محافظ المنيا يستقبل أمين البحوث الإسلامية لبحث التعاون المشترك    شيخ الأزهر: الأزهر يولي طلاب باكستان عناية خاصة لنشر المنهج الوسطي    حفل ختام البرنامج التدريبي لتأهيل القيادات بوزارة الصحة    «سفاح الأسماك» فى قبضة الإدارة |البردويل.. الإرادة فى مواجهة المعوقات    قرار هام من محافظ الجيزة لخدمة المواطنين    مدبولي: البنك المركزي لن يخفض الفائدة إلا بخفض نسبة التضخم    نهب الممتلكات الفلسطينية.. «اعترافات من الأرشيف الإسرائيلى» |    محاضرة فنية للاعبي الأهلي قبل مواجهة بالميراس    قبل مواجهة بالميراس.. تعرف على انتصارات الأهلي بالمونديال    محافظ الغربية يعتمد نتيجة الشهادة الإعدادية بنسبة نجاح 76.8٪    بالصور.. ضبط 12 لصًا بالقاهرة    إصابة عامل بطلق ناري في قنا    محافظ أسيوط يحيل واقعة حريق مخزن زيوت مستعملة بالفتح للنيابة العامة ويأمر بتشكيل لجان فنية للمعاينة    الليلة.. «حجر القلب» ضمن المهرجان الختامي بمسرح السامر    المخرجة سارة وفيق تعلن موعد ومكان تشييع جثمان والدتها    مينا مسعود ضيف معكم منى الشاذلي..اليوم    الأمين العام للاونكتاد: الاستثمار الأجنبي المباشر عالميا تراجع للعام الثاني على التوالي نتيجة للتوترات الجوسياسية    السجن المشدد 15 عاما لعاطل يروج المخدرات في الإسكندرية: 500 طربة حشيش في حقيبتين    فتح باب التقديم للالتحاق بمدرسة مياه الشرب والصرف الصحي بالمنوفية 2025    إسرائيل تقر باستمرار قدرة إيران على إطلاق الصواريخ    تنفيذ المرحلة الثانية من خط مياه رأس البر بطول 6.1 كم بتكلفة 235 مليون جنيه    غدا قصور الثقافة تطلق قافلة ببرج العرب لدعم الموهوبين    مجموعة الأهلي.. لعنة أتالانتا تطارد إنتر ميامي ضد بورتو في مونديال الأندية    محافظ القاهرة: أعلى قيمة لساعة انتظار السيارات 10 جنيهات    الصحة": نستهدف المشاركة في مبادرة الاتحاد الأفريقي لتوفير 60% من احتياجات القارة من اللقاحات البشرية مُصنعة محليًا بحلول عام 2040    الرئيس اللبناني: قررنا زيادة قوات الجيش في جنوب الليطاني إلى 10 آلاف جندي    الكرملين: دخول الولايات المتحدة في الصراع الإسرائيلي الإيراني بالغ الخطورة    إسرائيل: قصفنا مفاعل آراك ومواقع نووية في بوشهر وأصفهان ونطنز    تعرف على حالة الطقس اليوم الخميس 19-6-2025 فى الإسماعيلية.. فيديو    ضبط قضايا إتجار في النقد الأجنبي بقيمة 7 ملايين جنيه    رئيس الوزراء: الخميس 26 يونيو إجازة رسمية