الأصلى كأنه هو الذى كتبه، ويَحترم بشدة الخطوط الرئيسية فيه، عقد جلسات عمل مطوَّلة وشاقَّة، وجلسات تدريب لفريق العمل، واستعان بأفضل الفنانين خلف الكاميرا، مثل أحمد المرسى مدير التصوير، وناهد نصر الله مصممة الأزياء، ومحمد عطية مهندس الديكور، والمونتير أحمد حافظ، وهشام نزيه مصمم الموسيقى. ■ بطولة الفيلم أسندت إلى كوكبة من النجوم والأسماء الكبيرة، كيف رأيت أداء كريم عبد العزيز وخالد الصاوى ونيللى كريم أمام الكاميرا؟ - أعتقد أن «الفيل الأزرق» أطلق طاقات كامنة وهائلة فى هذا الثلاثى اللامِع، مباراة تحدٍّ صعبة تدور فى أجواء خيالية تبارى كل منهم فى استكشاف أظلم المناطق فيها والتوحّد معها، رأيت فى ذلك الفيلم دموعا وجنونا وضحكات هيستيرية، وأداء أبهرنى فى الأدوار المساعدة مثل محمد ممدوح فى دور سامح، والفنانة لبلبة فى دور الدكتور صفاء وشيرين رضا فى دور ديجا.. الروح العامة المسيطرة على فريق العمل بأكمله كانت صنع سينما جديدة وحفر تاريخ مشرف لكل مَن شارك فى الفيلم. ■ ختاما.. كيف تنظر إلى تجربة «الفيل الأزرق» السينمائية فى المجمل؟ - أعتقد أن «الفيل الأزرق» سيفتح بابا جديدا فى مجال صورة السينما المصرية والعربية، حيث استعان مروان حامد بإمكانات فريدة شجَّعتنى كثيرا على خوض التجربة بعد رؤية عيّنة من نتيجتها، بل وشجَّعتنى أكثر على فتح أفق الخيال فى الكتابة.. وفى المجمل هى تجربة فريدة ومغامرة جديدة تماما فى السينما العربية، فيلم مُختلف يَحمل كثيرا من التحدّى، فرواية «الفيل الأزرق» لم تكن لتصبح فيلما إذا فكَّرنا بعقلية «المخرج العادى» و«المنتج التقليدى»، خيال لا تستطيع توفيره السينما المصرية إلا عن طريق فريق من المغامرين، مثل مروان حامد، ومن ورائه شركات الإنتاج «الباتروس» و«لايت هاوس» و«الشروق»، وبالطبع أبطال العمل الذين تميَّزوا بروح تحدٍّ كبيرة.