31 طعنًا على نتيجة ال 19 دائرة الملغاة ونظرها 15 ديسمبر    وزارة الزراعة: تحصين الماشية ب8.5 مليون جرعة ضد الحمى القلاعية والوادي المتصدع    غدًا.. فصل التيار الكهربائي عن 10 مناطق وقرى بكفر الشيخ    ترامب: سنرد على تنظيم «داعش» في سوريا إذا هاجمت قواتنا مجددًا    مصر تدعو إلى التهدئة والالتزام بمسار السلام في جمهورية الكونجو الديمقراطية    برشلونة يهزم أوساسونا في الدوري الإسباني    وزير الرياضة يشهد اليوم السبت ختام بطولة الأندية لكرة القدم الإلكترونية    شاهد| لحظة توزيع الجوائز على الفائزين في بطولة كأس العالم للبليارد الفرنسي    تفاصيل إعادة محاكمة 6 متهمين في قضية خلية المرج الإرهابية    النيابة تُجري معاينة تصويرية لإلقاء جثة طفلة داخل عقار بشبرا الخيمة| فيديو    عبلة كامل: ماعنديش صفحات على السوشيال ميديا.. وما يقال عني غير صحيح    محطات مضيئة في حياة حمدي الزامل.. «شهادة» الشيخ عبد الباسط و«سلسلة» أم كلثوم    وزارة الصحة: فيروس إنفلونزا H1N1 يسيطر على إصابات الشتاء بنسبة 60%    متحورات جديدة.. أم «نزلة برد»؟! |الفيروسات حيرت الناس.. والأطباء ينصحون بتجنب المضادات الحيوية    الرئيس الإندونيسي يؤكد توصيل مياه الشرب وإصلاح البنية التحتية لسكان المناطق المنكوبة بالفيضانات    منال عوض: المحميات المصرية تمتلك مقومات فريدة لجذب السياحة البيئية    الإسكان الاجتماعي الأخضر في مصر على طاولة منتدى الإسكان الحضري للدول العربية بالدوحة    ريهام أبو الحسن تحذر: غزة تواجه "كارثة إنسانية ممنهجة".. والمجتمع الدولي شريك بالصمت    ضبط 5370 عبوة أدوية بحوزة أحد الأشخاص بالإسكندرية    كثافات مرورية بسبب كسر ماسورة فى طريق الواحات الصحراوى    25 ألف جنيه غرامات فورية خلال حملات مواعيد الغلق بالإسكندرية    برلماني أوكراني: البعد الإنساني وضغوط الحلفاء شرط أساسي لنجاح المفاوضات    توافق مصرى فرنسى على ضرورة إطلاق عملية سياسية شاملة تؤدى إلى إقامة الدولة الفلسطينية    الشناوي: محمد هنيدي فنان موهوب بالفطرة.. وهذا هو التحدي الذي يواجهه    من مسرح المنيا.. خالد جلال يؤكد: «مسرح مصر» أثر فني ممتد وليس مرحلة عابرة    "فلسطين 36" يفتتح أيام قرطاج السينمائية اليوم    يسري جبر يوضح حقيقة العلاج بالقرآن وتحديد عددٍ للقراءة    بروتوكول لجهاز تنمية المشروعات لنشر فكر العمل الحر وريادة الأعمال بين الشباب والمرأة    رئيس مجلس القضاء الأعلى يضع حجر أساس مسجد شهداء القضاة بالتجمع السادس    نوال مصطفى تكتب: صباح الأحد    توقف قلبه فجأة، نقابة أطباء الأسنان بالشرقية تنعى طبيبًا شابًا    مكتبة الإسكندرية تستضيف "الإسكندر الأكبر.. العودة إلى مصر"    القومي لذوي الإعاقة يحذر من النصب على ذوي الاحتياجات الخاصة    قائمة ريال مدريد - بدون أظهرة.. وعودة هاوسن لمواجهة ألافيس    برلماني أوكراني: البعد الإنساني وضغوط الحلفاء شرط أساسي لنجاح أي مفاوضات    الرسالة وصلت    موعد صرف معاشات يناير 2026 بعد زيادة يوليو.. وخطوات الاستعلام والقيمة الجديدة    إعلام عبرى: اغتيال رائد سعد جرى بموافقة مباشرة من نتنياهو دون إطلاع واشنطن    نائب محافظ الأقصر يزور أسرة مصابي وضحايا انهيار منزل الدير بمستشفى طيبة.. صور    جامعة أسيوط تنظم المائدة