تكذيب الأكاذيب.. مصطفى بكري ينفى تصريحه بأن اتحاد القبائل العربية فصيل من فصائل القوات المسلحة    غدا وبعد غد.. تفاصيل حصول الموظفين على أجر مضاعف وفقا للقانون    الكنيسة الأسقفية توفر ترجمة فورية بلغة الإشارة وتخصص ركنا للصم بقداس العيد    بث مباشر| البابا تواضروس يترأس قداس عيد القيامة بالكاتدرائية المرقسية    البنك المركزي: 8.9 تريليون جنيه سيولة محلية في البنوك بنهاية 2023    مدحت نافع: حزمة ال57 مليار دولار مع الشركاء الدوليين ستمثل دفعة قوية للاقتصاد المرحلة المقبلة    «القومى للأجور» يحدد ضمانات تطبيق الحد الأدنى للعاملين بالقطاع الخاص    آلاف الإسرائيليين يتظاهرون للمطالبة بصفقة تبادل للأسرى    سفير فلسطين لدى تونس: الصراع مع إسرائيل ليس ثنائيا.. وشعبنا يدافع عن الإنسانية    حريات الصحفيين تدين انحياز تصنيف مراسلون بلا حدود للكيان الصهيوني    ريال مدريد يقترب من لقب الدوري بثلاثية في قادش    قوات الإنقاذ النهري تكثف جهود البحث عن غريق سيدي كرير غرب الإسكندرية    تشييع جثمان العجوزة قتلت علي يد جارتها لسرقة مصوغاتها الذهبية بالفيوم    أسوان .. وفاة شخص سقط فى مياه النيل بمركز إدفو    تعرف علي موعد عيد الأضحي ووقفة عرفات 2024.. وعدد أيام الإجازة    أسبوع حافل لقصور الثقافة.. إطلاق ملتقى الجنوب في الشلاتين والاحتفال بعيد القيامة وشم النسيم    اكتشاف كتب ومخطوطات قديمة نادرة في معرض أبوظبي    دعاء يغفر الذنوب والكبائر.. الجأ إلى ربك بهذه الكلمات    أحمد كريمة يعلن مفاجأة بشأن وثيقة التأمين على مخاطر الطلاق    استشاري يحذر من شرب الشاي والقهوة بعد الفسيخ بهذه الطريقة (فيديو)    خبير تغذية يكشف فوائد الكركم والفلفل الأسود على الأشخاص المصابين بالالتهابات    بالصور.. محافظ الوادي الجديد يزور كنيسة السيدة العذراء بالخارجة    خبير اقتصادي: الدولة تستهدف التحول إلى اللامركزية بضخ استثمارات في مختلف المحافظات    السعودية تصدر بيان هام بشأن تصاريح موسم الحج للمقيمين    استشاري تغذية يقدم نصائح مهمة ل أكل الفسيخ والرنجة في شم النسيم (فيديو)    لوبتيجي مرشح لتدريب بايرن ميونيخ    أمريكا والسفاح !    شروط التقديم على شقق الإسكان الاجتماعي 2024.. والأوراق المطلوبة    وزير الشباب يفتتح الملعب القانوني بنادي الرياضات البحرية في شرم الشيخ ..صور    رسميا .. مصر تشارك بأكبر بعثة في تاريخها بأولمبياد باريس 2024    التعادل السلبي يحسم السوط الأول بين الخليج والطائي بالدوري السعودي    السجن 10 سنوات ل 3 متهمين بالخطف والسرقة بالإكراه    بعد القضاء على البلهارسيا وفيروس سي.. مستشار الرئيس للصحة يزف بشرى للمصريين (فيديو)    موعد ومكان عزاء الإذاعي أحمد أبو السعود    مفاجأة- علي جمعة: عبارة "لا حياء في الدين" خاطئة.. وهذا هو الصواب    ميرال أشرف: الفوز ببطولة كأس مصر يعبر عن شخصية الأهلي    محمد يوسف ل«المصري اليوم» عن تقصير خالد بيبو: انظروا إلى كلوب    حريق بمنزل وسط مدينة الأقصر    لاعب تونسي سابق: إمام عاشور نقطة قوة الأهلي.. وعلى الترجي استغلال بطء محمد هاني    استعدادًا لفصل الصيف.. محافظ أسوان يوجه بالقضاء على ضعف وانقطاع المياه    