قل لى كم هو أجرك أقل لك من أنت، مع الأسف صارت هذه هى القاعدة فى تقييم الفنانين، بل فى الحياة كلها. صحيح أن كل شىء فى الدنيا من الممكن إحالته إلى رقم، ولكن ليس صحيحًا أن كل ما فى الدنيا تزداد قيمته كلما ارتفع الرقم. كثيرًا ما يتنابز النجوم بالأرقام، إذا كانت التسريبات الشائعة هذه الأيام عبر الفضائيات هى تلك التى تتلصص على مكالمات النشطاء والمعارضين بغرض فضحهم لكى يزدريهم الرأى العام، فإن عددًا من النجوم على العكس تأتى تسريباتهم بناء على اتفاق مسبق مع شركة الإنتاج التى كثيرًا ما تعلن عن أرقام غير حقيقية مبالغًا فيها يتقاضونها عن المسلسل أو الفيلم أو الأغنية أو البرنامج. والمقصود هو أن «العيار اللى ما يصيبش يدوش» حيث إنهم يريدون توصيل رسالة لجمهورهم ولمنافسيهم تؤكد كم هم مطلوبون فى السوق، والرقم مثل قطنة «أبلة نظيفة ما بيكدبش»، ومصلحة الضرائب كثيرًا ما تصدق تلك الأرقام وتضاهى الخبر المنشور بالإقرار الضريبى الذى قدمه الفنان، فتكتشف أن «البون» شاسع فتأتى الإجابة على لسان النجوم «ده كلام جرائد حد عاقل يصدق الجرائد». الأجور الحقيقية متأرجحة، وغالبا فإن نجاح العمل الفنى الأخير هو الذى يدفع شركات الإنتاج للتعاقد مع الفنان بأجر أكبر، إلا أن الأمر لا يخلو بالتأكيد من قفزات وتراجعات، قد يرتفع أجر الفنان مرة واحدة إلى رقم لم يكن يحلم به، ثم يأتى عمل فنى آخر تنهار فيه إيراداته فيعيش فى هذه الحالة كابوسًا يهدده بفقدان أعز ما يملك. عدد لا بأس به من النجوم صاروا يلجؤون إلى الوصفات السحرية من أحجبة وذبح عجول مع تخميس أياديهم فى الدماء النازفة على الأرض، وذلك لدرء أى تهديد رقمى محتمل!! ومن النجوم من يضع الرقم فى البؤرة مثل عادل إمام، ألم تلاحظوا أنه ابتعد للعام الرابع على التوالى عن السينما بعد فيلمه «الزهايمر»، لقد صار موطنه الأصلى حاليا هو مسلسلات التليفزيون، تلك النقلة لا تعنى بالضرورة حبًّا للدراما التليفزيونية التى هجرها قبل 30 عاما، ولكن ما حدث بعد ثورة 25 يناير أن إيرادات السينما تراجعت لأسباب أمنية ونفسية واقتصادية فكان لا بد وأن تنخفض فى المقابل الأجور، وعادل لا يسمح أبدًا بأن يهتز رقمه. وهكذا توجّه عدد من النجوم للدراما التليفزيونية التى شهدت استقرارًا بعد الزيادة الملحوظة فى الفضائيات التى صارت تتوالد بمقياس «الفيمتو ثانية»، رقم عادل فى الدراما يتجاوز ضعف ما يحصل عليه نجوم الصف الأول، تجاوز فى مسلسله الأخير «صاحب السعادة» 30 مليون جنيه، الرقم يعبر عن ثمن حضوره التليفزيونى كما أنه يتضمن أيضًا ثمن غيابه ثلاثة عقود زمنية عن التليفزيون. نجوم هذا الجيل، لكى يواصلوا بقاءهم على الخريطة السينمائية خفضوا أجورهم، أو أنتجوا أو قرروا الحصول على نسبة من الأرباح فى الشباك كحل مؤقت حتى تستقر الأوضاع. شركات الإنتاج الكبرى صارت تتحسس خطواتها الإنتاجية، لأن العائد غير مضمون، وهذا يفسر مثلًا انتشار ظاهرة أفلام أصبحنا نطلق عليها «سينما بير السلم» فهى مصنوعة بأقل معدل فى الأسعار وبأكثر معدل فى العشوائية، وصارت تبحث عن أى فضائية تدفع أقل القليل، العام الماضى مثلًا تراجعت إيرادات السينما المصرية بنسبة تجاوزت 25%، ولم يستطع أحد أن يتجاوز فى الإيرادات فيلم محمد رمضان «قلب الأسد»، وهو ما تكرر فى العام الأسبق بفيلمه «عبده موتة»، ورغم ذلك أو ربما بسبب ذلك جاءت له الدراما التليفزيونية هذا العام لتمنحه أجرًا ينافس به ملوك الشاشة الصغيرة. كانت نصيحة مارلون براندو لجاك نيكلسون هى أن يعرف بالضبط ما الذى يساويه، وبعد ذلك يخفض من أجره حتى تتسع أمامه دائرة الاختيارات، وهى حكمة ينبغى أن يتدبرها نجوم هذا الجيل، فلا تزال شروط اللعبة هى «السلم والثعبان»، ومن لا يصادفه سلم يرتفع به وبأجره لأعلى، لا يأمن أن يلدغه فى المرة التالية ثعبان يعيده مهزومًا للمربع رقم واحد، ورغم ذلك فإن هناك نجومًا وعبر التاريخ الفنى يحرصون على البقاء خارج تلك الرقعة لا يحصلون بالتأكيد على الرقم الأكبر، ولكنهم لا يضعون الرقم على رأس معادلة الاختيار مثل محمود مرسى وعدد آخر مثل أحمد زكى ونور الشريف ومحمود حميدة لا يستسلمون تمامًا لسطوة الأرقام ولكن هذه قصة أخرى!!