المستديرة الرابعة حول احتياجات سوق العمل.. الاثنين    «الجمارك» تبحث مع نظيرتها الكورية تطوير منظومة التجارة الإلكترونية وتبادل الخبرات التقنية    محافظ الغربية يهنئ أبناء المحافظة الفائزين في الدورة الثانية والثلاثين للمسابقة العالمية للقرآن الكريم    مواقيت الصلاه اليوم السبت 13ديسمبر 2025 فى المنيا    لاعب بيراميدز يكشف ما أضافه يورتشيتش للفريق    بدء الصمت الانتخابي غدا فى 55 دائرة انتخابية من المرحلة الثانية لانتخابات النواب    كلية الدراسات الإفريقية تنظم ندوة عن العدالة التاريخية والتعويضات    وصفة الزبادي المنزلي بالنكهات الشتوية، بديل صحي للحلويات    محافظ أسيوط يفتتح المؤتمر السنوي الثالث لمستشفى الإيمان العام بنادي الاطباء    طلعات جوية أميركية مكثفة فوق ساحل فنزويلا    فيديو.. الأرصاد: عودة لسقوط الأمطار بشكل مؤثر على المناطق الساحلية غدا    إخلاء سبيل والدة المتهم بالاعتداء على معلم ب"مقص" في الإسماعيلية    محافظ أسيوط يقود مفاوضات استثمارية في الهند لتوطين صناعة خيوط التللي بالمحافظة    القضاء الإداري يؤجل دعوى الإفراج عن هدير عبد الرازق وفق العفو الرئاسي إلى 28 مارس    الأهلي يواجه الجيش الرواندي في نصف نهائي بطولة إفريقيا لكرة السلة للسيدات    مدرب الكاميرون المُقال: طالما لم يصدر قرارا من الرئاسة فأنا مستمر في منصبي.. وإيتو نرجسي    وزيرة التضامن الاجتماعي تلتقي رئيس الطائفة الإنجيلية ووفد من التحالف الوطني للعمل الأهلي التنموي    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : ولازالت مصطبة عم السيد شاهدة ?!    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 13-12-2025 في محافظة قنا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نهب الممتلكات الفلسطينية.. «اعترافات من الأرشيف الإسرائيلى» |
كتاب يكشف بالوثائق كيف تحولت بيوت الفلسطينيين إلى غنائم لدولة الاحتلال
نشر في بوابة أخبار اليوم يوم 19 - 06 - 2025

من يافا وحيفا عام 1948 إلى غزة فى أكتوبر 2023، تتكرّر المأساة كأن التاريخ لم يطوِ صفحته بعد. ففى الهجوم الإسرائيلى الواسع الذى بدأ فى 7 أكتوبر 2023 حتى اليوم، لم يقتصر العدوان على القصف والدمار، بل وثّقت تقارير دولية عمليات نهب واسعة لمنازل المدنيين، تمامًا كما فعل المستوطنون والجنود فى عقودٍ سابقة.. فخلال الأشهر الثلاثة الأولى من العدوان الإسرائيلى المستمر على غزة، تم توثيق عشرات التقارير تدين قيام جنود إسرائيليين بسرقة مُمنهجة للأموال النقدية، والمشغولات الذهبية، وأجهزة «اللاب توب»، والهواتف المحمولة من منازل الفلسطينيين، وقد قُدرت قيمة المسروقات بنحو 25 مليون دولار. كما استولى جنود الاحتلال الإسرائيلى عند نقاط التفتيش على أغراض شخصية ثمينة من الفلسطينيين، بما فى ذلك: الأموال، وغيرها من الأصول، وفى الوقت نفسه تعرضت للنهب وسرقة منازل، ومتاجر، وأعمال الفلسطينيين الذين تم إجبارهم على الفرار بعيداً عن منازلهم ومساكنهم، ووفقًا للرصد الذى أجراه باحثون ميدانيون فى منظمات حقوق الإنسان الفلسطينية ثبت على سبيل المثال أن قوات الاحتلال صادرت مجوهرات إحدى العائلات بالقوة بعد اقتحام منزلها فى شرق مدينة غزة، بينما شاهد آخرون ممتلكاتهم مع جنود الاحتلال على تطبيق تيك توك.
