سامية سامي تم تفويج 180 حافلة سياحية تقل قرابة 7500 حاج خلال الفترة من 11 إلى 17 يونيو الجاري    مسؤول إسرائيلي: إيران تستخدم صواريخ متطورة نسبة اعتراضها لا تتجاوز 65%    الأهلي يعقّد حظوظه في المونديال بعد السقوط أمام بالميراس بثنائية    السيطرة على حريق شقة سكنية في بولاق الدكرور    رئيس الوزراء الصربي: وجودنا في جامعة القاهرة فرصة لتبادل الرؤى والاطلاع على أحدث الأبحاث العلمية    غرفة القاهرة تستعد لتوسيع نطاق خدماتها المميكنة لمنتسبيها    مياه الأقصر تنظم تدريبا العاملين بمياه الشرب بالطود    بعد موافقة النواب.. تعرف على تعديلات مشروع قانون الإيجار القديم    ليفركوزن يفاوض ليفربول لضم مدافعه    مصر تفوز على البحرين وتتأهل للدور الرئيسي ببطولة العالم للشباب لكرة اليد    البيت الأبيض: ترامب سيقرر ما إذا كان سيهاجم إيران خلال أسبوعين    بالأسماء.. 4 مصابين في حادث انقلاب سيارة بطريق رأس غارب - الزعفرانة    وزير الثقافة ومحافظ القليوبية يتفقدان أعمال تطوير قصر ثقافة بنها    مدبولي يبحث موقف توفير الاحتياجات المالية ل «الشراء الموحد» لتوفير الأدوية والمستلزمات (تفاصيل)    تبادل أسرى بين أوكرانيا وروسيا بموجب اتفاقات إسطنبول    خالد الجندى: الكلب مخلوق له حرمة والخلاف حول نجاسته لا يبرر إيذائه    6 أسباب تجعل التفاح فاكهة فعالة ل إنقاص الوزن    قرارات عاجلة من محافظ أسيوط بشأن حريق مخزن الزيوت المستعملة    قيادات تموين الأقصر يقودون حملات للتفتيش على أسطوانات البوتاجاز.. صور    بنسبة 96,5%، الوادي الجديد تتصدر المحافظات بمبادرة سحب الأدوية منتهية الصلاحية من الأسواق    ضبط المتهمين باختطاف شخص بسبب تجارة العملة    شبكة برازيلية تختار ياسين بونو العربى الوحيد بتشكيل أولى جولات المونديال    مينا مسعود ضيف معكم منى الشاذلي..اليوم    ملك أحمد زاهر تطمئن الجمهور على حالتها الصحية: "بقيت أحسن"    برنامج "مصر جميلة" لقصور الثقافة يختتم فعالياته بمدينة أبوسمبل.. صور    قبل مواجهة بالميراس.. تعرف على انتصارات الأهلي بالمونديال    رئيسا روسيا والصين: لا حل عسكرياً لبرنامج إيران النووي    وراثي أو مكتسب- دليلك لعلاج فقر الدم    نائب رئيس الوزراء يترأس اجتماع المجلس الوطني للسياحة الصحية    السجن المشدد 15 عاما لعاطل يروج المخدرات في الإسكندرية: 500 طربة حشيش في حقيبتين    لهذا السبب..محافظ الدقهلية يستقبل وفدًا رفيع المستوى من الاتحاد الأوروبي    إسرائيل تقر باستمرار قدرة إيران على إطلاق الصواريخ    محافظ القاهرة: أعلى قيمة لساعة انتظار السيارات 10 جنيهات    الصحة": نستهدف المشاركة في مبادرة الاتحاد الأفريقي لتوفير 60% من احتياجات القارة من اللقاحات البشرية مُصنعة محليًا بحلول عام 2040    الرقابة النووية: نرصد الإشعاع عالميا ومصر على اتصال دائم بالوكالة الذرية    موعد التقديم وسن القبول في رياض الأطفال وأولى ابتدائي بالأزهر 2025    هل هناك مؤشرات إشعاعية علي مصر؟.. رئيس الرقابة النووية يجيب    انطلاق تصوير فيلم "إذما" بطولة أحمد داود وسلمى أبو ضيف (صور)    مسابقة لتعيين أكثر من 4 آلاف معلم مساعد مادة الدراسات الاجتماعية    فاتتني