يتصور نفسه بطلا.. والقطعان الهائجة حوله تحتفل بانتصاره الصاخب.. وهو بطل فعلا.. بحث عن ضحية تصور أنها أضعف منه ليفرغ فيها منقوع الذل والإهانة الذى يعيش فيه. لا فرق بين طالب جامعة وعاطل يبحث عن ذاته على موتوسيكل. كما لا فرق بين رئيس جامعة ومذيع تافه فى تبرير حفلة الاعتداء الجنسى فى حرم الجامعة.. ووسط طلابها وعلى مرأى ومسمع من الحرس الإدارى. لم يفعل الدكتور جابر نصار رئيس الجامعة، إلا الاتساق مع الحفلة.. وبدلا من أن يرى ما حوله/ أو يفكر فى وضعه هو نفسه فإنه ينظر خلفه/ بعين واحدة/ ولن يجد طبعا إلا الضحية يلومها ويدقق ويمحص فى اختيارها كضحية.. لا فرق بين رئيس جامعة وعميد حقوق ومشارك فى كتابة دستور تحدث عن قدسية الحريات الشخصية، وبين مذيع تافه يستعرض أخلاق ذكورته المريضة فى الاعتداء على الطرف الأضعف. ولا فرق بين هذا وذاك ونائبات ونواب الإخوان المسلمين فى المجالس النيابية/ عندما برروا التحرش بما ترتديه المرأة.. كأنهم لم يروا الاعتداء على محجبات أو منتقبات أو سيدات عجائز.. وكأنهن جميعا أم أيمن التى كانت تُدين النساء ونعتبرها جميعا: وكيلة متطرف للذكورة المريضة.. تلك الذكورة التى تشعر بالانكسار والهزيمة أمام الأقوى من ضابط البوليس إلى أمين الشرطة مرورا بفتوة الحى أو الأب فى البيت.. كل هؤلاء مندوبو الطرف الأقوى فى سلطة تعتمد القمع والإهانة والإذلال وسائلَ حكمٍ وسيطرة.. يتجرع الذكر المريض منقوع الذل والإهانة والقمع كل يوم.. ويبحث مثل الضبع الجريح عن فريسة يتخيل أنها أضعف.. وساعتها يكون بطل جماعته وتحتفل به القطعان الهائجة.. ويكتمل المشهد بإدانة الضحية/ البنت/ المرأة.. والتفتيش فى ملابسها.. كمبرر للجريمة. بالتبرير تكتمل دائرة الانحطاط/ حيث المجرم ضحية «الإثارة» أو الضعف أمام المفاتن/ كأنه إذا أعجبتنى سيارتك أو بيتك فمن حقى لأنهما أثارا شهوتى للامتلاك أن أسرقهما/ أو كأن المقتول لو استفز القاتل فالقتل سيكون مبررا. والتفتيش فى الملابس هو موضوع شكلانى أو إجرائى/ يبحث عن شماعة/ وهذا ما تكشفه نظرية «العباية بالكباسين» التى تم بها تبرير دهس ست البنات وتعريتها/ كما أنها تضع للأعراف أو للصور النمطية عن الملابس قوة الإجبار/ وهنا فإن المذيع نفسه الذى تكلم عن ملابس ضحية التحرش فى الجامعة/ سيرى شخص ما ملابسه تشبه ما يرتديه القوادون/ وساعتها من حقه أن يسأله عن ثمن ليلة مع المرأة التى تسير معه؟ لماذا يتصور أحد أنه «سلطة» تحكم على الآخرين بمنطقها وصورتها المشوَّهة/ ولا يتخيل نفسه لحظة واحدة واقعا تحت نفس الوضع المنحط؟ التحرش ليس جريمة جنسية/ لأنها تُرتكب فى بلاد ومجتمعات أخرى أكثر تقدما أو تحررا جنسيًّا/ لكن هذه المجتمعات تحترم الإنسان وتحمى الحرية الشخصية وتضع قوانين تحكم المجال العام (حتى لا تحكمه قوانين الذكورة المريضة والبقاء للأكثر قدرة على الإذلال).. و/ ولهذا تعتبر التحرش جريمة/ ولا تحترم من يبررها وتسمح له بنشر نفايات عقله المريض على الشاشات أو من خلال منصات سلطته الجامعية. الجريمة يومية/ والاعتداء على الجسد فى الأقسام أو فى الشوارع أو بالقتل العشوائى/ يصنع صورة البطولة أو الفتونة فى المخيلة العامة/ ويصبح القادر على الاعتداء سلطة/ فما دمت أنت المعتدى فأنت فى درجة مميزة للمجتمع/ وهذه التراتبية هى حلم هذه القطعان الهائجة والحفلات الجماعية للتحرش احتفالا بانتصارات زائفة لأجساد مقهورة ولا تجد رادعا فى إعادتها للقهر وممارسته على النساء. انحطاط لا قاع له.. لأنه يعتمد على ترسيخ السلطة القائمة/ وهذا يفسر تواطؤ الأجهزة السياسية والأمنية لعدم مواجهة التحرش/ لأنه سيغيِّر المفاهيم حول حرية الفرد وحماية حقه الشخصى فى اختيار ملابسه والتجول بحرية فى الشوارع وقبل كل شىء حماية جسده من الاعتداء. هناك رغبة أو غريزة فى استمرار تحول الشارع إلى غابات/ يحكمها العنف/ لكى تستمر الإقامة فى دائرة الانحطاط التى رتب فيها الجميع مواقعه/ وهنا يلتقى الإسلامى الذى حرَّم خروج المرأة، مع الضابط الذى يطارده دفاعا عن الدولة فى الاستفزاز من عودة الحضور القوى للمرأة فى المجتمع باعتبارها عنصرا جديدا سيغيّر ترتيب بنية الانحطاط العفنة. بهذا المنطق يطارد الشباب فتاة فى المجال العام (شارع/ جامعة/ أماكن عمل) طامعين فيها ولكن قبل ذلك يقومون بتعريتها من حقها ويمارسون عليها رقابة أخلاقية تضعها فى خانة «المثيرات جنسيا» ويحق عليها العقاب: التحرش والمضايقة كنوع من ممارسة سلطة سلبية تمنع النساء من حق الحرية والأمان فى الشارع. وهذه جريمة يتصور المترفون أنها تافهة أو تتعلق بعادات المصريين وخصوصيتهم/ رغم أن نفس المصريين عاشوا سنوات الخمسينيات والستينيات والسبعينيات والنساء ترتدى موضات ملابس متحررة من أوهام أن العفة ترتبط بطول أو قِصَر الفستان.. ولم تُرصد حفلات تحرش جماعية كما هى الآن والغالبية من النساء تضع الحجاب على الرأس وتطيل الفستان إلى الأرض. فكِّروا قبل أن تبرروا. أو يقول لنا مبرراتية مثل المذيع أو رئيس الجامعة ماذا يفعل عندما يرى نساء بملابس قصيرة فى أوروبا والدول المتقدمة؟ هل تتحرش أيها المبرراتى أم تخاف من القانون؟