شبّه وزير المالية المصرى، حازم الببلاوى، خلال المؤتمر الصحفى الذى عقده منذ ثلاثة أيام، الأزمة المالية الحالية فى أمريكا، التى تسببت فى تخفيض تصنيفها الائتمانى للتشكك فى قدرتها على سداد ديونها، بالوضع المالى المصرى الذى يصارع من أجل السيطرة على معدلات العجز فى الموازنة العامة مع ارتفاع متطلبات الانفاق ونقص الموارد. وهو التشابه الذى دعا الببلاوى إلى التأكيد على ضرورة الالتزام بالتقشف فى الانفاق العام لتجنب الوقوع فى ازمات مشابهة لما يحدث فى اقتصادات امريكا واوروبا حاليا، بينما ترى تحليلات اخرى أن تلك الموجة من الازمات المالية تستدعى إعادة توزيع الاعباء على الفئات الاعلى دخلا بدلا من الدفع الى المزيد من التقشف. وهناك ثلاثة أوجه للتشابه بين الوضع الاقتصادى المتأزم فى مصر والأزمات الاقتصادية المشتعلة فى الغرب، وهى: 1 الشعب يريد انتقاد سياسات التقشف كان من أبرز أوجه التشابه بين المشهدين المصرى والغربى، حيث دخلت القوى الشعبية بشكل مفاجئ فى المعادلة السياسية، وربما تكون الحركة الشعبية فى إسبانيا من أكثر الحركات الاجتماعية تشابها مع ما يحدث فى مصر، ففى 19 من يونيو الماضى دعت العديد من القوى السياسية وحركات اجتماعية نشطة فى إسبانيا، كحركة تسمى «15 مايو»، إلى تظاهرات للاعتراض على السياسات الاقتصادية القائمة والتى وصلت بمعدل البطالة الى 21%، وهى التظاهرات التى ادعت وسائل الاعلام أن من سيشاركون فيها سيكونون اقلية لا تعبر عن رأى الشعب وأنه من المرجح أن يشترك فيها «بلطجية»، وتفاجأت تلك الدوائر الاعلامية بالمشاركة الشعبية الضخمة لتصبح أكبر تظاهرة إسبانية منذ الازمة المالية. السبب الرئيسى وراء هذا النمط من تلك الحركات التظاهرية هو الشعور العام الذى يسود مجتمعات كالمجتمع الاسبانى بأن سياسات كتخفيض الانفاق على التعليم والصحة، وتمتع الفئات الاعلى دخلا بتخفيضات ضريبية، والتى تتبعها البلاد لتدبير النفقات لسداد ازمة المديونية التى ساهمت فيها الازمة المالية العالمية، جعلت الفقراء يدفعون ثمن تلك الازمة، وهو ما يشبه السياسات التقشفية التى اتبعتها مصر بعد الثورة بهدف توخى الدخول فى ازمة مالية من خلال تخفيض عجز الموازنة العام للعام المالى الحالى من نحو 11% الى 8.5%. 2 سياسات مالية منحازة للأكثر ثراء اعتبر العديد من المحللين أن الولاياتالمتحدةالامريكية كانت على رأس الدول التى حملت الفئات الاقل دخلا اخطاء الازمة المالية العالمية، من خلال الانفاق على خطط انقاذ للمؤسسات المالية الضخمة التى تعثرت فى الازمة من أموال دافعى الضرائب، وهو الوضع الذى اثار جدلا تطور بشكل أكبر فى الايام الاخيرة مع استمرار تأزم الوضع الاقتصادى بسبب التباطؤ الاقتصادى وتعرض الولاياتالمتحدة للتعثر فى سداد مديونياتها، مما تطلب خطة انقاذ جديدة وتضحيات تقشفية جديدة لتخفيض عجز الموازنة وضمان قدرة امريكا على سداد ديونها. وتقول الخبيرة الامريكية ايمى جودمان، أنه من المرجح فى ظل السياسات