صلاة في السفر كيف أقضيها بعد عودتي؟.. الأزهر للفتوى يوضح    ما حكم تشغيل صوت القرآن أثناء النوم؟.. أمين الفتوى يجيب    ننشر نتائج الطلبة المصريين بالخارج من مرحلة الابتدائي وحتى تانية ثانوي    «منخفض الهند الموسمي» | ظاهرة جوية تلهب ثلاث قارات وتؤثر على المناخ    ضبط 7 قضايا مخدرات وتنفيذ 818 حكمًا قضائيًا خلال حملات أمنية بأسوان ودمياط    شيخ الأزهر لوفد طلابي من جامعتي جورج واشنطن والأمريكيَّة بالقاهرة: العلم بلا إطار أخلاقي خطر على الإنسانية.. وما يحدث في غزة فضح الصَّمت العالمي    محافظ أسيوط يفتتح وحدة طب الأسرة بمدينة ناصر بتكلفة 5 ملايين جنيه – صور    محمد الشناوي: نحلم بالفوز أمام بالميراس وتصدي ميسي لحظة فارقة.. والظروف الآن في صالحنا    حمدي فتحي: نسعى لتحقيق نتيجة إيجابية أمام بالميراس    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس 19-6-2025 في محافظة قنا    عماد الدين حسين عن استهداف تل أبيب: إيران ترد مباشرة على عدوان واضح    وزير الاستثمار: تأهيل شركة "جسور" كشريك فعال لزيادة الصادرات إلى أفريقيا    الدفاع الجوي الروسي يسقط 81 طائرة أوكرانية مسيرة    سالزبورج النمساوي يفوز على باتشوكا المكسيكي في كأس العالم للأندية    مؤتمر أبيل فيريرا عن استخدام محدود ل باولينيو ضد الأهلي.. وتعلم تطويع الطقس    وسط تصاعد التوترات.. تفعيل الدفاعات الجوية الإيرانية في طهران    هل الحسد يمنع الرزق؟.. الشيخ خالد الجندي يوضح    سماوي: مهرجان جرش في موعده وشعلته لن تنطفئ    تامر حسني وهنا الزاهد يتألقان في دور السينما المصرية ب "ريستارت"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نهب الممتلكات الفلسطينية.. «اعترافات من الأرشيف الإسرائيلى» |
كتاب يكشف بالوثائق كيف تحولت بيوت الفلسطينيين إلى غنائم لدولة الاحتلال
نشر في بوابة أخبار اليوم يوم 19 - 06 - 2025

من يافا وحيفا عام 1948 إلى غزة فى أكتوبر 2023، تتكرّر المأساة كأن التاريخ لم يطوِ صفحته بعد. ففى الهجوم الإسرائيلى الواسع الذى بدأ فى 7 أكتوبر 2023 حتى اليوم، لم يقتصر العدوان على القصف والدمار، بل وثّقت تقارير دولية عمليات نهب واسعة لمنازل المدنيين، تمامًا كما فعل المستوطنون والجنود فى عقودٍ سابقة.. فخلال الأشهر الثلاثة الأولى من العدوان الإسرائيلى المستمر على غزة، تم توثيق عشرات التقارير تدين قيام جنود إسرائيليين بسرقة مُمنهجة للأموال النقدية، والمشغولات الذهبية، وأجهزة «اللاب توب»، والهواتف المحمولة من منازل الفلسطينيين، وقد قُدرت قيمة المسروقات بنحو 25 مليون دولار. كما استولى جنود الاحتلال الإسرائيلى عند نقاط التفتيش على أغراض شخصية ثمينة من الفلسطينيين، بما فى ذلك: الأموال، وغيرها من الأصول، وفى الوقت نفسه تعرضت للنهب وسرقة منازل، ومتاجر، وأعمال الفلسطينيين الذين تم إجبارهم على الفرار بعيداً عن منازلهم ومساكنهم، ووفقًا للرصد الذى أجراه باحثون ميدانيون فى منظمات حقوق الإنسان الفلسطينية ثبت على سبيل المثال أن قوات الاحتلال صادرت مجوهرات إحدى العائلات بالقوة بعد اقتحام منزلها فى شرق مدينة غزة، بينما شاهد آخرون ممتلكاتهم مع جنود الاحتلال على تطبيق تيك توك.