اقرأ أيضًا | a href="https://akhbarelyom.com/news/newdetails/4639298/1/%D8%A7%D8%B3%D8%AA%D8%B4%D9%87%D8%A7%D8%AF-18-%D9%81%D8%B3%D9%84%D8%B7%D9%8A%D9%86%D9%8A%D8%A7-%D9%81%D9%8A-%D9%82%D8%B5%D9%81-%D8%A5%D8%B3%D8%B1%D8%A7%D8%A6%D9%8A%D9%84-%D9%84%D9%85%D8%AE%D9%8A%D9%85" title="استشهاد 18 فسلطينيا في قصف إسرائيل لمخيم "الشاطئ" بغزة"استشهاد 18 فسلطينيا في قصف إسرائيل لمخيم "الشاطئ" بغزة
فى شهادة تاريخية جريئة، يفكك الناشط الباحث الحقوقى الإسرائيلى «آدم راز» فى كتابه ((«النهب: كيف سرقت إسرائيل الممتلكات الفلسطينية»))، واحدة من أكثر الصفحات قتامة فى حقبة ما بعد النكبة.
بين دفتى الكتاب تتقاطع الذاكرة مع الوثيقة، ويطلّ القارئ على حقائق طال تغييبها لعقود، حقائق لم تتوقف عند مشاهد التهجير، بل امتدت إلى الاستيلاء المنهجى على الممتلكات الفلسطينية.
ويستند الكتاب على آلاف الوثائق الإسرائيلية التى تكشف كيف يجرى نهب مئات آلاف المنازل والمزارع والمتاجر، ليس بفعل أفراد مارقين، بل وفق مساراتٍ بيروقراطية رسمية وتواطؤ مؤسسى واضح.. والكتاب يفضح نمطاً قديماً من الاستيلاء، شارك فيه الجنود والمدنيون على حد سواء، وتحوّل إلى جزء من مشروع الطرد.. وإعادة التوزيع السكانى والاقتصادي. هذه القراءة ليست فقط توثيقًا لما كان، بل مدخلًا لفهم ما لا يزال قائمًا.
نهب مُمنهج
يقول «راز: لم يكن النهب مجرد سلوك أفراد، بل ممارسة مُمنهجة غضّت الدولة الطرف عنها، بل واستفادت منها.».. ووفق ما يعرضه، فقد تم إدخال تلك الممتلكات ضمن ما سُمى لاحقًا «أملاك الغائبين»، وهى التسمية التى أغفلت عمدًا أن غالبية أصحابها لم يغيبوا بإرادتهم، بل هُجّروا قسرًا فى سياق النكبة والعمليات العسكرية.
اللافت فى أسلوب «راز» أنه لا يُدين فقط، بل يُحلّل ويعرض تركيبة معقّدة من المساءلة المؤجلة والخوف من الاعتراف، مما يمنح الكتاب قيمة فكرية وتاريخية وثقافية عالية. كما يُسلّط الضوء على صمتٍ مجتمعى داخل إسرائيل تجاه هذا الإرث، وكأن التواطؤ لم يكن داخل دولة الاحتلال فقط، بل داخل الوعى الجمعى الإسرائيلي.