بمناسبة رأس السنة الهجرية والخميس 3 يوليو إجازة بمناسبة ذكري ثورة 30 يونيو    الرقابة النووية: نرصد الإشعاع عالميا ومصر على اتصال دائم بالوكالة الذرية    موعد التقديم وسن القبول في رياض الأطفال وأولى ابتدائي بالأزهر 2025    إنهاء العقد.. قانون العمل يوضح مصير العامل حال العجز الكامل أو الجزئي    انطلاق تصوير فيلم "إذما" بطولة أحمد داود وسلمى أبو ضيف (صور)    بعد تداول أنباء ارتباطهما.. 10 صور تجمع أحمد مالك وهدى المفتي    فاتتني صلاة في السفر كيف أقضيها بعد عودتي؟.. الأزهر للفتوى يوضح    ما حكم تشغيل صوت القرآن أثناء النوم؟.. أمين الفتوى يجيب    البورصة تعلن قيد أسهم "سولار سول للطاقة" بشكل مؤقت ب 25 مليون جنيه    الصحة: الارتفاع غير المبرر بالولادات القيصرية يؤثر سلبًا على جهود الدولة    4 أنواع مكسرات تساعد على خسارة الوزن    هل يؤثر مرض السكري على الجنين في بطن الأم؟ تفاصيل صادمة    وزير الصحة يترأس الاجتماع الأول للمجلس الوطني للسياحة الصحية    هل توجد أي مؤشرات تدل على احتمال حدوث تأثيرات إشعاعية على مصر فى حال ضرب مفاعل ديمونة..؟!    وكيل قطاع المعاهد الأزهرية يتفقد لجان امتحانات الشهادة الثانوية بقنا ويشيد بالتنظيم    محمد الشناوي: نحلم بالفوز أمام بالميراس وتصدي ميسي لحظة فارقة.. والظروف الآن في صالحنا    الرزق ليس ما تملك..بل ما نجاك الله من فقده    حمدي فتحي: نسعى لتحقيق نتيجة إيجابية أمام بالميراس    خارجية أمريكا: نطالب جميع موظفى السفارة فى تل أبيب وأفراد عائلاتهم بتوخى الحذر    ماهيتاب ماجد المصري.. جولة بحساب أحدث عروس بالوسط الفني على انستجرام    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس 19-6-2025 في محافظة قنا    تفاصيل الاجتماع الفني لمباراة الأهلي وبالميراس فى كأس العالم للأندية    سالزبورج النمساوي يفوز على باتشوكا المكسيكي في كأس العالم للأندية    وسط تصاعد التوترات.. تفعيل الدفاعات الجوية الإيرانية في طهران    هل الحسد يمنع الرزق؟.. الشيخ خالد الجندي يوضح    خالد الغندور يكشف صدمة للأهلي بسبب مدة غياب طاهر    كوريا الشمالية عن الهجمات الإسرائيلية على إيران: تصرف غير قانوني.. وجريمة ضد الإنسانية    قبل موقعة بالميراس.. ريبييرو يراهن على عزيمة لاعبي الأهلي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عصام زكريا يكتب : الجامعة تسقط تحت أقدام المتحرشين
نشر في الفجر يوم 22 - 03 - 2014