اقرأ أيضًا | a href="https://akhbarelyom.com/news/newdetails/4639298/1/%D8%A7%D8%B3%D8%AA%D8%B4%D9%87%D8%A7%D8%AF-18-%D9%81%D8%B3%D9%84%D8%B7%D9%8A%D9%86%D9%8A%D8%A7-%D9%81%D9%8A-%D9%82%D8%B5%D9%81-%D8%A5%D8%B3%D8%B1%D8%A7%D8%A6%D9%8A%D9%84-%D9%84%D9%85%D8%AE%D9%8A%D9%85" title="استشهاد 18 فسلطينيا في قصف إسرائيل لمخيم "الشاطئ" بغزة"استشهاد 18 فسلطينيا في قصف إسرائيل لمخيم "الشاطئ" بغزة
فى شهادة تاريخية جريئة، يفكك الناشط الباحث الحقوقى الإسرائيلى «آدم راز» فى كتابه ((«النهب: كيف سرقت إسرائيل الممتلكات الفلسطينية»))، واحدة من أكثر الصفحات قتامة فى حقبة ما بعد النكبة.
بين دفتى الكتاب تتقاطع الذاكرة مع الوثيقة، ويطلّ القارئ على حقائق طال تغييبها لعقود، حقائق لم تتوقف عند مشاهد التهجير، بل امتدت إلى الاستيلاء المنهجى على الممتلكات الفلسطينية.
ويستند الكتاب على آلاف الوثائق الإسرائيلية التى تكشف كيف يجرى نهب مئات آلاف المنازل والمزارع والمتاجر، ليس بفعل أفراد مارقين، بل وفق مساراتٍ بيروقراطية رسمية وتواطؤ مؤسسى واضح.. والكتاب يفضح نمطاً قديماً من الاستيلاء، شارك فيه الجنود والمدنيون على حد سواء، وتحوّل إلى جزء من مشروع الطرد.. وإعادة التوزيع السكانى والاقتصادي. هذه القراءة ليست فقط توثيقًا لما كان، بل مدخلًا لفهم ما لا يزال قائمًا.
نهب مُمنهج
يقول «راز: لم يكن النهب مجرد سلوك أفراد، بل ممارسة مُمنهجة غضّت الدولة الطرف عنها، بل واستفادت منها.».. ووفق ما يعرضه، فقد تم إدخال تلك الممتلكات ضمن ما سُمى لاحقًا «أملاك الغائبين»، وهى التسمية التى أغفلت عمدًا أن غالبية أصحابها لم يغيبوا بإرادتهم، بل هُجّروا قسرًا فى سياق النكبة والعمليات العسكرية.
اللافت فى أسلوب «راز» أنه لا يُدين فقط، بل يُحلّل ويعرض تركيبة معقّدة من المساءلة المؤجلة والخوف من الاعتراف، مما يمنح الكتاب قيمة فكرية وتاريخية وثقافية عالية. كما يُسلّط الضوء على صمتٍ مجتمعى داخل إسرائيل تجاه هذا الإرث، وكأن التواطؤ لم يكن داخل دولة الاحتلال فقط، بل داخل الوعى الجمعى الإسرائيلي.