ما حكم أكل الفسيخ وتلوين البيض في يوم شم النسيم؟.. تعرف على رد الإفتاء    «الصحة» تعلن أماكن تواجد القوافل الطبية بالكنائس خلال احتفالات عيد القيامة بالمحافظات    خريطة القوافل العلاجية التابعة لحياة كريمة خلال مايو الجارى بالبحر الأحمر    الانتهاء من 45 مشروعًا فى قرى وادى الصعايدة بأسوان ضمن "حياة كريمة"    الخارجية الروسية: تدريبات حلف الناتو تشير إلى استعداده ل "صراع محتمل" مع روسيا    رويترز: قطر قد تغلق مكتب حماس كجزء من مراجعة وساطتها بالحرب    القوات المسلحة تهنئ الإخوة المسيحيين بمناسبة عيد القيامة المجيد    التموين: توريد 1.5 مليون طن قمح محلي حتى الآن بنسبة 40% من المستهدف    أوكرانيا: ارتفاع قتلى الجيش الروسي إلى 473 ألفا و400 جندي منذ بدء العملية العسكرية    أبرزها متابعة استعدادات موسم الحج، حصاد وزارة السياحة والآثار خلال أسبوع    السكة الحديد تستعد لعيد الأضحى ب30 رحلة إضافية تعمل بداية من 10 يونيو    ماريان جرجس تكتب: بين العيد والحدود    رئيس الوزراء يتفقد عددًا من المشروعات بمدينة شرم الشيخ.. اليوم    مي سليم تروج لفيلمها الجديد «بنقدر ظروفك» مع أحمد الفيشاوي    هل بها شبهة ربا؟.. الإفتاء توضح حكم شراء سيارة بالتقسيط من البنك    برج «الحوت» تتضاعف حظوظه.. بشارات ل 5 أبراج فلكية اليوم السبت 4 مايو 2024    المطرب هيثم نبيل يكشف كواليس فيلم عيسى    هبة عبدالحفيظ تكتب: واقعة الدكتور حسام موافي.. هل "الجنيه غلب الكارنيه"؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بالمفاجآت العشر.. تونس تنتقم من ليلى الطرابلسي وتنتصر لكرامة العرب

يبدو أن إنجازات انتفاضة الشعب التونسي والتي وصفها البعض بمعجزة 2011 لن تقف فقط عند حدود إعادة صياغة التاريخ العربي الحديث وإنما قد تكون أيضا كلمة السر في إجهاض مخطط الفوضى الهدامة الذي أعدته أمريكا وإسرائيل وكان يجري على قدم وساق ضد عدة دول عربية أبرزها اليمن ولبنان والسودان.

ولعل الرسائل والمفاجآت العديدة التي تضمنتها تلك الانتفاضة ترجح صحة ما سبق وتبعث بتحذير للجميع مفاده أن الشعوب العربية مازالت تنبض بالحياة والعزة والكرامة رغم البطش الأمني وتردي الأوضاع المعيشية والتدخلات الأجنبية السافرة .
والبداية في هذا الصدد مع حادثة الشاب التونسي محمد البوعزيزي الذي كان شخصا عاديا وسرعان ما تحول إلى بطل قومي ليس في عيون التونسيين فقط وإنما في عيون العرب جميعا بل إن التاريخ سيخلد اسمه بحروف من نور باعتبار أنه كان الشرارة التي دشنت لمرحلة جديدة في التاريخ التونسي والعربي الحديث لدرجة دفعت البعض للقول إن المشهد العربي بعد 14 يناير وهو تاريخ الإطاحة بنظام بن علي لن يكون كما كان عليه قبل هذا التطور الدراماتيكي.
خروج المارد من النفوس
ورغم أنه من السذاجة تبسيط ما حدث في تونس منذ 18 ديسمبر 2010 في إطار ما فعله البوعزيزي عندما حرق نفسه احتجاجا على إهانته من قبل شرطية ، إلا أن اللافت للانتباه أن هذا الشاب التونسي البسيط فجر ما كان بداخل نفوس كافة أفراد شعبه وهو أنه لم يعد لدى أحد ما يخسره بعد أن وصل الظلم والبطش والفساد مداه ولذا لابد من وقفة حازمة تعيد الأمور إلى نصابها الصحيح .