النهب و «بن جوريون»
وما نقرأه داخل دفتى الكتاب يُعد وثيقة شديدة الإدانة لجرائم السرقة والنهب التى يقوم بها-وما زال- المحتل للممتلكات العربية-الفلسطينية، ولسبب وجيه تذكرنا مشاهدة الآلاف من الفلسطينيين وهم يفرون من مدينة غزة تحت الأوامر الإسرائيلية، والكراسى المتحركة التى تُدفع على الطرق الرملية، والشاحنات الصغيرة المُحملة بالأغراض المنزلية والأطفال، بالنزوح الجماعى للفلسطينيين فى عامى 1947 و 1948، السيناريو نفسه تكرر قبل 76 عامًا قبل قيام كيان الاحتلال، إذ تتجلى الجوانب المظلمة للنكبة الفلسطينية أو ما يسميها الإسرائيليون «حرب الاستقلال» فى كتاب «آدم راز»، هذا عن النهب اليهودى الواسع النطاق للممتلكات العربية آنذاك، حيث يظهر الارتباط بين النهب وسياسة «بن جوريون» الرامية إلى تطهير البلاد من سكانها العرب.
فقد نجح «آدم راز»، بفضل بحثه الدقيق والمضنى فى المصادر الأولية، فى تسليط الضوء على لحظة مأساوية فى تاريخ الصراع الذى يهز المنطقة والعالم بأسره. ومع فهم تفاصيل النكبة وتوثيقها، أصبح إنصاف مظالم الفلسطينيين أكثر واقعية ولاسيما أنه يأتى من باحث وكاتب ينتمى لكيان الاحتلال.
تفاصيل مذهلة
فى هذا المجلد المُفصل الذى يحتوى على أبحاثٍ أصلية، أضاف «آدم راز» إضافة مهمة لدراسة التطهير العرقى فى فلسطين. يركز الكتاب على عملية الاستيلاء على الغنائم وسرقة الممتلكات الفلسطينية بعد طرد أصحابها من أراضيهم ومنازلهم بين أبريل ومايو 1948.
تكمن قوة كتاب «نهب» فى تفاصيله المذهلة، فقد استخدم «راز »نحو ثلاثين أرشيفاً منفصلاً لتوضيح نطاق النهب، بما فى ذلك مواد من أرشيفات الدولة وجيش الاحتلال الإسرائيلى التى كانت موجودة بالفعل. وقد تم استخدام بعض المواد من قبل، مثل: مذكرات ورسائل بن جوريون وغيره من القادة الصهاينة، ولكن الكثير منها جديد.
وعلى وجه الخصوص، قدمت أرشيفات «الكيبوتسات» الكثير من التفاصيل حول ما سُرق وكمية ما سُرق، خلال حرب 1948حين نهب رجال العصابات الصهيونية والسكان على حد سواء منازل الفلسطينيين ومتاجرهم وشركاتهم ومزارعهم. ثم تم قمع هذه الحقيقة المريرة أو نسيانها على مدى السنوات التالية..
وقد شارك عشرات الآلاف فى نهب الممتلكات الفلسطينية، وسرقة مقتنيات جيرانهم السابقين، بحيث تتجاوز آثار هذا النهب الجماعى بكثير شخصية أو النسيج الأخلاقى لأولئك الذين شاركوا.
فقد خدم النهب أجندة سياسية من خلال المساعدة فى إفراغ البلاد من سكانها الفلسطينيين. وكان «بن جوريون» هو صاحب «أقوى الغرائز التاريخية».. وأراد أن تتم عمليات السرقة الكبرى بعيداً عن أعين الجمهور.
فى هذا السياق، كان النهب جزءًا من السياسة السائدة أثناء الحرب-وهى سياسة مُصممة لسحق الاقتصاد الفلسطيني، وسلب الفلسطينيين ممتلكاتهم أثناء النكبة بكمياتٍ مذهلة، وتدمير القرى، ومصادرة المحاصيل والحصاد المتبقية فى المناطق المهجورة وتدميرها أحيانًا.