النهب و «بن جوريون»
وما نقرأه داخل دفتى الكتاب يُعد وثيقة شديدة الإدانة لجرائم السرقة والنهب التى يقوم بها-وما زال- المحتل للممتلكات العربية-الفلسطينية، ولسبب وجيه تذكرنا مشاهدة الآلاف من الفلسطينيين وهم يفرون من مدينة غزة تحت الأوامر الإسرائيلية، والكراسى المتحركة التى تُدفع على الطرق الرملية، والشاحنات الصغيرة المُحملة بالأغراض المنزلية والأطفال، بالنزوح الجماعى للفلسطينيين فى عامى 1947 و 1948، السيناريو نفسه تكرر قبل 76 عامًا قبل قيام كيان الاحتلال، إذ تتجلى الجوانب المظلمة للنكبة الفلسطينية أو ما يسميها الإسرائيليون «حرب الاستقلال» فى كتاب «آدم راز»، هذا عن النهب اليهودى الواسع النطاق للممتلكات العربية آنذاك، حيث يظهر الارتباط بين النهب وسياسة «بن جوريون» الرامية إلى تطهير البلاد من سكانها العرب.
فقد نجح «آدم راز»، بفضل بحثه الدقيق والمضنى فى المصادر الأولية، فى تسليط الضوء على لحظة مأساوية فى تاريخ الصراع الذى يهز المنطقة والعالم بأسره. ومع فهم تفاصيل النكبة وتوثيقها، أصبح إنصاف مظالم الفلسطينيين أكثر واقعية ولاسيما أنه يأتى من باحث وكاتب ينتمى لكيان الاحتلال.
تفاصيل مذهلة
فى هذا المجلد المُفصل الذى يحتوى على أبحاثٍ أصلية، أضاف «آدم راز» إضافة مهمة لدراسة التطهير العرقى فى فلسطين. يركز الكتاب على عملية الاستيلاء على الغنائم وسرقة الممتلكات الفلسطينية بعد طرد أصحابها من أراضيهم ومنازلهم بين أبريل ومايو 1948.
تكمن قوة كتاب «نهب» فى تفاصيله المذهلة، فقد استخدم «راز »نحو ثلاثين أرشيفاً منفصلاً لتوضيح نطاق النهب، بما فى ذلك مواد من أرشيفات الدولة وجيش الاحتلال الإسرائيلى التى كانت موجودة بالفعل. وقد تم استخدام بعض المواد من قبل، مثل: مذكرات ورسائل بن جوريون وغيره من القادة الصهاينة، ولكن الكثير منها جديد.
وعلى وجه الخصوص، قدمت أرشيفات «الكيبوتسات» الكثير من التفاصيل حول ما سُرق وكمية ما سُرق، خلال حرب 1948حين نهب رجال العصابات الصهيونية والسكان على حد سواء منازل الفلسطينيين ومتاجرهم وشركاتهم ومزارعهم. ثم تم قمع هذه الحقيقة المريرة أو نسيانها على مدى السنوات التالية..
وقد شارك عشرات الآلاف فى نهب الممتلكات الفلسطينية، وسرقة مقتنيات جيرانهم السابقين، بحيث تتجاوز آثار هذا النهب الجماعى بكثير شخصية أو النسيج الأخلاقى لأولئك الذين شاركوا.
فقد خدم النهب أجندة سياسية من خلال المساعدة فى إفراغ البلاد من سكانها الفلسطينيين. وكان «بن جوريون» هو صاحب «أقوى الغرائز التاريخية».. وأراد أن تتم عمليات السرقة الكبرى بعيداً عن أعين الجمهور.
فى هذا السياق، كان النهب جزءًا من السياسة السائدة أثناء الحرب-وهى سياسة مُصممة لسحق الاقتصاد الفلسطيني، وسلب الفلسطينيين ممتلكاتهم أثناء النكبة بكمياتٍ مذهلة، وتدمير القرى، ومصادرة المحاصيل والحصاد المتبقية فى المناطق المهجورة وتدميرها أحيانًا.