ويبدو أن المفاجآت لن تقف عند حدود ما سبق ، فقد سلطت حادثة البوعزيزي الضوء أيضا على أن أغلب الحكومات العربية التي تعتمد على قبضة أمنية مشددة وتسيطر بقوة على وسائل الإعلام وتسحق المعارضة تجاهلت حقيقة هامة وهي أن شرارة الغضب ضدها قد تتفجر لأبسط الأسباب ولا يحتاج الأمر للزج بالإسلاميين والمعارضين في السجون أو تقييد الحريات أو الحصول على دعم الخارج لضمان البقاء في السلطة فما حدث بعد حادثة البوعزيزي يحمل فقط شعار " صنع في تونس " .

محمد البوعزيزي
بل وهناك مفاجأة ثالثة في هذا الصدد وهي أن منذ حصول الدول العربية على استقلالها من الاستعمار كان التغيير يعتمد في أغلب الحالات على الانقلابات العسكرية أو إرادة الحكام أو استجابة لضغوط خارجية ، إلا أن هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها التغيير بانتفاضة شعبية قام بها في البداية المحرومون والمهمشون وخاصة من الشباب وسرعان ما شاركت فيها كافة فئات الشعب التونسي .
ويجب الإشارة هنا إلى أنه من الخطأ إطلاق وصف "انتفاضة المحرومين " على ماحدث في تونس منذ 18 ديسمبر ، فهي كانت انتفاضة واعية وذكية وهنا تحديدا ظهرت المفاجأة الرابعة التي لم يتوقعها حتى أكثر المتفائلين ، ففرنسا وأمريكا كانتا تراهنان على أن بن علي بقبضته الحديدية سيتمكن في نهاية المطاف من السيطرة على الوضع ، إلا أن هذا لم يحدث ونجح الشعب التونسي في الإطاحة بحكم هذا الرئيس الذي وصفه بالديكتاتورية .
هذا بجانب مفاجأة خامسة وهي أن الشعب التونسي أكد للجميع أنه لا ينتظر إحسانا من بن علي بل إنه يريد حقوقه كاملة ولذا ما أن يخرج الرئيس المخلوع بخطاب يعلن خلاله الاستجابة لبعض مطالب المحتجين ، إلا وتتصاعد حدة الاحتجاجات ورغم أنه أعلن تخليه عن مهامه الرئاسية بصفة مؤقتة للوزير الأول محمد الغنوشي على أمل استعادة الهدوء إلا أن هذا لم يخدع الشعب التونسي الذي كان يعرف ما يريد تماما وهو ضرورة الإطاحة بنظام بن علي كلية وليس شخص الرئيس فقط ، ولذا فإنه أعلن رفضه بشدة تولي الغنوشي مقاليد الرئاسة وأصر على تطبيق المادة 57 من الدستور التي تنص على تنظيم انتخابات رئاسية في غضون 60 يوما في حال شغور منصب الرئيس للاستقالة أو الوفاة أو العجز التام ، هذا بالإضافة إلى دعوته للإطاحة برموز نظام بن علي ووضع دستور جديد وإنهاء نظام الحزب الواحد وإقامة نظام التعددية السياسية .
ورغم أن بعض الموالين لنظام بن علي سارعوا لتنفيذ عمليات نهب واسعة وإثارة الفوضى لنشر ما يطلق عليه "الأرض المحروقة" والإيحاء بأن الوضع في ظل نظام بن علي أفضل بكثير مما هو عليه بعد رحيله ، إلا أن المفاجأة السادسة أن الشعب التونسي كان واعيا جدا في هذا الصدد وقام بتشكيل لجان شعبية للتصدي لأعمال النهب والدفاع عن الممتلكات الخاصة ، بل وإنه بدد المخاوف تماما من احتمال قيام البعض بسرقة إنجازه التاريخي والمتاجرة به سياسيا بعد الدعوة للإسراع بتشكيل حكومة وحدة وطنية والمطالبة بحل مجلسي النواب والمستشارين والحكومة باعتبار تلك المؤسسات من رموز النظام السابق ، بالإضافة إلى مطالبته بمحاسبة كل من تسبب في إراقة دماء التونسيين ومحاكمة الفاسدين واسترجاع أموال الشعب التي نهبوها إبان نظام بن علي .
ولعل ردود الأفعال على رحيل بن علي تؤكد أن الفاسدين لن يفتلوا بجرائمهم مهما طال الزمن وتحديدا عائلة وأقارب ليلى الطرابلسي الزوجة الثانية للرئيس المخلوع وتلك هي المفاجأة السابعة.