يقدر «راز» أن القيمة الإجمالية للسلع المنهوبة تبلغ اليوم 820 مليون دولار. وفى هذا الصدد يقول «راز»: «هكذا تتجلى بوضوح صورة المجتمع الإسرائيلى فى فجر الدولة اليهودية، بكل ما تحمله من بشاعة.
فقد نهب بعض الإسرائيليين الجدد منازل جيرانهم السابقين لتحقيق الربح؛ بينما نهبها آخرون لمجرد قدرتهم على ذلك. وكان الجنود هم الذين نفذوا معظم أعمال النهب، ولكن حتى الأطفال والنساء المسنات شاركوا فى هذه الأعمال».
تلقائيًا أصبح الجمهور اليهودى المشارك صاحب مصلحة، مدفوعًا لمنع السكان الفلسطينيين من العودة إلى القرى والمدن التى غادروها. تم حشد هؤلاء الناس العاديين فى الدفع من أجل الفصل بين اليهود والعرب فى السنوات الأولى من قيام الدولة.
تبرير السطو
يتألف كتاب «النهب» من جزءين. الجزء الأول مُخصص للسرد التفصيلى للنهب، والجزء الثانى يتناول العواقب الاجتماعية والسياسية المترتبة عليه. وتتلخص الأهداف المحدودة للكتاب ببساطة فى تقديم أدلة دامغة على انتشار النهب على يد الميليشيات والمستوطنين اليهود، وإثبات التأثير السياسى الذى قد يخلفه.
مع ذلك، ورغم أن «راز» يوضح أنه لا يأخذ فى الحسبان سرقة الأراضى الفلسطينية ويركز على الممتلكات المنقولة، فإنه يشير سريعًا إلى قضية «الممتلكات المهجورة» التى كانت الذريعة التى يتكئ عليها الاحتلال الصهيونى فى تبرير السطو على مقتنيات الفلسطينيين، وهو بهذا يتجاهل السرقة الأكثر أهمية التى عانى منها الفلسطينيون.
فقد كانت سرقة الأراضى من خلال الإرهاب هى التى سمحت وشجعت على حدوث النهب. وعلى نحو مماثل، لا يوجد فى الكتاب أى شيء عن دور بريطانيا والقوى الاستعمارية التى كان لها دور فى تمكين الإرهاب الصهيوني، فلا ذكر لوعد بلفور على سبيل المثال أو قرار التقسيم.
فى هذه النقطة يشرح «راز» الأساس المنطقى لنهجه من خلال التمييز بين سرقة الأراضى والمباني.. وبين الممتلكات المنقولة، لأن قرار سرقة الأراضى اتُخذ على المستوى السياسي، فى حين أن النهب قام به الجيران السابقون لأولئك الذين طُردوا من ممتلكاتهم. وقد شكل نهب ممتلكات الجيران مواقف اليهود العدائية تجاه الفلسطينيين الباقين، كما غير الطريقة التى يفكر بها اليهود فى أنفسهم.
نهب الحضر والقرى
ويتضمن الجزء الأول من الكتاب تفاصيل نهب المراكز الحضرية الرئيسية مثل: طبريا وحيفا والقدس ويافا، ثم ينتقل إلى تفاصيل نهب القرى الفلسطينية والمساجد والكنائس.. ولقد اتبعت عمليات النهب نمطاً فى سياق ما يسميه «راز» «حرب 1948» وليس النكبة.
فبمجرد مقتل المقاتلين العرب أو فرارهم، فرضت الجماعات العسكرية سيطرتها على المدن وأنشأت شكلاً من أشكال النظام. وكان النهب محظوراً ظاهرياً، ولكن الجنود الإسرائيليين اعتبروا أى شيء يتخيلونه غنيمة مشروعة.