يقدر «راز» أن القيمة الإجمالية للسلع المنهوبة تبلغ اليوم 820 مليون دولار. وفى هذا الصدد يقول «راز»: «هكذا تتجلى بوضوح صورة المجتمع الإسرائيلى فى فجر الدولة اليهودية، بكل ما تحمله من بشاعة.
فقد نهب بعض الإسرائيليين الجدد منازل جيرانهم السابقين لتحقيق الربح؛ بينما نهبها آخرون لمجرد قدرتهم على ذلك. وكان الجنود هم الذين نفذوا معظم أعمال النهب، ولكن حتى الأطفال والنساء المسنات شاركوا فى هذه الأعمال».
تلقائيًا أصبح الجمهور اليهودى المشارك صاحب مصلحة، مدفوعًا لمنع السكان الفلسطينيين من العودة إلى القرى والمدن التى غادروها. تم حشد هؤلاء الناس العاديين فى الدفع من أجل الفصل بين اليهود والعرب فى السنوات الأولى من قيام الدولة.
تبرير السطو
يتألف كتاب «النهب» من جزءين. الجزء الأول مُخصص للسرد التفصيلى للنهب، والجزء الثانى يتناول العواقب الاجتماعية والسياسية المترتبة عليه. وتتلخص الأهداف المحدودة للكتاب ببساطة فى تقديم أدلة دامغة على انتشار النهب على يد الميليشيات والمستوطنين اليهود، وإثبات التأثير السياسى الذى قد يخلفه.
مع ذلك، ورغم أن «راز» يوضح أنه لا يأخذ فى الحسبان سرقة الأراضى الفلسطينية ويركز على الممتلكات المنقولة، فإنه يشير سريعًا إلى قضية «الممتلكات المهجورة» التى كانت الذريعة التى يتكئ عليها الاحتلال الصهيونى فى تبرير السطو على مقتنيات الفلسطينيين، وهو بهذا يتجاهل السرقة الأكثر أهمية التى عانى منها الفلسطينيون.
فقد كانت سرقة الأراضى من خلال الإرهاب هى التى سمحت وشجعت على حدوث النهب. وعلى نحو مماثل، لا يوجد فى الكتاب أى شيء عن دور بريطانيا والقوى الاستعمارية التى كان لها دور فى تمكين الإرهاب الصهيوني، فلا ذكر لوعد بلفور على سبيل المثال أو قرار التقسيم.
فى هذه النقطة يشرح «راز» الأساس المنطقى لنهجه من خلال التمييز بين سرقة الأراضى والمباني.. وبين الممتلكات المنقولة، لأن قرار سرقة الأراضى اتُخذ على المستوى السياسي، فى حين أن النهب قام به الجيران السابقون لأولئك الذين طُردوا من ممتلكاتهم. وقد شكل نهب ممتلكات الجيران مواقف اليهود العدائية تجاه الفلسطينيين الباقين، كما غير الطريقة التى يفكر بها اليهود فى أنفسهم.
نهب الحضر والقرى
ويتضمن الجزء الأول من الكتاب تفاصيل نهب المراكز الحضرية الرئيسية مثل: طبريا وحيفا والقدس ويافا، ثم ينتقل إلى تفاصيل نهب القرى الفلسطينية والمساجد والكنائس.. ولقد اتبعت عمليات النهب نمطاً فى سياق ما يسميه «راز» «حرب 1948» وليس النكبة.
فبمجرد مقتل المقاتلين العرب أو فرارهم، فرضت الجماعات العسكرية سيطرتها على المدن وأنشأت شكلاً من أشكال النظام. وكان النهب محظوراً ظاهرياً، ولكن الجنود الإسرائيليين اعتبروا أى شيء يتخيلونه غنيمة مشروعة.
