إعلام إسرائيلي: هجوم بالمسيرات على قاعدة للحرس الثوري الإيراني في بستان آباد    الجيش الإسرائيلي: اعتراض مسيرة إيرانية في منطقة البحر الميت    انطلاق مباراة باريس سان جيرمان وبوتافوجو في مونديال الأندية    الجيش الإسرائيلي: إسقاط مسيّرة حاولت اختراق الأجواء من فوق البحر الميت    التشكيل الرسمي لمباراة باريس سان جيرمان ضد بوتافوجو فى كأس العالم للأندية    إسكان النواب: الانتهاء من مناقشة قانون الإيجار القديم تمهيدًا لإقراره نهاية يونيو    شيرين رضا: والدي قالي الستات مش هتحبك.. لكن الجمال نعمة وأنا مبسوطة بها    الوكالة الدولية: منشأة التخصيب الجديدة التي أعلنتها إيران في أصفهان    سعر الفراخ البيضاء والحمراء وكرتونة البيض الأبيض والأحمر بالأسواق الجمعة 20 يونيو 2025    "مش كل لاعب راح نادي كبير نعمله نجم".. تعليق مثير للجدل من ميدو بعد خسارة الأهلي    تعليق مثير للجدل من إبراهيم فايق عقب خسارة الأهلي من بالميراس    «الطقس× أسبوع».. معتدل إلى شديد الحرارة والأرصاد تحذر من اضطراب الملاحة والرياح والشبورة بالمحافظات    السيطرة على حريق شب داخل كافيه شهير بالنزهة    اللجنة العليا للزيوت: لا نقص في السلع والمخزون الاستراتيجي يكفي 11 شهراً    مينا مسعود: «ملك الأكشن بالنسبالي أحمد السقا مش توم كروز» (فيديو)    اليوم.. مصر للطيران تنظم اليوم 11 رحلة جوية لعودة الحجاج    الجبهة الداخلية المصرية متماسكة في مواجهة كل الأخطار    محافظ المنيا يشهد مراسم تجليس نيافة الأنبا بُقطر أسقفًا لإيبارشية ديرمواس    «الطقس سيء».. مروان عطية يعلق على خسارة الأهلي أمام بالميراس    الاتحاد الأفريقي يعلن مواعيد دوري الأبطال والكونفدرالية    10 صور لاحتفال وزير الشباب والرياضة بعقد قران ابنته    إير كايرو توسّع أسطولها الجوي بتوقيع اتفاقية جديدة في معرض باريس للطيران    إيران تعلن مهاجمة بنى تحتية عسكرية في إسرائيل بمسيرات قتالية تستخدم لأول مرة    قبل الغلق.. رابط التقديم لوظائف المدارس المصرية اليابانية 2026    سعر الذهب اليوم وعيار 21 الآن بعد آخر تراجع بمستهل تعاملات اليوم الجمعة 20 يونيو 2025    إيران تعلن عن غارات إسرائيلية على مناطق لويزان وبارتيشن ودماوند شرق طهران    ثقافة الفيوم تناقش أثر المخدرات على الشباب وتقدم مسابقات ترفيهية للأطفال.. صور    «إنجاز طبي جديد».. تحت مظلة منظومة التأمين الصحي الشامل    لينك نتيجة الصف الثالث الإعدادي في القليوبية برقم الجلوس    خبير في الحركات الإسلامية: الإخوان يستخدمون غزة كغطاء لأجنداتهم التخريبية    مصرع شاب غرقًا بترعة المحمودية في البحيرة    أستاذة علوم سياسية: الصراع الإيراني الإسرائيلي تحول إلى لعبة "بينغ بونغ" عسكرية    البطريركية القبطية في جنوب أفريقيا تقود صلاة الغروب الأرثوذكسية: "سلامي أتركه لكم"    خبير اقتصادي: البنوك المركزية قد تعود لرفع الفائدة هربًا من موجة تضخم جديدة    ياسر ريان: لو ودع الأهلي المونديال سيكون بسبب التعادل أمام إنتر ميامي    رسميا بعد الارتفاع الجديد.