استمعت إلى تعليق المذيع تامر أمين ورئيس جامعة القاهرة الدكتور جابر نصار حول واقعة التحرش الجماعى داخل كلية الحقوق بجامعة القاهرة قبل أن أشاهد المقطع الذى قام بتصويره الطلبة «الهائجون» للطالبة المتحرش بها خلال اصطحاب الأمن لها لإخراجها من مقر الجامعة.

عندما استمعت إليهما ذهلت من أن يقوم إعلامى «شهير» وأستاذ جامعى وناشط سياسى «كبير» بتبرير واقعة تحرش جماعى على طريقة العوام والجهلة الفقراء نفسيا وثقافيا.. ولكن من كلامهما الحماسى وصوتيهما الذكورى المرتعش بالانفعالات ضد المرأة المتحرش بها توقعت أنها كانت ترتدى مايوه بكينى مثلا.. أو بدلة رقص.. أو جيب قصير يكشف فخذيها وتى شيرت يكشف ذراعيها وأجزاء من ظهرها وصدرها مثلا.. أقل ما توقعته أن تكون مثيرة وعارية مثل نيكول سابا فى فيلم «التجربة الدنماركية».

كل من تامر وجابر حاول تصدير فكرة أن ملابس الطالبة هى سبب التحرش بها.. ومبدئيا فمهما كان نوع الملبس الذى ترتديه الطالبة فإن محاولة تبرير أى تحرش أو اعتداء على إنسان بنوع الملابس التى يرتديها هو نوع من السفالة.. و«منتهى السفالة أن يتم الإلحاح على التبرير مع وجود المقطع المصور الذى يبين بالضبط نوع الملابس التى وصفها المذيع بأنها: بنطلون جينز ضيق يبرز تضاريس الجسد و«بلوزة» وردية اللون خاطفة للأنظار وحجاب عبارة عن غطاء رأس على وشاح برتقالى أو أصفر اللون بشراشيب جعلت البعض يتصور أنه شعرها الأشقر.

ملابس «عادية» ومعتادة جدا فى شوارع مصر.. يمكن أن تندهش عندما تراها فى المناطق الشعبية أو محطات المترو، ولكن هذه هو نوع الملابس التى تحتال بها الفتيات على مجتمع يفرض الحجاب على معظم نسائه دون أن يفكر للحظة فى أن الملبس واللغة والسلوك يمكن أن يكون «متغطيا» تماما لكنه قبيح وفج فى تركيبته العامة، وأن الحشمة هى فى الجوهر الذى يظهر على الوجه واللسان والجسد حتى لو كان عاريا، بينما يمكن أن يطل الابتذال من تحت طيات النقاب!

النقاش حول ملبس الفتاة هو أيضا نوع من سفالة النقاش المجتمعى التى تتردد عقب كل حالة تحرش من أيام فتاة العتبة فى الثمانينيات وحتى واقعة «ذات العباءة الكباسين» خلال أحداث مجلس الوزراء.

قلت لصاحبى: عندما تسافر إلى أوروبا أو بيروت أو دبى أو شرم الشيخ أو الغردقة ترى النساء بالبكينى والميكروجيب ولكن المصرى منا، سواء كان مقيما أو زائرا، لا يجرؤ على التحرش بامرأة، بل لا يجرؤ على النظر بوقاحة إلى امرأة عارية فى الشارع وإلا طلبت له البوليس وسحبته إلى القسم.

والأخ المذيع الذى وصف الفتاة بأنها ترتدى «ملابس راقصات» – واعتبر أن هذا هو اللفظ المهذب وأن الوصف الأنسب هو «شرا.. «كان منذ عدة أسابيع فى أحد المهرجانات السياحية فى مدينة شاطئية يقضى اليوم كله وسط المايوهات وملابس السهرة ويتملق كل امرأة يراها ويتحرش ببعضهن لفظيا.. فهل كان يرى وقتها أن كل هؤلاء النساء «شرا..» يستحققن التحرش؟ ولماذا سمحت له أخلاقه المهترئة بالذهاب إلى مثل هذا المهرجان والمشاركة فيه بمثل هذا الحماس و«العنف»؟!

الأفندى المذيع لم يكتف بتبرير التحرش وسب الطالبة وأسرتها، ولكنه فى إطار دفاعه عن الشباب «التعبان» مثله، نصح الشبان بالاكتفاء ب«النظرة الأولى»، وبإطالة هذه النظرة وعدم غض البصر أو إغلاق العين.. حتى لو استمرت هذه النظرة لمدة نصف ساعة مثلا.. وربما لو استطرد قليلا لنصحهم بشراء منظار للتلصص على غرف نوم الجيران وحمامات النساء إذا خلت الجامعة والشوارع من النساء اللاتى يرتدين الجينز الضيق.

الأفندى لا يعلم أنه فى أوروبا والبلاد المنحلة الأخرى لو نظرت لامرأة نظرة وقحة فإن القانون والمجتمع يعتبرها تحرشًا وربما تعاقب وتسجن بسبب هذا الاعتداء على حقوق الآخرين.

