في ظل نظام قمعي يحكم بشرعية وضع اليد , كان من المشروع بل و من الواجب الثورة عليه و الإطاحة به و المطالبة بتفكيك خلاياه التي ما زالت تحتفظ بقدرتها على الفعل و الإحداث. مطالب الثورة مطالب شرعية تستمد شرعيتها من عموميتها حيث لا تختص بإسترداد حقوق فئة دون أخرى و ايضا تستمد شرعيتها من عدل مطالبها , ولا يجب ان تتوقف الثورة حتى تتاكد تماما من تفكيك النظام القديم بأسره و التخلص من بقاياه ممن لهم القدرة على اعادة احياء هذا النظام و لو بملامح مختلفة. من شارك في هذه الثورة دفع اثمانا متفاوتة من قبل بداية الاحداث كمن تعرض لفقدان عمله او للإعتقال او لتشويه السمعة و في اثناء الثورة تعاظمت التكلفة على من شارك فيها لتتمثل في فقدان الانفس و الاصابة بعاهات مستديمة و صنوف اخرى من الاعتداء البدني و النفسي , و لم يكن يخرج احد من هؤلاء طالبا لمغنم شخصي , انما خرجوا لينتزعوا حقوقا لهم كما هي لغيرهم ممن آثر السلامة و اكتفى بمتابعة الاحداث من الشاشات. و انتهت المرحلة الحرجة من مراحل الثورة و هي نزع رأس النظام و توالت مراحل أخرى أقل خطورة و لكن لا تقل أهمية, تحمل تلك المراحل جميعا هدف إسقاط النظام. و بينما الثوار منكبون على غرس بذرة الثورة الطيبة في ارض الوطن الخصبة و ريها بدمائهم و حمايتها باجسادهم , اذ يأتي من يعتلي ظهورهم و يسدد طعنات غادرة و يتسابق على قطف ثمار لم تنبت بعد. منبع المرارة ان تأتي تلك الطعنات ممن افتداهم الثوار بأنفسهم و كأن المريض الذي اتعب الطبيب في علاجه إذ به يقوم بعد ان ذهب ما به من بلاء ليطعن الطبيب الذي انهكه علاج مريضه , أي خسة و أي حقارة تلك. ليس بي حاجة الى نفاق النظام او الى نفاق الجمهور , و لذلك اقولها و لو كنتم بالملايين, انتم يا من تعادون الثوار و تحملوهم ما لا يد لهم فيه , انما انتم احقر و ارذل من انجبت مصر , لا ينافسكم في خستكم الا هؤلاء الذين خرجوا علينا بمطالب فئوية ليزيدوا من لي ذراع قد اوشك على الانخلاع و يتخطوا مطلب إسقاط نظام الى التهديد بإسقاط دولة. كيف يتقوّل هؤلاء بان مجموعة من المحتجين مجتمعين في مكان جغرافي ضيق كميدان التحرير و لمدة زمنية قصيرة كساعات و في يوم عطلة رسمية و هو يوم الجمعة , كيف يقولون انهم السبب في تعطل حركة الانتاج و سير العمل, بأي عقلية يفكر هؤلاء , هل يفكرون بعقلية الذي يبرر لنفسه تقاعسه او تورطه ام يفكرون بمنطق الرافض ان ينهزم نفسيا , ام بمنطق الذي يأبى الرجوع الى الحق, الا فشاهت الوجوه. كيف يمكن لفئة اخرى كانت وقودا لهذا النظام الفاسد , فئة كانت تشحن الى صناديق الاقتراع ليشهدوا شهادة زور , فئة انتشرت فيها الرشى حتى صارت تسمى هدية , فئة من اقل الفئات إنتاجية على مستوى العالم , يخرج علينا هؤلاء و ما اكثرهم ليطالبوا بما يعتقدون انها حقوقهم و هذا محل جدل , و لكنهم يطلبون ما يطلبون في الوقت الذي يعاني منه جسد الوطن من جراح عميقة , و بدلا من ان يساعده هؤلاءعلى ان يستعيد شفائه و ان يتخطى مرحلة النقاهة و بدلا ان يكونوا مثالا للفداء كما كان اخوانهم في الميدان, و لكنهم ابوا الا ان يكشفوا عن وجوها قبيحة مريضة بداء الاستغلال و الانتهازية , رأت في الوضع الحالي فرصة سانحة لان تنتزع بعض المغانم لنفسها , متناسية انه لا يبعدنا عن الخير المتمثل في ثمار الثورة سوى ايام قليلة و ادرك القاصي و الداني ان نتائج ما احدثته الثورة كفيل بان تستعيد مصر مكانتها كدولة قوية رائدة , و لكنهم بعقول الانعام و قلوب اللئام لا يتداركون ذلك , فسحقا لهم. لا يباعد بيننا و بين اسقاط الدولة الا ثلاثة امور و هي: الاستمرار في نزع مخالب و اظفار النظام السابق , عودة الامن و انتظام سير العمل. ادعوا جميع القوى الفاعلة من كيانات و افراد الى اتخاذ ما يلزم من اجل تحقيق تلك الاهداف. اطالب المجلس الاعلى للقوات المسلحة بإتخاذ إجراءات رادعة ضد من يدعوا الى ايقاف سير العمل في تلك المرحلة بالغة الحرج التي لا تحتمل بأي وجه من الاوجه اضرابات عن العمل من الممكن احتمالها في غير هذا التوقيت و لكنها في هذا التوقيت تقارب في اثرها المدمر أثر جريمة الخيانة العظمى في وقت حرب التي يعدم مرتكبها. اطالب الحكومة الجديدة بإعطاء الأولوية لعودة الامن الى الوطن و أدعوا المواطنين الى التخلص من الروح الإنتقامية و التوجه الى القضاء لمن كانت له مظلمة. اطالب جماعة الاخوان و غيرهم من القوى السياسية و غير السياسية التي تمتلك القدرة التنظيمية العالية الى توجيه افرادها للانخراط في اعمالهم و بذل الجهد المضاعف و دعوة غيرهم الى ذلك. اطالب الثوار بالإستمرار في التخلص من بقايا النظام الفاسد و تفكيك خلاياه , فهذا النظام يخوض معركة حياة او موت بشراسة ما لا يجد ما يخسره فلا تهنوا حتى تجهزوا عليه ولا تعيروا اهتماما لاراذل الناس ممن يتهمونكم بما ليس فيكم و لكنه فيهم. اما انتم يا من تعادون الثوار او يا من تستغلون حال البلاد لطلب مغنم شخصي او فئوي فأنتم احقر من ان اطلب منكم شيئا فقد تشربت انفسكم بالخسة و الوضاعة ولا يؤلمني سوى انكم ستجنون ثمار ما تحاربونه مثلكم مثل غيركم من بني الوطن. و الله الموفق و المستعان.