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الجمعة 20 يونيو 2025    تعرف على ترتيب مجموعة الأهلي بعد خسارته وفوز ميامي على بورتو    ريبييرو: أغلقنا ملف بالميراس.. ونستعد لمواجهة بورتو    خلافات عائلية تنهي حياة خفير نظامي في الفيوم    قادة كنائس يستعرضون دروس مقاومة نظام الفصل العنصري بجنوب أفريقيا    وزير الأوقاف: تعاون مشترك مع اتحاد الجامعات لدعم الأعمال الوقفية ومواجهة الإرهاب    خبير يكشف كمية المياه المسربة من بحيرة سد النهضة خلال شهرين    هل من حق مريض الإيدز الزواج؟ نقيب المأذونين يجيب (فيديو)    بسبب بلاغ للنائب العام.. محمد رمضان يعتذر لعائلة «هلهل»    هنا الزاهد ب"جيبة قصيرة" وصبا مبارك جريئة.. لقطات لنجوم الفن خلال 24 ساعة    حدث بالفن| وفاة والدة مخرجة وفنانة تستغيث ونجمة ترد على شائعة زواجها    "وحش البحار" و"ليو".. أعمال يشاهدها الجمهور على "نتفليكس" في الصيف    محسن رضائي: لم نستخدم ورقتي النفط ومضيق هرمز ولم نلجأ لأصدقائنا بعد ولم نستخدم التقنيات الصاروخية الحديثة    طبق الأسبوع| من مطبخ الشيف الأردنية نسرين الوادي.. طريقة عمل شوربة البروكلي    كارثة تعليمية| رسوب جماعي في مدرسة يثير صدمة.. وخبير يطالب بتحقيق شامل    باحث: 36 سببًا لمرض ألزهايمر    خالد الجندى: الكلب مخلوق له حرمة والخلاف حول نجاسته لا يبرر إيذائه    نائب رئيس الوزراء يترأس اجتماع المجلس الوطني للسياحة الصحية    فاتتني صلاة في السفر كيف أقضيها بعد عودتي؟.. الأزهر للفتوى يوضح    ما حكم تشغيل صوت القرآن أثناء النوم؟.. أمين الفتوى يجيب    محافظ أسيوط يفتتح وحدة طب الأسرة بمدينة ناصر بتكلفة 5 ملايين جنيه – صور    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس 19-6-2025 في محافظة قنا    هل الحسد يمنع الرزق؟.. الشيخ خالد الجندي يوضح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التطهير العرقي في فلسطين.. تاريخ طويل من العنف والإبادة يشهد عليه كتاب «إيلان بابه»
نشر في البوابة يوم 04 - 02 - 2025

تطاردهم أحزمة نارية شكلتها قوات الاحتلال الإسرائيلي من خلال قصف جوي وبري ومدفعيات وصواريخ ملئت بها السماء والأرض ومن قبلهم الأنفاس والصدور، أبرياء لا ناقة لهم في الحرب ولا جمل، يحملون أرواحهم على كفوف أيديهم ويسابقون اللحظات العصيبة بأقدامهم الحافية، يهرولون لنقل جرحاهم إلى المستشفى فقد سئموا من إنقاذ من هم تحت الأنقاض، فيحاولون إنقاذ ما يمكن إنقاذه ولو ببقاء فرد واحد يحمل اسم العائلة.