فمعروف أن بن علي كان تزوج من ليلى الطرابلسي بعد طلاقه من زوجته الأولى نعيمة وأنجب بن علي من ليلى ثلاثة أبناء، سرين وحليمة ومحمد، وكان أنجب أيضا ثلاثة بنات من زوجته الأولى وهن : غزوة ودرصاف وسيرين.
فساد أسرة الطرابلسي

اتهامات واسعة لعائلة ليلى بالفساد
وما أن أعلن عن سقوط نظام بن علي إلا وخرج عدد من المحتجين على شاشات الفضائيات للتأكيد أن ليلى الطرابلسي نهبت أموال الشعب بل إنها اشترت طائرة خاصة ب 400 مليون جنيه من أموالهم ، هذا بالإضافة إلى عائلتها وأقاربها الذين نهبوا أكثر من ميزانية الدولة في السنوات الثلاث الماضية وأضاعوا إنجازات التنمية التي تحققت على مدى العقدين الماضيين والتي جعلت الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك يصف ما حدث في تونس من تنمية ب "المعجزة الاقتصادية ".
واللافت للانتباه أن الاتهامات السابقة كان هناك ما يبررها على أرض الواقع ، فالعائلات المقربة من نظام بن علي وخاصة عائلتي ليلي الطرابلسي والماطري كان لهم الكلمة الفصل في كثير من المؤسسات السياسية والقطاعات الاقتصادية في تونس .
بل وصدر في عام 2009 كتاب فرنسي بعنوان "حاكمة قرطاج .. الاستيلاء على تونس " أكد خلاله الصحفيان الفرنسيان نيكولا بو وكاترين راسيه هيمنة ليلى الطرابلسي على مقاليد السلطة في البلاد في السنوات الأخيرة وأنها كانت تقوم بتنصيب أفراد من عائلتها في مناصب حساسة ولعبت دورا سياسيا واسعا كان يحدد مصائر البعض وينهي مصير آخرين .
ولم يقف الأمر عند ما سبق ، فقد أشار الكتاب أيضا قصة مروان بن زينب الطالب التونسي اللامع المهتم بالمعلوماتية الذي توفي في "حادث سير" بعدما أسر لأقربائه بأنه حين تمكن من اختراق النظام المعلوماتي الإلكتروني لقصر الرئاسة في قرطاج وجد قائمة بعملاء الاستخبارات الإسرائيلية "الموساد" المعتمدين رسمياً في تونس لمراقبة القيادات الفلسطينية.
وسرعان ما كشفت إحدى وثائق "ويكيليكس" الصادرة بتاريخ 23 يونيو/حزيران عام 2008 والتي كتبها السفير الأمريكي في تونس روبرت جوديك أن محيط بن علي أشبه بالمافيا وأن ليلى الطرابلسى مكروهة من التونسيين بسبب انتهاكاتها الواسعة ، هذا بجانب اعتداء أقاربها على أملاك الآخرين وحيازة شركات مشبوهة التمويل واغتصاب شركات أخرى من أصحابها .
ووفقا للوثيقة ، فإن بلحسن طرابلسي شقيق ليلى هو الأكثر فساداً وتورطاً في مشاريع فاسدة والأكثر ابتزازاً للحصول على الرشوة ، كما أشارت الوثيقة إلى قيام ليلى الطرابلسي بالحصول على أرض في قرطاج بقيمة 1.5 مليون دولار أمريكي لتشييد مدرسة قرطاج الدولية إلا أن النتيجة كانت أن باعت ليلى المدرسة لمستثمرين بلجيكيين ، بل وكشفت الوثيقة أنه في عام 2006 سرق معاذ وعماد الطرابلسي يختاً لرجل الأعمال الفرنسي برونو روجيه.