وفى غضون ساعات قليلة، كان المستوطنون اليهود يتدفقون إلى الممتلكات المهجورة و يبدأون فى نهب ما تبقى منها بشكل منهجي. وكانت السرقة مسلحة بهدف إزالة الرغبة فى العودة من الفلسطينيين المنفيين. معدات ميكانيكية واسعة النطاق ومصانع وأكثر من ذلك بكثير.
ويورد «راز» شهادات أولئك اليهود الذين يعترضون على النهب. على سبيل المثال، نشر مجلس عمال حيفا نداءً يندب تفكك المجتمعات المختلطة التى تدعم بعضها بعضاً فقال : «لقد عشنا معاً لسنوات وسنوات فى سلام فى حيفا، مدينتنا، وتفاعلنا مع بعضنا البعض بتفاهم وكإخوة...».. وكانت الآثار المترتبة على ذلك على المحرومين مؤلمة، حيث فقدوا ممتلكاتهم طيلة حياتهم. وفى القدس، يتذكر أحد المنفيين الفلسطينيين قائلاً: «لقد تركنا المنزل، والملابس، والأثاث، والمكتبة، والطعام، والبيانو العملاق الذى لا مثيل له، والثلاجة الكهربائية».
كانت المتاجر والمستودعات أهدافاً واضحة. وكانت البضائع تُسرق بكمياتٍ كبيرة وتُباع فى السوق السوداء (وغير السوداء). وفجأة وجد المستوطنون اليهود الذين لم يتمكنوا من اكتساب الثروة حتى هذه النقطة أنفسهم أمام فرصة لفتح مشاريع تجارية. وحظى الاقتصاد اليهودى بدفعة هائلة وتراجعت الرغبة فى العيش كجيران.
قيمة الأراضى المنهوبة
وفى حين يحدد المؤلف أنه إذا كان بالإمكان تقدير قيمة الأراضى الفلسطينية المنهوبة سواء من حيث المساحة أو الخصوبة والإنتاجية، فمن الصعوبة بمكان تقدير المقتنيات المهجورة بسبب التهجير سواء كانت ملابس أو مجوهراتٍ أو سيارات أو ورشاً أو مكتباتٍ.. والنماذج الأخرى من المنقولات التى يسهل حملها أو نقلها.
ولمن يعنيه الأمر فقد قدرت غرفة التحكيم الفلسطينية التابعة للأمم المتحدة فى نوفمبر1951 قيمة المنقولات الفلسطينية المتروكة بأكثر من 18,6 مليون جنيه فلسطيني.
هناك العديد من المقاطع التى تُظهر أن الجماعات شبه العسكرية الإسرائيلية قلدت سلوك مرتكبى المذابح فى وقت سابق. فى بئر سبع، يتذكر قائد لواء النقب: «ملأ الضجيج وصوت المرايا المكسورة الشوارع، وتطايرت قطع الأثاث المكسورة فى الهواء، وملأ الدخان الأسود السماء. الوسائد والبطانيات والملابس والأطعمة المُعلبة والأسلحة الهدايا التذكارية-لم يترك الناهبون شيئًا دون أن يمسوه... فقد القادة السيطرة على جنودهم».
ولقد حقق المزارعون اليهود مكاسب كبيرة، الأمر الذى حفز بدوره الرغبة فى طرد المزارعين الفلسطينيين المتبقين. فاستهدفوا المزارع والمستودعات الزراعية، واستولوا على الجرارات والأخشاب ومضخات الرى والبذور.
ومن هنا، كان الطلب على المزيد من الأراضى واستبعاد المنتجات العربية من الأسواق اليهودية أمراً حتمياً. وكما يوضح «راز» قائلاً: «بهذه الطريقة، وعلى مدى بضعة أشهر، نهب الجنود والمدنيون على حد سواء آلاف القرى فى مختلف أنحاء البلاد.