هنا غزة وهنا المدنيون الفلسطينيون الذين يصارعون الموت في كل ثانية، فكل لحظة تمضي وهم يتبادلون شهيق وزفير بمثابة انتصار لا يتوقعوه، فأرواحهم مرهونة بقذيفة غاشمة قد تقع عليهم في أي لحظة وفي أي مكان، حتى بالمستشفيات التي يجرم استهدافها حسب القوانين الدولية، ولكن للاحتلال الإسرائيلي قوانينه الخاصة، فهم على حد وصفهم الوضيع يتعاملون مع «حيوانات بشرية»، فتم استهداف المستشفيات مدارس النازحين بشكل علني ومباشر على مرأى ومسمع من العالم أجمع وقد أغلقت المستشفيات على جرحاها في الظلام الدامس، يداوون آلامهم بالأنين والبكاء والتضرع لفك المحنة.
يقف المسعفون وسائقو عربات الإسعاف في حالة تشتت، فقد تم استهداف العشرات من سيارات الإسعاف في الفترة الأخيرة لمنع نقل المصابين للمستشفيات بشكل سريع، وكيف سيهرعون إلى إنقاذ المصابين وقد باتت السيارات المتبقية بدون وقود ساكنة كسكون الموقف الدولي، فترى الأهالي يحملون ذويهم على أعناقهم ويهرولون بهم مسافات ومسافات تصل لعشرات الكيلومترات ليصلوا بهم إلى المستشفى حيث الملاذ الآمن قبل أن يُشطب مصطلح الأمان من قاموس غزة، وهنا نرى مرضى قد وصلوا للمستشفيات بعد رحلة شقاء محفوفة بالنيران على ظهر «عربة كارو»، ولكن هيهات فالكل هاهنا بين شهيد وجريح، وقبل التقاط أنفاسهم تتساقط عليهم قوات القصف الإسرائيلي لتنتهك القانون الدولي وكافة أشكال الإنسانية، ليعودوا أدراجهم ويأخذوا المصابين فوق أسِرة المستشفيات المملوءة بالدماء ليسيروا بهم في الشوارع التي تطاردها النيران والركام المتساقط، للبحث عن مستشفى آخر، فقد قطعت سيدة مسافة 21 كم سيرًا على الأقدام لتجر مصاب من ذويها على سرير الموت، ولم يكتفِ العدوان الغاشم بذلك فقد تم استهداف الطرق المؤدية للمستشفيات بالقطاع مثلما أشار «محمود بصل» متحدث الدفاع المدني الفلسطيني، أن قوات جيش الاحتلال ترتكب جرائم إنسانية بقطاع غزة، وتقصف الطرق المؤدية إلى المستشفيات بالقطاع مما يعوق حركة سيارات الإسعاف، وأنه لا يوجد في غزة أي منطقة آمنة الآن، وأن الحياة في القطاع قد عادت لشكلها البدائي وأصبحت «العربة الكارو» تنقل المدنيين والصحفيين والأحياء والأموات، فهنا في فلسطين وبسبب تطهير عرقي غاشم، لا يسلم المصاب ولا الطبيب ولا ناقل الخبر ولا متلقيه.
قراءة في كتاب التطهير العرقي في فلسطين.. كاتب إسرائيلي يصف الحرب بأنها جريمة ضد الإنسانية
يعد كتاب «التطهير العرقي في فلسطين» للباحث الإسرائيلي «إيلان بابه» من أبرز الأعمال التي تعرّي حقائق مريرة حول ما جرى في فلسطين عام 1948، وقد نشرته مؤسسة الدراسات الفلسطينية في بيروت عام 2007، وقدم تحليلًا علميًا مفصلًا للمجازر وعمليات التهجير القسري التي تعرض لها الشعب الفلسطيني في تلك الفترة، فكشف عن عمليات تدمير واسعة للقرى الفلسطينية وطرد ما يقارب 800 ألف فلسطيني من ديارهم، مما يعتبر من أكبر المآسي في تاريخ المنطقة.