وأمام ما سبق لم يكن مستغربا أن يشدد الشعب التونسي على ضرورة مثول كافة أركان نظام بن علي والمقربين منه للمحاكمة وخاصة ليلى الطرابلسى التي تضاربت التقارير حول مكان إقامتها بعد خلع زوجها من الحكم فهناك من أشار إلى أنها توجهت إلى الإمارات حيث لها أملاك كثيرة هناك ، إلا أنه سرعان ما شككت روايات أخرى في صحة ما سبق وأكدت أن مكان وجودها مازال مجهولا ، وجاء الإعلان في 15 يناير عن مقتل شقيقها الأصغر عماد الطرابلسي في تونس وتدمير مقر لزوجها المخلوع في قرطاج وخروج مظاهرات أمام السفارة السعودية في باريس للمطالبة بتسليمه لمحاكمته ليرجح أن محل إقامتها لن يعرف في القريب العاجل خشية أن تلقى مصير شقيقها أو أن يتم اعتقالها .
نفاق أمريكا وفرنسا


وإلى حين تكشف الأيام المقبلة كيفية معاقبة بن علي ورموز نظامه ، فإن ما حدث في تونس أحرج أيضا بشدة فرنسا وأمريكا وأظهر النفاق الغربي على حقيقته وتلك كانت المفاجأة الثامنة ، فمعروف أن نظام بن علي طالما أظهر للغرب أنه نجح في مقاومة ما أسماها "الأصولية الإسلامية " وحقق تنمية اقتصادية معقولة ، ورغم أن الغرب يزعم ليل نهار أنه حريص على نشر الحريات والديمقراطية في كافة دول العالم ، إلا أنه استخدم تلك الشعارات فقط إما لتبرير غزو دولة عربية كالعراق أو انتقاد الحكومات الموالية له في حال التأكد من قرب انهيارها .
فجمعيات معنية بالحقوق المدنية وعدد من المعارضين السياسيين طالما اتهموا نظام حكم بن علي بالاستبدادي ، إلا أن فرنسا وأمريكا اللتين تتصارعان على النفوذ في منطقة المغرب العربي تجاهلتا تماما مثل تلك الانتقادات .
بل إن وزيرة خارجية فرنسا فاجأت الجميع إبان احتدام الانتفاضة الشعبية في تونس باقتراح إرسال قوات فرنسية لمساعدة المحتجين كما أن البيت الأبيض ظل 22 يوما حتى يصدر إدانة لما يحدث في تونس وما أن تأكدت الدولتان أن حكم بن علي انتهى سرعان ما تملقتا للشعب التونسي ورفضت فرنسا استقبال حليفها الوثيق بن علي وقامت بتجميد أرصدة بعض مسئولي نظامه كما أشاد الرئيس التونسي بما أسماها "كرامة وشجاعة" الشعب التونسي بل إن وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون هي الأخرى سارعت لانتقاد الحكومات العربية الموالية لواشنطن لأن سجلها في مجال حقوق الإنسان قد يسمح بوصول الإسلاميين للسلطة رغم أن من قام باحتجاجات تونس هم من الشباب الذين لا ينتمون لأية تيارات إسلامية أو فكرية بعد أن أقصى بن علي الإسلاميين من المشهد السياسي منذ انتخابات 1989 .
ويبدو أن ما يضاعف حرج أمريكا تحديدا أن الشعب التونسي نجح بطريقة حضارية وعبر احتجاجات سلمية وبأقل الخسائر في إسقاط نظام بن علي بعكس واشنطن التي سارعت لشن حربين على العراق وأفغانستان وتدمير الدولتين لتغيير الأنظمة فيهما وهو الأمر الذي سيعيد بلا شك حسابات أمريكا في التعامل مع الشعوب العربية بعد الآن ويجعلها تفكر ألف مرة قبل ارتكاب حماقة جديدة أو تشجيع إسرائيل على ارتكاب عدوان جديد ، بل إن انتفاضة شعب تونس قد تجهض مخطط الفوضى الهدامة الذي كان يعول على التباعد بين الشعوب العربية وحكوماتها للإسراع بتقسيم الدول العربية تباعا ، إلا أن ما حدث في تونس قد يمنع مثل هذا المخطط الخبيث ويدفع الدول العربية للإسراع بالإصلاحات السياسية والتنمية الاقتصادية وإطلاق الحريات والتركيز على تحقيق ما يلبي طموحات شعوبها وليس ما يرضي واشنطن والغرب .
