للطاقة السلبية -شأنها فى ذلك شأن أى نوع آخر من أنواع الطاقة- مصادرها الخاصة، ومشكلة تلك المصادر أنها متداخلة فى نسيج حياتنا اليومية بشكل يصعب معه تجاهلها، يصعب ولكنه لا يستحيل. وتكمن مشكلة الطاقة السلبية أنها سوف تقفز فى وجهك من شاشة التليفزيون، كما انها سوف تركب فوق ودانك عبر سماعات الراديو، كما أنها سوف تجتذبك إلى عوالمها الإفتراضية إذا ما كنت من هؤلاء اللى سايبين نفسهم طول الوقت ل«فيسبوك وتويتر ومواقع التواصل الإجتماعى»، هى بتتقال كده على بعضها، وأولى خطوات تجاهل تلك المصادر المحيطة بنا للطاقة السلبية يكمن فى وضع يدنا عليها وتحديدها. لهذا، بالتدقيق فى ما آلت إليه الأمور فى الأرض المحبوبة مصر سوف نكتشف أن مصادر الطاقة السلبية الأساسية الآن تتمثل فى النماذج التالية.. 1– اللى مش عايزين ينزلوا من ع المسرح: جميعنا نعلم أن الحاجة لما بتزيد عن حدها بتتقلب ضدها، وإذا كنت ممثل مسرح وفتح الله عليك بإفيه جاب ضحك مع الناس، ثم تماديت أكثر فى التخديم على الإفيه فتفاعل الناس معك أكثر، عندها ينبغى عليك أن تتوقف فى الوقت المناسب، قبل أن يتحول التفاعل إلى خنقة والإعجاب إلى زهق، توقف قبل أن يتحول التعامل معك على أساس أنك دمك خفيف إلى التعامل معك على أساس أنك بتستظرف، أترك المسرح فى ذروة تفاعل الناس معك، بدلاً من أن تدعهم يغادرون المسرح قبلك من فرط زهقهم منك، فالناس غلابة وبسطاء ومساكين وفقراء وروحهم بقت فى طرطوفة مناخيرهم ومش ناقصينك خالص، لهذا فلتغادر المسرح الآن بعد هذا السوكسية الجامد الذى حصلت عليه، فلن تحصل على سوكسيه أعلى وكل ما سيحدث بعد ذلك هو أنك سوف تتمادى إلى أن يزهق الناس وينصرفوا، لتجد نفسك فى النهاية وحيداً على المسرح وقد خسرت ما كنت قد كسبته من جمهور. والحديث موجه إلى جميع هؤلاء اللى دورهم خلص خلاص إلا أنهم لا يزالوا مصممين على زنق كتفهم فى مشهد لم يعودوا هم أبطاله، لا يزالوا مصرين على الظهور فى جميع البرامج الصباحية والمسائية وبرامج ما بعد الظهيرة، بيطلعوا يقولوا إيه؟ أى كلام فارغ والسلام، فالمهم عندهم هو أن يفضلوا يطلعوا، وهؤلاء بحاجة ماسة إلى صديق يخبرهم بالحقيقة المرة بدون أدنى تزويق أوخداع أو تزوير، هؤلاء بحاجة إلى من يخبرهم بصرامة: إنزلوا بقى من ع المسرح، الناس اتخنقت. 2– المطبلاتية والمنافقين: وهؤلاء هم التجسيد الأمثل لمقولة «اللى فيه داء ما بيبطلوش»، إنهم الآفة الحقيقية التى ينبغى على أى حاكم محترم تحصين نفسه من الإصابة بها، إنهم هؤلاء اللى ما بيتكسفوش والقادرين على تحويل أى مشهد جميل إلى مشهد مبتذل بنفاقهم وأفورتهم فى إظهار مشاعرهم وتملقهم، إنهم هؤلاء الدببة التى تقتل صاحبها حبًا وجهلاً، هم بالطبع لا يعلمون أن هناك طرقًا أخرى أكثر رقيًا ونبلاً وشرفًا للتعبير عن مشاعرهم إلا أنه وكما أخبرتكم فى بداية الباراجراف «اللى فيه داء ما بيبطلوش». وهو ما يثبت ويؤكد أن أزمتنا الحالية أزمة أخلاق فى الأساس. 3- الراديكاليون المنفصلون عن الواقع: و هؤلاء باتوا كُثُر فى أيامنا تلك، وهم لا يقتصروا فقط على مناصرى عصابة الإرهابيين، وإنما هم أيضاً فى المعسكر الآخر، إنهم هؤلاء الراديكاليون الذين تجاوزهم الزمن وتجاوز أفكارهم الجامدة بمراحل إلا أنهم لا زالوا يعيشون فى عوالمهم الخاصة إعتقادًا منهم بأن ما يعيشونه هو العالم الحقيقى، وتلك أحد إنعكاسات الإفراط فى التعامل مع مواقع التواصل الإجتماعى، حيث ينمحى مع الوقت ذلك الخيط الرفيع الفاصل بين الواقع والخيال، بين الشارع والنت، بين الناس الحقيقية والبروفايلات. إنهم هؤلاء –اللى ماهماش إخوان- والذين يعتبرون أنفسهم ثوارًا بوضع اليد، والذين وضعوا ملصقاتهم الأخيرة على حوائط الفيسبوك مكتوب عليها: «يسقط الدستور.. يسقط العسكر.. تسقط الشرطة.. تسقط الدولة»، يا نهار اسود، كله كده حيسقط؟ مافيش أى حاجة خالص مش حتسقط؟ الدستور بالجيش بالشرطة بالدولة بذات نفسها حيسقطوا؟ طب والله يُشكروا أنهم سابوا الشعب وما قالوش يسقط هو كمان، إلا أنهم نسوا تنتوفة صغنتوتة خالص أد كده، لما كل دول يسقطوا، الشعب حيقعد يهبب إيه بالظبط؟ وحيقعد فين اصلاً لما الدولة تسقط؟