يبني «بابه» سرديته على أبحاث ووثائق تاريخية تم الإفراج عنها حديثًا، ويعرض الأحداث من منظور نقدي يناقض الرواية الإسرائيلية التي تصوّر ما حدث على أنه «حرب استقلال»، ففي حين أن الإسرائيليين يعتبرون أن ما جرى كان مجرد صراع من أجل إقامة دولة يهودية، يرى الفلسطينيون أن ما وقع كان نكبة حقيقية تم خلالها طردهم من أرضهم بشكل ممنهج وعنيف. يُظهر الكتاب، الذي يتألف من 374 صفحة، كيف كانت خطة «د» التي تم تنفيذها في عام 1948 جزءًا من سياسة مدروسة تهدف إلى تطهير الأراضي الفلسطينية عرقيًا، ومن خلال الحرق والتدمير الجماعي للقرى الفلسطينية، وحرق المنازل، وتهجير السكان، تم تحقير وإنكار حقوق الفلسطينيين، ووصف تلك الحرب النكراء بأنها جريمة ضد الإنسانية بموجب القوانين الدولية.
من زمن التوراة حتى أوج الاستعمار الأوروبي.. تطهير عرقي ممنهج عبر التاريخ
تم نشر الكتاب لأول مرة عام 2007، ويعد مرجعًا مهمًا يكشف تفاصيل خطة التطهير العرقي التي نُفذت في عام 1948، والتي تسببت في تهجير مئات الآلاف من الفلسطينيين وتدمير 531 قرية.
يبدأ «بابه» بتوضيح مفهوم «التطهير العرقي»، ويشير إلى أن هذه الظاهرة لم تكن جديدة في التاريخ، بل كان يتم تطبيقها عبر العصور، من زمن التوراة حتى أوج الاستعمار الأوروبي، ويُعرّف التطهير العرقي بأنه طرد جماعي للسكان باستخدام كل الوسائل الممكنة على خلفيات عرقية، دينية أو سياسية، كما يوضح أن هذه الجريمة تُعتبر بموجب المعاهدات الدولية جريمة ضد الإنسانية يجب أن يُحاسب مرتكبوها.
1947.. الصراع الفكري أولًا.. الفلسطينيون «كائنات غير مرئية»
وفي هذا السياق، يسرد بابه أسماء قادة يهود كبار، من بينهم دافيد بن غوريون، موشيه ديان، ويغال ألون، الذين كانوا في قلب العمليات العسكرية لتطهير فلسطين، ويبدي تعجبه بأن جريمة التطهير العرقي التي وقعت في فلسطين قد تم محوها من الذاكرة العالمية، على الرغم من وجود مراسلين صحفيين أجانب ومراقبين من الأمم المتحدة خلال تلك الفترة، كما يوضح كيف استخدم الصهاينة الأساطير التوراتية كأداة لتبرير إقامة «دولة يهودية» في فلسطين، إذ اعتبرت الحركة الصهيونية فلسطين أرضًا خالية من السكان، مما أسهم في خلق القناعة بأن الفلسطينيين ليسوا أكثر من «كائنات غير مرئية».
كما تناول قرار الأمم المتحدة رقم 181، الذي نص على تقسيم فلسطين في عام 1947، وقد لقي هذا القرار رفضًا من العرب والفلسطينيين، الذين اعتبروه تهديدًا لحقوقهم في وطنهم، وفي المقابل، رحب «بن غوريون» بهذا القرار باعتباره فرصة لتحقيق حلم «الدولة اليهودية»، مُعلنًا عن ضرورة طرد الفلسطينيين بغض النظر عن موقعهم في الأرض.
خطة «دالت» 1948.. النقطة الأبرز في عمليات التطهير العرقي
وأوضح كيف بدأت العمليات العسكرية ضد القرى الفلسطينية، ففي أوائل كانون الأول من عام 1947، بدأت الهجمات اليهودية على القرى العربية بهدف إخلائها وتهيئة الأرض لاستقبال المهاجرين اليهود، كما سلّط الضوء على شخصيات مثل إلياهو ساسون، الذي كان له دور في تنفيذ سياسات «فرق تسد» داخل المجتمع الفلسطيني، والتي ساهمت في تقويض الوحدة الفلسطينية.