بل إن جنوب السودان قد يعيد حساباته حتى وإن اختار الانفصال بعد أن تأكد أن الاعتماد على الغرب هو "وهم كبير" ، ففرنسا تخلت عن حليفها ساركوزي ما أن أحست بضعفه كما أن أمريكا تخلت في الماضي عن حليفها شاه إيران السابق محمد رضا بهلوي ورفضت استقباله ما أن انطلقت الثورة الإسلامية عام 1979 وهناك أيضا ما فعلته إسرائيل مع حليفتها تركيا وهو الأمر الذي يؤكد أن الثقة بوعود الغرب خطأ استراتيجي كبير ولن ينقذ السودانيين سواء في الشمال أو الجنوب سوى حل مشاكلهم في إطار الوطن الواحد وبعيدا عن التدخلات الخارجية والاستفادة من دروس التاريخ وأخطاء الآخرين .
تحركات عربية


ورغم أن البعض يتوقع ثورات شعبية في دول عربية كثيرة على غرار تونس ، إلا أن المفاجأة العاشرة أن الأنظمة والحكومات العربية يبدو أنها بدأت تعي الدرس جيدا ولعل مسارعة الجزائر والمغرب والأردن للإعلان عن خطط لتخفيف أسعار السلع الأساسية يرجح صحة ما سبق .
ومع أن أغلب الدول العربية مازالت تعتمد على قبضة أمنية مشددة وتسيطر بقوة على وسائل الإعلام وتسحق المعارضة ، إلا أن ما حدث في تونس أكد للجميع أن حرية الإعلام قد تنقذ الرئيس أو الحاكم قبل فوات الأوان وتمنع تضليله من قبل الحاشية المستفيدة من الأوضاع القائمة ، بل إنه حتى في ظل التقييد على وسائل الإعلام ، فإنه يمكن للفضائيات الإخبارية والمواقع الاجتماعية على الإنترنت إجهاض مثل تلك "التكتيكات الاستبدادية" وتحويل احتجاج شبان محبطين في مناطق معزولة إلى حركة واسعة النطاق.

فجماعات حقوقية في تونس أكدت أن نظام بن علي حظر الوصول إلى الكثير من مواقع الإنترنت لكن ذلك لم يوقف النشطاء عن تحميل أشرطة الفيديو عن متظاهرين قتلوا وأصيبوا خلال الاحتجاجات على الشبكة العنكبوتية مما أثار مزيدا من الغضب وأعطى زخما للاحتجاجات.

بل إن قناة "الجزيرة" الفضائية رغم أنها ممنوعة من العمل في تونس نجحت وبشكل أثار الإعجاب في تغطية كل كبيرة وصغيرة تحدث في تونس وجعلت المشاهد العربي على علم بكافة الأمور ولذا لم يكن مستغربا أن تعترف السلطات التونسية بتأثير القناة في الرأي العام التونسي وبدأ وزراء من الحكومة في الظهور على الهواء لإعطاء وجهات نظرهم بشأن ما يحدث قبل أيام قليلة من الإطاحة بنظام بن علي ، بل إن الوزير الأول محمد الغنوشي سرعان ما خرج في 14 يناير ليكشف ملامح المشهد في فترة ما بعد بن علي ويدعو الدول العربية للمساعدة في تهدئة الأوضاع .
ورغم التساؤلات الكثيرة حول دور الأجهزة الأمنية في تونس والاتهامات الموجهة لها بعدم القيام بمهامها على أكمل وجه باعتبار أنها كانت تعمل لصالح نظام بن علي ، إلا أنه ومن خلال الفضائيات انكشف أيضا المستور في هذا الصدد وهو أن بن علي كان يهتم بدعم الحرس الرئاسي والشرطة على حساب الجيش وهو ما قد يفسر عدم انتشار الجيش بالشكل المطلوب لحماية المدنيين من الانفلات الأمني ، بل وظهرت دعوات كثيرة عبر الفضائيات أيضا لمحاسبة كبار المسئولين الأمنيين باعتبار أنهم عملوا لصالح نظام بن علي أكثر من الاهتمام بخدمة شعبهم .
وإلى حين الانتهاء من التحقيقات في التعامل الأمني مع انتفاضة الشعب التونسي وقضايا الفساد ، فإن العبارة الشهيرة التي رددها الشاعر التونسي الراحل أبو القاسم الشابي " إذا الشعب يوما أراد الحياة فلابد أن يستجيب القدر " تحققت بعد عقود من إطلاقها وأعادت كتابة التاريخ العربي من جديد بل ودحضت المزاعم تماما حول أن الشعوب العربية باتت مغلوبة على أمرها ومستسلمة للأمر الواقع المفروض عليها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.