وفى غضون ساعات قليلة، كان المستوطنون اليهود يتدفقون إلى الممتلكات المهجورة و يبدأون فى نهب ما تبقى منها بشكل منهجي. وكانت السرقة مسلحة بهدف إزالة الرغبة فى العودة من الفلسطينيين المنفيين. معدات ميكانيكية واسعة النطاق ومصانع وأكثر من ذلك بكثير.
ويورد «راز» شهادات أولئك اليهود الذين يعترضون على النهب. على سبيل المثال، نشر مجلس عمال حيفا نداءً يندب تفكك المجتمعات المختلطة التى تدعم بعضها بعضاً فقال : «لقد عشنا معاً لسنوات وسنوات فى سلام فى حيفا، مدينتنا، وتفاعلنا مع بعضنا البعض بتفاهم وكإخوة...».. وكانت الآثار المترتبة على ذلك على المحرومين مؤلمة، حيث فقدوا ممتلكاتهم طيلة حياتهم. وفى القدس، يتذكر أحد المنفيين الفلسطينيين قائلاً: «لقد تركنا المنزل، والملابس، والأثاث، والمكتبة، والطعام، والبيانو العملاق الذى لا مثيل له، والثلاجة الكهربائية».
كانت المتاجر والمستودعات أهدافاً واضحة. وكانت البضائع تُسرق بكمياتٍ كبيرة وتُباع فى السوق السوداء (وغير السوداء). وفجأة وجد المستوطنون اليهود الذين لم يتمكنوا من اكتساب الثروة حتى هذه النقطة أنفسهم أمام فرصة لفتح مشاريع تجارية. وحظى الاقتصاد اليهودى بدفعة هائلة وتراجعت الرغبة فى العيش كجيران.
قيمة الأراضى المنهوبة
وفى حين يحدد المؤلف أنه إذا كان بالإمكان تقدير قيمة الأراضى الفلسطينية المنهوبة سواء من حيث المساحة أو الخصوبة والإنتاجية، فمن الصعوبة بمكان تقدير المقتنيات المهجورة بسبب التهجير سواء كانت ملابس أو مجوهراتٍ أو سيارات أو ورشاً أو مكتباتٍ.. والنماذج الأخرى من المنقولات التى يسهل حملها أو نقلها.
ولمن يعنيه الأمر فقد قدرت غرفة التحكيم الفلسطينية التابعة للأمم المتحدة فى نوفمبر1951 قيمة المنقولات الفلسطينية المتروكة بأكثر من 18,6 مليون جنيه فلسطيني.
هناك العديد من المقاطع التى تُظهر أن الجماعات شبه العسكرية الإسرائيلية قلدت سلوك مرتكبى المذابح فى وقت سابق. فى بئر سبع، يتذكر قائد لواء النقب: «ملأ الضجيج وصوت المرايا المكسورة الشوارع، وتطايرت قطع الأثاث المكسورة فى الهواء، وملأ الدخان الأسود السماء. الوسائد والبطانيات والملابس والأطعمة المُعلبة والأسلحة الهدايا التذكارية-لم يترك الناهبون شيئًا دون أن يمسوه... فقد القادة السيطرة على جنودهم».
ولقد حقق المزارعون اليهود مكاسب كبيرة، الأمر الذى حفز بدوره الرغبة فى طرد المزارعين الفلسطينيين المتبقين. فاستهدفوا المزارع والمستودعات الزراعية، واستولوا على الجرارات والأخشاب ومضخات الرى والبذور.
ومن هنا، كان الطلب على المزيد من الأراضى واستبعاد المنتجات العربية من الأسواق اليهودية أمراً حتمياً. وكما يوضح «راز» قائلاً: «بهذه الطريقة، وعلى مدى بضعة أشهر، نهب الجنود والمدنيون على حد سواء آلاف القرى فى مختلف أنحاء البلاد.
وسُرقت الأدوات والخبز اليومى للفلاحين الفلسطينيين «الحاضرين» و«الغائبين» ودُمرت. ولم يعد بوسعهم العودة إلى منازلهم المُدمرة».