واستعرض الكتاب تفاصيل خطة «دالت» التي أُقرّت في أبريل 1948، والتي شكلت النقطة الأبرز في عمليات التطهير العرقي، ومن خلال هذه الخطة، تم تدمير القرى الفلسطينية وطرد سكانها، مع ارتكاب العديد من المجازر مثل مذبحة دير ياسين، وكيف تم تدريب العصابات الصهيونية من قبل البريطانيين، وكيف سكت المجتمع الدولي عن تلك الجرائم.
مجزرة الطنطورة وحيرام 1948.. وتحويل قرية «هوج» لمزرعة خاصة ب«شارون» صرح «جلوب باشا»، رئيس هيئة الأركان في الجيش العربي الأردني، بأن حرب 1948 "حرب مزيفة"، فقد كانت التحضيرات العسكرية العربية، كما يراها، غير كافية وغير جدية، حيث افتقدت الجيوش العربية إلى الإمدادات العسكرية المناسبة والتدريب القيادي، مما سهل على القوات الصهيونية تنفيذ عملياتها العسكرية بنجاح، وبالمقابل، كانت القوات الصهيونية قد حصلت على دعم عسكري واسع من الاتحاد السوفيتي والكتلة الشرقية، وهو ما مكّنها من احتلال عشرات القرى الفلسطينية في مناطق حيفا وتل أبيب، كما ارتكبت قوات الاحتلال العديد من المجازر، أبرزها مجزرة الطنطورة في 22 مايو 1948، حيث قُتل العشرات من الفلسطينيين على يد لواء الكسندروني الصهيوني.
كما تصاعدت عمليات التطهير العرقي بين شهري يونيو وأيلول 1948، حيث دمرت العديد من القرى الفلسطينية مثل «نجد»، «برير»، «سمسم»، و«هوج»، وغيرها، وهناك قرى بأكملها تم تدميرها وتحويلها لاحقًا إلى مستوطنات يهودية، كما حدث مع قرية «هوج» التي بني عليها منزل ومزرعة خاصة ل«شارون»، وبعد الإعلان عن أول هدنة في 8 يونيو 1948، استمرت القوات الإسرائيلية في تنفيذ عمليات احتلال واسعة النطاق، وأبرزها طرد سكان مدينتي اللد والرملة في يوليو من نفس العام.
ولعل أبرز تلك المجازر، هي «عملية حيرام» في أكتوبر 1948، حيث تم القضاء على آخر معاقل المقاومة الفلسطينية في الجليل الشمالي، وقد تمت تحت مسمى ملك صور القديم، وكانت تستهدف احتلال الجليل الأعلى وجنوب لبنان، واستخدمت خلالها القوات الإسرائيلية القصف الجوي واسع النطاق، وتم نهب الأراضي الفلسطينية وتدمير القرى وطرد سكانها، مع مقاومة ضئيلة من قبل العرب في ظل غياب الدعم العسكري الفعلي.
خرق الهدنة الأولى.. وطرد 75 ألف نسمة من السكان الأصليين
في 8 يونيو 1948، أعلنت الهدنة الأولى بين الأطراف المتنازعة، لكن ذلك لم يمنع الجيش الإسرائيلي من مواصلة العمليات العسكرية، واستمر الجيش الإسرائيلي في توسيع نطاق احتلاله ليشمل منطقة الجليل، حتى انتهت الهدنة في 8 يوليو من نفس العام، وخلال الفترة بين الهدنتين، وخصوصًا بعد إعلان الهدنة الثانية في 18 يوليو 1948، قامت القوات الإسرائيلية بطرد نحو 75٫000 فلسطيني من مدينتي اللد والرملة، واحتلال قرى طيرة حيفا وكفر لام، وعين حوض، وغيرها.