المذيع تامر معتاد على مثل هذه «الهرتلات» أمام الشاشة وخارجها، وقد بتنا نتوقع منه التلفظ بالشناعات دائما، ولكن الأسوأ من تامر هو أستاذ الجامعة المثقف الذى طالما صدع رءوسنا بالحديث عن الثورة والحقوق والمجتمع المدنى ولكن أول ما خطر بباله عندما انكشفت الفضيحة التى جرت فى جامعته، وهى بالمناسبة ليست الأولى وليست الوحيدة وليست فريدة من نوعها كما يزعم، فإن أول ما خطر بباله هو أن يهين الفتاة التى تعرضت للتحرش بدلا من أن يعتذر لها ويعترف بالتقصير ويعد بعقاب المدانين ويتعهد باتخاذ إجراءات تحول دون تكرار الواقعة.

حتى لو أنكر جابر نصار وسحب تصريحاته الأولى، فإن عار تبرير التحرش قد التصق باسمه ولن يتركه بسهولة.. ولست أعلم كيف سيستطيع الدكتور المثقف أن يواجه معارفه وأصدقاءه وزميلات دفعته القدامى اللاتى كن يرتدين «المينى» عارى الساقين و«الشابونيز» عارى الكتفين أيام دراسته بالجامعة.. ولم يكن يجرؤ طالب ليس على التحرش ولكن على التفكير بشكل غير محترم فى زميلاته.

المشكلة أنه لم يكتف بالتبرير، ولكنه أبدى فى ردوده عصبية زائدة وصلت إلى حد تبنى الأكاذيب من نوعية أن الفتاة دخلت الجامعة متنكرة فى عباءة قامت بخلعها بعد ذلك. هذه العصبية وهذا الكذب يظهران عدم قدرته على التعامل مع الأمر، ويكشفان أن الحادث ليس فريدا ولا فرديا، وأن القائمين على الجامعة لم يعود يستطيعون السيطرة عليها مثلما لا تستطيع الداخلية السيطرة على الشارع ولا يستطيع المجتمع أن يسيطر على «جن» الانفلات الأخلاقى الذى أطلقه بأخلاقياته الزائفة وتواطئه وتستره على المتحرشين.

حادث كلية الحقوق ليس فريدا ولا مفردا فى الجامعة أو خارجها، والتحرش ظاهرة مصرية أصيلة وكل العالم يعرف أن مصر هى بلد التحرش والمتحرشين وكل الاستطلاعات والدراسات العالمية حول التحرش تقر بأن مصر تحتل المركز الأول عالميا فى التحرش وفى عدد المصابين بمرض الكبد الوبائى.

مع ذلك لم يخرج مسئول رسمى واحد ليعترف بالمصيبتين، أو بأيهما، ولو لم يحدث ذلك الاعتراف أولا فلن تعالج مشكلة التحرش ولا مرض الكبد الوبائى ولو بعد ألف عام، ولو أصبح كل الإعلاميين على شاكلة تامر أمين وكل أساتذة الجامعة على شاكلة جابر نصار فسوف تتفاقم هذه الأوبئة وتدمر المصريين جميعا نفسيا وبدنيا.

الذين برروا للمتحرشين أفعالهم أمام دور العرض السينمائى خلال العيد، وللمغتصبين أفعالهم فى ميدان «التحرير»، ليسوا متفردين أو أفرادا لكنهم مجتمع كامل مريض وثقافة عامة مختلة، ولن يتوقف التحرش أو يتراجع إلا عندما يدرك هذا المجتمع مرضه ويعترف بمشكلته ويسعى إلى تغيير هذه الثقافة.

الصدمة التى نعيش فيها هذه الأيام سوف تخفت مع الوقت، وسوف تتوالى الأخبار عن التحرشات داخل الجامعة، وسوف نعتاد على ذلك بالتدريج ولن نصدم من سماع هذه الأخبار.. وسوف تضعف ردود أفعالنا وتتحول إلى لا مبالاة و»تناحة» باتت ترتسم على ملامحنا وتميزنا عن بقية الخلق.

صدمتى الكبرى أن التحرش وصل إلى كلية الحقوق.. مهزلة ما بعدها مهزلة.. هؤلاء المتحرشون سوف يتخرج منهم قاض ووكيل نيابة ومحام.. يعنى قل على القانون والحقوق والبلد السلام.. وربما نلتق على خير بعد فاصل ألف عام أخرى!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.