إجرام وتورط
أما الجزء الثانى من الكتاب فيتناول النتائج الاقتصادية والسياسية والثقافية التى ترتبت على عمليات النهب وبصورة عامة، أصبح المستوطنون اليهود المشاركون فى هذه العمليات أصحاب مصلحة فى الدولة التى تأسست حديثاً، وكان لهم مصلحة مادية فى منع عودة الفلسطينيين المُهجرين وتوسيع المطالبات اليهودية بالأراضى الفلسطينية. أجرى المؤلف مسحًا لأوضاع المدن والبلدات الفلسطينية إبان النكبة وهى حصرًا وبالترتيب: طبريا، حيفا، القدس، ويافا وعكا.
ولقد أرسى مدى الإجرام وتورط كل من المدنيين والعسكريين الأساسى لسياسات الإقصاء والفصل العنصري. ويحمل الفصل الأول من الجزء الثانى عنوان «سم ينتشر فى شرايين المجتمع»، وهو ما يلخص هذا القسم بشكل أنيق إلى حدٍ ما. فقد أصُيب العديد من الشخصيات المحترمة بالفزع إزاء مدى الإجرام واعتقدوا أنه أفسد الشخصية الأخلاقية للبلاد. على سبيل المثال، كانت الكيبوتسات غارقة حتى أعناقها فى جنون النهب. ولكن الأصوات المعارضة واجهت القادة العسكريين الذين اعتبروا النهب سلاحاً إيديولوجياً أساسياً فى الحرب.
ويخلص «راز» إلى أن كبار الشخصيات السياسية والعسكرية منعت النهب بحكم القانون، ولكنها سمحت به بحكم الأمر الواقع. ويستشهد بقول «توفياه كوهين»، الذى زعم بعد دراسة الأدوار الإجرامية التى لعبتها المجموعتان الإرهابيتان الإسرائيليتان، الإرجون والهاجاناه: «إن الاستنتاج الوحيد الذى يمكن التوصل إليه هو أن المؤسسات القيادية أطلقت العنان للأمور».
فى الحقيقة، ربما يسهم هذا الاستنتاج فى مساعدة أولئك الذين يبحثون عن إجاباتٍ فى خضم الاضطرابات السياسية الإسرائيلية الحالية. فلا يتفاجأ أحد من اكتشاف حقيقة أن الشرير الذى كان محور النهب لم يكن سوى أول رئيس وزراء لإسرائيل، «ديفيد بن جوريون».
وهناك قسم مفيد للغاية حول كيف نجت «الناصرة» من مصير مدن أخرى بسبب ارتباطها بالإيمان المسيحي. فقد أصدر «بن جوريون» تعليماته للقادة هناك بدخول المدينة فقط برفقة أفراد موثوق بهم.. وأن يكونوا مستعدين لاستخدام المدافع الرشاشة ضد أى قوات تعصى الأوامر.
فى المجمل، نجح «آدم راز» فى تأليف كتاب يوفر الدليل اللازم لكسر «مؤامرة الصمت» حول أصول الدولة الإسرائيلية.
مع ذلك فهناك عدد من المنتقدين سوف ينتقدون كتاب «النهب»، لأنه لم يكن صارماً بما فيه الكفاية مع الصهيونية، ولأنه لم يقدم شهاداتٍ كافية من الفلسطينيين، ولأنه أغفل بشكل صارخ جرائم القوى الاستعمارية. ولكن مفهوم من تلقاء نفسه أن الكتاب كُتب بغرض دفع الإسرائيليين إلى النظر بصدق إلى تاريخهم على أمل أن يصبح هذا جزءاً من الخطاب الوطني.
وكما خلص «آدم راز» قائلاً : «لا يمكن خلق الخلاص الداخلى إلا من خلال النظر مباشرة إلى الوجه الوحشى للحقيقة».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.