وقد انهارت الهدنة الثانية سريعًا نتيجة استمرار العمليات العسكرية، وعلى الرغم من وجود مراقبين من الأمم المتحدة، فإن القوات الإسرائيلية لم تلتزم بتعهدات الهدنة، وفي أغسطس 1948، استهدفت العمليات العسكرية الإسرائيلية المدن والقرى الفلسطينية بشكل منهجي، مما عزز من محاولات القيادة الصهيونية لإقامة دولة يهودية في معظم أنحاء فلسطين، وفي أكتوبر 1948، بقيت بعض المناطق في الجليل الشمالي تحت سيطرة المتطوعين الفلسطينيين المدعومين بجيش الإنقاذ، وتم القضاء على المقاومة الفلسطينية في منطقة الجليل في عملية عسكرية عنيفة عُرفت ب«عملية حيرام»، وتم طرد الأهالي من القرى وتحولت إلى مستوطنات يهودية أو غابات طبيعية.
اعتقالات جماعية وانتهاكات.. وتحويل الأماكن المقدسة لخمارات ومزارع أبقار وحدائق بين أكتوبر 1948 و1949، بدأ ما عُرف بمرحلة التطهير العرقي النهائية، حيث تم اقتلاع الفلسطينيين من قراهم الأصلية بالقوة والتهديد، ورغم مراقبة الأمم المتحدة لهذه العمليات، لم تُصدر أي قرارات تدين ما كان يحدث، رغم إصدارها قرار تقسيم فلسطين في عام 1947، وفي نوفمبر 1948، تم إجلاء القوات المصرية من الأراضي الفلسطينية، وواصلت إسرائيل احتلال مناطق جديدة، بما في ذلك النقب، وصولًا إلى ميناء إيلات «أم الرشراش» على البحر الأحمر. وفيما بعد، أُخضع الفلسطينيون المتبقون تحت الحكم العسكري، لانتهاكات عديدة، من بينها مصادرة ممتلكاتهم، والاعتقالات الجماعية والتعذيب، وصولًا إلى استغلالهم في العمل الشاق في معسكرات للعمل الإجباري، وكذلك جرائم الاغتصاب الوحشية، بما في ذلك حادثة اغتصاب وقتل فتاة فلسطينية في الثانية عشرة من عمرها، والانتهاكات الجسيمة للأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية، مثل تحويل المساجد والكنائس إلى خمارات أو مزارع للأبقار.
سرقة الأرض الفلسطينية 1950 - 2000.. وتأسيس لجنة التسميات العبرية
تم إصدار عدة قرارات من الكنيست والمؤسسات الإسرائيلية الأخرى، تهدف إلى الاستيلاء على أراضٍ فلسطينية، لكن الأشد قسوة كان محو الهوية الفلسطينية عبر سرقة الأسماء وتحويل المواقع العربية إلى أسماء عبرية، مما يهدف إلى تثبيت الرواية الصهيونية حول يهودية فلسطين بشكل مزيف وغير مباشر، كما أسس الصهاينة لجنة تسمى "لجنة التسميات الرسمية"، وهي لجنة متخصصة في إطلاق أسماء عبرية على المواقع التي كانت تحت سيطرة اليهود، سواء تم شراؤها أو احتلالها بالقوة أثناء النكبة، كما قامت إسرائيل بزراعة الأراضي التي كانت تحتضن هذه القرى بأشجار حرجية، بهدف طمس معالم القرى المدفونة، لكن الذاكرة الفلسطينية بقيت حية، وأصبحت الغابات التي زرعها الاحتلال ساحةً لنضال اللاجئين الفلسطينيين في إحياء ذكرى قراهم، كما أسس الصندوق القومي اليهودي حدائق عامة في مواقع القرى المدمرة، وزرع فيها أشجارًا مثل الصنوبر والسرو، لكن الغريب أن بعض المناطق رفضت أن تنمو فيها تلك الأشجار، لتظهر من بينها أشجار الزيتون كرمز للمقاومة الفلسطينية ضد التزوير.