التقشفية المتبعة تخفيض نفقات برامج الغذاء والاسكان والرعاية الطبية، ويأتى ذلك فى الوقت الذى تتبع فيه الولاياتالمتحدة سياسات لتخفيض الضرائب على الاستثمار وعلى الفئات الاعلى دخلا منذ الثمانينيات، وهو ما تسبب فى دفع الحكومة الى الاعتماد على الاقتراض بشكل كبير مع تزايد الفجوة بين الانفاق والاستهلاك مما اوصل البلاد الى مرحلة الاضطرار للتقشف لسداد الديون، برأى محللين، وهو ما دعا جودمان لوصف خطة اوباما للخروج من مأزق المديونية بأنها «انقضاض على مكتسبات سياسة الرفاهة التى رسخها الرئيس السابق روزفلت فى منتصف القرن الماضى». وفى مصر أيضا اعترض العديد من المحللين على الابقاء على توحيد ضريبة الدخل بين الاقل والاعلى دخلا عند نسبة 20%، وحاولت الحكومة أن تستجيب لدعاوى سد عجز الميزانية من خلال اعادة هيكلة السياسات الضريبية، ففرضت 5% إضافية من الضرائب على الشرائح الاعلى دخلا، بعد مقاومة ضغوط من مجتمع الاعمال لوقف هذا الاجراء، ونجحت تلك الضغوط فى وقف مشروع ضريبى آخر بفرض 10% ضريبة على توزيعات الارباح بالشركات. 3 انفصال النخبة عن المجتمع حرب العراق، التى اعتبرها العديد من الأمريكيين واحدة من اكبر الاخطاء التى قامت بها بلادهم، تعد الآن من ابرز المتسببين ايضا فى الازمة المالية الامريكية، وهو الوضع الذى يعكس عدم قدرة الديمقراطية الامريكية على إفراز نخب سياسية تعبر عن مصالح المجتمع الحقيقية. وتشير مقالات تحليلية الى ارتباط سياسات مكلفة مثل الحروب بتفاقم الدين الامريكى، وهو ما دعا الولاياتالمتحدة الى فرض سقف على المديونية الامريكية منذ عام 1917، خلال الحرب العالمية الاولى، لتقييد سلطات الرئيس فى هذا المجال، الا انه بعد نحو قرن اضطرت امريكا لرفع سقف المديونية لاقتراض المزيد من الاموال لعلاج الآثار الاقتصادية لحرب العراق. وازدادت صورة النخبة السياسية سواء فى الولاياتالمتحدة بعد الصراعات التى خاضها الحزبان الديمقراطى والاجتماعى حول شروط اتفاق رفع سقف الدين بما اوصل البلاد الى حافة الازمة مع تأخر الاعلان عن هذا الاتفاق الى اللحظات الاخيرة. وهو المشهد الذى دعا بعض المحللين للمناداة بضرورة انهاء الثنائية الحزبية التى تحتكر العمل السياسى فى البلاد ولا تعبر عن العديد من المطالب الاجتماعية بها. وفى مصر كان انفصال النخبة السياسية عن المجتمع واضحا أيضا بعد أن رفعت ثورة يناير شعار «لا معارضة ولا احزاب» وكان ملمحا من ملامح الثورة الارجنتينية التى سبقتها بنحو عشر سنوات رافعة شعار «بعيدا عن السياسيين»، وهو أيضا الوضع الذى يتكرر فى العديد من الدول الاوروبية مما جعل للحركات الاجتماعية ولشبكات التواصل على الانترنت دورا محوريا فى إدارة الصراع السياسى الاجتماعى، لترسل المجتمعات رسالة سريعة وقصيرة على طريقة «تويتر»، بضرورة إعادة النظر فى السياسات الاقتصادية من خلال توزيع الأعباء على الفئات الأعلى دخلا، بدلا من فرض المزيد من التقشف للخروج من أزمات المديونية. جريدة الشروق