وسُرقت الأدوات والخبز اليومى للفلاحين الفلسطينيين «الحاضرين» و«الغائبين» ودُمرت. ولم يعد بوسعهم العودة إلى منازلهم المُدمرة».
إجرام وتورط
أما الجزء الثانى من الكتاب فيتناول النتائج الاقتصادية والسياسية والثقافية التى ترتبت على عمليات النهب وبصورة عامة، أصبح المستوطنون اليهود المشاركون فى هذه العمليات أصحاب مصلحة فى الدولة التى تأسست حديثاً، وكان لهم مصلحة مادية فى منع عودة الفلسطينيين المُهجرين وتوسيع المطالبات اليهودية بالأراضى الفلسطينية. أجرى المؤلف مسحًا لأوضاع المدن والبلدات الفلسطينية إبان النكبة وهى حصرًا وبالترتيب: طبريا، حيفا، القدس، ويافا وعكا.
ولقد أرسى مدى الإجرام وتورط كل من المدنيين والعسكريين الأساسى لسياسات الإقصاء والفصل العنصري. ويحمل الفصل الأول من الجزء الثانى عنوان «سم ينتشر فى شرايين المجتمع»، وهو ما يلخص هذا القسم بشكل أنيق إلى حدٍ ما. فقد أصُيب العديد من الشخصيات المحترمة بالفزع إزاء مدى الإجرام واعتقدوا أنه أفسد الشخصية الأخلاقية للبلاد. على سبيل المثال، كانت الكيبوتسات غارقة حتى أعناقها فى جنون النهب. ولكن الأصوات المعارضة واجهت القادة العسكريين الذين اعتبروا النهب سلاحاً إيديولوجياً أساسياً فى الحرب.
ويخلص «راز» إلى أن كبار الشخصيات السياسية والعسكرية منعت النهب بحكم القانون، ولكنها سمحت به بحكم الأمر الواقع. ويستشهد بقول «توفياه كوهين»، الذى زعم بعد دراسة الأدوار الإجرامية التى لعبتها المجموعتان الإرهابيتان الإسرائيليتان، الإرجون والهاجاناه: «إن الاستنتاج الوحيد الذى يمكن التوصل إليه هو أن المؤسسات القيادية أطلقت العنان للأمور».
فى الحقيقة، ربما يسهم هذا الاستنتاج فى مساعدة أولئك الذين يبحثون عن إجاباتٍ فى خضم الاضطرابات السياسية الإسرائيلية الحالية. فلا يتفاجأ أحد من اكتشاف حقيقة أن الشرير الذى كان محور النهب لم يكن سوى أول رئيس وزراء لإسرائيل، «ديفيد بن جوريون».
وهناك قسم مفيد للغاية حول كيف نجت «الناصرة» من مصير مدن أخرى بسبب ارتباطها بالإيمان المسيحي. فقد أصدر «بن جوريون» تعليماته للقادة هناك بدخول المدينة فقط برفقة أفراد موثوق بهم.. وأن يكونوا مستعدين لاستخدام المدافع الرشاشة ضد أى قوات تعصى الأوامر.
فى المجمل، نجح «آدم راز» فى تأليف كتاب يوفر الدليل اللازم لكسر «مؤامرة الصمت» حول أصول الدولة الإسرائيلية.
مع ذلك فهناك عدد من المنتقدين سوف ينتقدون كتاب «النهب»، لأنه لم يكن صارماً بما فيه الكفاية مع الصهيونية، ولأنه لم يقدم شهاداتٍ كافية من الفلسطينيين، ولأنه أغفل بشكل صارخ جرائم القوى الاستعمارية. ولكن مفهوم من تلقاء نفسه أن الكتاب كُتب بغرض دفع الإسرائيليين إلى النظر بصدق إلى تاريخهم على أمل أن يصبح هذا جزءاً من الخطاب الوطني.
وكما خلص «آدم راز» قائلاً : «لا يمكن خلق الخلاص الداخلى إلا من خلال النظر مباشرة إلى الوجه الوحشى للحقيقة».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.