نكسة 1967.. رفض الانسحاب ومنع مناقشة حق العودة لللاجئين الفلسطينيين
أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرار رقم 194، والذي يضمن حق العودة للاجئين الفلسطينيين وتعويضهم عن الأضرار التي لحقت بهم، ولكن أنكرته إسرائيل بدعم من الدول الغربية، وتم باستمرار استبعاد قضيتي النكبة واللاجئين عن جدول أعمال مفاوضات السلام، وبعد حرب 1967، وفي ضوء الاحتلال الإسرائيلي لما تبقى من فلسطين، بدأت محاولات لإحلال السلام، ولكن بسبب الموقف الأمريكي المؤيد لإسرائيل، ومراعاة الحلول التي ترفض حق العودة للفلسطينيين، أصبحت هذه المحاولات غير مثمرة، فقد رفضت إسرائيل الانسحاب الكامل من الأراضي المحتلة، كما أهدرت اتفاقيات أوسلو وغيرها من الاتفاقيات، كما أصدر الكنيست الإسرائيلي قانونًا يمنع أي مفاوض إسرائيلي من مناقشة حق العودة للاجئين الفلسطينيين.
إسرائيل القلعة.. تثبيت إسرائيل كدولة يهودية نقية خالصة بعد 1967
تم اتخاذ العديد من القرارات العنصرية لتثبيت إسرائيل كدولة يهودية خالصة وبهدف تقليل عدد السكان الفلسطينيين في إسرائيل، ويشير الكاتب إلى تصريحات بنيامين نتنياهو، التي يعبر فيها عن مخاوفه من أن يشكل العرب 40٪ من السكان، ويعتبر ذلك تهديدًا لنقاء الدولة اليهودية، كما يرى أن نسبة 20٪ من العرب داخل إسرائيل تمثل «مشكلة»، مما يبرز التوجه الإسرائيلي الدائم لمواجهة «المشكلة السكانية» عبر تشجيع الهجرة اليهودية من مختلف أنحاء العالم.
البيت الأحمر والأخضر سابقًا.. مقر الهاغانا وجامعة تل أبيب حاليًا
بدأ المؤلف كتابه بمقدمة عنوانها: البيت الأحمر، الذي هو مقر قيادة الهاغانا ويعد من أفضل نماذج البناء في تل أبيب، وأما البيت الأخضر فهو نادي هيئة التدريس والإدارة في جامعة تل أبيب والذي كان أصلًا بيت مختار قرية الشيخ مؤنس، حيث أقيمت جامعة تل أبيب على أرض هذه القرية الفلسطينية، حيث قال «إن البيت الأخضر هو الصورة المصغرة لإنكار الخطة الصهيونية التي بموجبها جرى تطهير فلسطين عرقيًا والتي تم وضعها في الطبقة الثالثة من البيت الأحمر»، كما عتب الكاتب على علماء جامعة تل أبيب خاصة علماء الاقتصاد والجغرافيا والتاريخ والفلسفة، لأنه لا يوجد فيهم من كتب أو وثق الأعمال التي قامت بها القوات الصهيونية ضد الفلسطينيين.
حرب أكتوبر1973
تعد حرب أكتوبر 1973 نقطة تحوّل في مسار القضية الفلسطينية، على الرغم من أن الحرب لم تكن مباشرة بين الفلسطينيين وإسرائيل، إلا أنه في أعقاب حرب أكتوبر 1973، بدأ العالم يدرك أن القضية الفلسطينية لا يمكن أن تُحلّ دون إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، فبعد الهجوم المفاجئ من الجيوش العربية على إسرائيل، شعرت تل أبيب بالتهديد العميق، ما دفعها للبحث عن حل دبلوماسي يتضمن التسوية مع العرب والفلسطينيين.
انتفاضة الأقصى 2000.. رد فعل فلسطيني على زيارة شارون للمسجد الأقصى
في عام 2000، وبعد سنوات من المفاوضات التي لم تؤدِ إلى نتيجة ملموسة، اندلعت انتفاضة الأقصى، التي كانت ردًا على سياسة إسرائيل الاستيطانية وتصعيد العمليات العسكرية في الأراضي الفلسطينية، وكانت زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي «أرئيل شارون» إلى المسجد الأقصى في سبتمبر 2000 الشرارة التي أشعلت الانتفاضة، وقد اعتبر الفلسطينيون تلك الزيارة استفزازًا واضحًا لرموزهم الدينية والتاريخية.
7 أكتوبر 2023.. حصيلة ضخمة من الخسائر والدمار
في 7 أكتوبر 2023، نفذت حركة حماس هجومًا مفاجئًا على إسرائيل، واستمر لمدة 476 يومًا، وهو الهجوم الذي وصفه كثيرون بأنه أحد أعظم التصعيدات العسكرية في تاريخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، تحت مسمى «عملية الأقصى»، حيث استهدفت حماس مجموعة من المواقع العسكرية والمدنية الإسرائيلية باستخدام الأسلحة المتطورة، بما في ذلك الصواريخ والقذائف، والهجوم المباشر على المستوطنات الإسرائيلية.
ومنذ بداية الهجمات الإسرائيلية في 7 أكتوبر 2023، قُتل ما لا يقل عن 46٫707 فلسطينيين، وأُصيب أكثر من 110٫265 آخرين، بمعدل 100 شهيد يوميًا طوال 467 يومًا، ومع سكان غزة البالغ عددهم حوالي 2.3 مليون نسمة، بينهم نسبة كبيرة من الأطفال، انخفض عدد السكان بنسبة 6٪ منذ بداية الحرب، ووفقًا للتقارير، لا يزال هناك 11٫160 فلسطينيًا في عداد المفقودين، فيما تسببت الغارات الإسرائيلية في دفن العديد من الجثث تحت الأنقاض، كما غادر حوالي 100 ألف فلسطيني القطاع.
دمار شامل في غزة.. إنهاء حرب ال476 يومًا
التدمير الذي خلفته الحرب في غزة كان غير مسبوق، ووفقًا لتحليل أجرته مراكز بحثية، دُمر ما لا يقل عن 60٪ من المباني في القطاع، بما في ذلك المدارس والمستشفيات، وحسب تقرير الأمم المتحدة، تضرر أو دُمّر 88٪ من المدارس و92٪ من المنازل، بينما دُمرت 68٪ من الأراضي الزراعية، وقد سُجلت أيضًا خسائر في شبكات الطرق والأنظمة الخدمية الأساسية، مما جعل غزة أشبه بخرابة.
كما تسبب القصف المتواصل في نزوح حوالي 9 من كل 10 فلسطينيين في غزة، إذ اضطر العديد منهم إلى الانتقال من مكان إلى آخر عدة مرات، وأصبح أكثر من 625 ألف طفل دون تعليم، بينما تحولت المدارس إلى ملاجئ للنازحين، كما فقد القطاع الزراعي أكثر من 68٪ من أراضيه الزراعية، ما يعكس حجم المأساة الإنسانية التي يعيشها الفلسطينيون.
ووفقًا للخبراء، سيستغرق الأمر عقودًا لإزالة الأنقاض وإعادة بناء غزة، وبحسب تقديرات الأمم المتحدة، دُمرت حوالي 42 مليون طن من الأنقاض، ومن المتوقع أن تكون عملية إعادة الإعمار طويلة ومعقدة، وستحتاج إلى دعم دولي كبير لتوفير المواد اللازمة وإعادة بناء البنية التحتية المدمرة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.